دعوة علمية عاجلة لإعادة التفكير في استراتيجيات مواجهة الحرارة القاتلة
5 أغسطس 2025
في وقت تتزايد فيه موجات الحر حول العالم وتتحول إلى ظواهر قاتلة، أطلق أربعة باحثين بارزين نداءً علميًا عبر مجلة "نيتشر" العلمية، يدعو إلى إعادة صياغة الطريقة التي نتعامل بها مع الحرارة المرتفعة.
النداء يسلط الضوء على خلل جوهري في السياسات الصحية والبيئية، حيث يتم التركيز على تبريد الهواء بدلاً من تبريد الإنسان نفسه.
بحسب تقديرات الباحثين، فإن موجات الحر التي اجتاحت أوروبا في صيفي 2022 و2023 تسببت في وفاة أكثر من 110,000 شخص. هذا الرقم الصادم يعادل سقوط طائرة ركاب مكتظة يوميًا لمدة 16 أسبوعًا، ومع ذلك لم يحظَ بالاهتمام الكافي من الحكومات أو وسائل الإعلام، الوفيات لم تكن نتيجة مباشرة لضربات الشمس، بل جاءت نتيجة تراكمية لتأثير الحرارة على أجهزة الجسم، خاصة لدى كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة.
الحرارة ليست مجرد رقم
الخطأ الشائع في التعامل مع موجات الحر يكمن في الاعتماد على درجة حرارة الهواء كمؤشر وحيد للخطر. لكن الباحثين يوضحون أن الجسم البشري يتأثر بعوامل متعددة، منها:
- الرطوبة: التي تقلل من فعالية التعرق.
- الإشعاع الشمسي: الذي يرفع حرارة الجلد مباشرة.
- سرعة الرياح: التي تؤثر على تبخر العرق.
- الملابس والنشاط البدني: التي تحد من قدرة الجسم على التبريد.
عندما ترتفع درجة حرارة الجسم إلى 39 درجة مئوية، يبدأ خطر الإنهاك الحراري، أما عند 40 درجة، فقد تحدث السكتة الحرارية، التي تؤدي إلى فشل الأعضاء والموت خلال ساعات.
دعوة لتغيير النموذج
الباحثون يدعون إلى اعتماد نماذج فسيولوجية لتقييم المخاطر، تأخذ بعين الاعتبار العمر، الحالة الصحية، النشاط، والبيئة المحيطة. وقد طوّر الفريق أداة مجانية تُدعى HeatWatch، تتيح للأفراد تقييم خطر الحرارة عليهم بشكل شخصي، وتقدم توصيات مثل تغيير الملابس، تقليل النشاط، أو البحث عن الظل.
النداء يسلط الضوء على خلل جوهري في السياسات الصحية والبيئية، حيث يتم التركيز على تبريد الهواء بدلاً من تبريد الإنسان نفسه
العديد من التدخلات البيئية، مثل طلاء الأسطح بمواد عاكسة أو زيادة المساحات الخضراء، تُقيّم عادةً بناءً على قدرتها على خفض درجة حرارة الهواء أو الأسطح. لكن الباحثين يشددون على أن هذه التدخلات يجب أن تُقيّم بناءً على تأثيرها على حرارة الجسم البشري، وليس فقط على البيئة المحيطة.
يقترح المقال تطوير واجهات رقمية شبيهة بتلك التي استخدمت خلال جائحة كورونا، تتيح للحكومات تتبع الفئات الأكثر عرضة للخطر، وتوجيه التحذيرات والتدخلات بشكل دقيق. هذا يشمل إرسال تنبيهات مخصصة، وتوفير مراكز تبريد متنقلة، وتعديل ساعات العمل أو الدراسة في أوقات الذروة الحرارية.
ومع استمرار ارتفاع درجات الحرارة عالميًا، وتزايد تواتر موجات الحر، فإن تجاهل التأثير الفسيولوجي للحرارة على الإنسان قد يؤدي إلى كوارث صحية متكررة. الباحثون يختتمون نداءهم بالتأكيد على أن "الحرارة تقتل بصمت"، وأن إنقاذ الأرواح يتطلب فهمًا أعمق لكيفية عمل الجسم البشري، وليس فقط مراقبة درجات الحرارة في الظل.