19-فبراير-2016

الثأر بين شباب المناطق الشعبية المصرية وضباط الشرطة قديم وعميق(محمد العابد/أ.ف.ب)

أن يرمي أمين شرطة رصاصة في رأس مواطن فالمشهد ليس جديدًا، ولا يستحق أن تتوقف أمامه، فالذي يجري في أقسام الشرطة والشوارع الخلفية أفظع وأكثر بشاعة. هنا، في مصر، ندرّب أمناء الشرطة على القسوة، لكن، لماذا تزلزلت الأرض تحت أقدام رجال الداخلية الكبار هذه المرة؟ السؤال الأدق، لماذا شعروا بأن القتيل "دربكة"، سائق "الميكروباص"، الذي لم يركع لأمين الشرطة "المطلوب حيًا وليس ميتًا" الآن، سيكون مسمارًا في نعش جهاز يعيش على جثث الناس، ولا يريد أن يتعايش معهم؟

سيناريو خالد سعيد، الذي يعرفه السيسي وحذّر منه قبل 25 يناير، في تقارير مخابرات، يتكرر الآن

الإجابة في مقطع فيديو يسجل لحظة القتل داخل قسم شرطة انتشر على "يوتيوب" و"فيسبوك"، كان الضباط يشاهدون الواقعة لأول مرة، وحين أفرغ أمين الشرطة مسدسه في دماغ "دربكة"، قال أحدهم: "حظه سيء، لو قام بقتله في المعادي كان الحادث سيمر دون ضجيج ولا تجمهر"، المشكلة أنه قتله في منطقة شعبية، والدرب الأحمر لها ثأر قديم مع الداخلية.

هذا هو الحادث ببساطة من وجهة نظر ضابط شرطة، التي هي ربما تكون وجهة نظر وزير الداخلية شخصيًا، المشكلة ليست في القتل، المشكلة في منطقة القتيل، التي هاجمت الأمين، وحاصرت مديرية أمن القاهرة، وكانت على وشك أن تقتحم أقسامًا، أغلقت منها "عابدين" و"السيدة زينب".

ولأن الداخلية تعتقد أنها أكبر من أن تعتذر كان مشهد "ضبط وإحضار" شقيقة القتيل "دربكة" إلى مديرية أمن القاهرة لتقديم واجب العزاء لها معبرًا، أمين شرطة يقتل "سائق توك توك"، ومدير الأمن لا يكلف نفسه زيارة بيته لتقديم الاعتذار والعزاء، إنما يستدعي شقيقته إلى إحدى قلاع الوزارة "المتهمة"!

التفسير الثاني لواقعة "ضبط وإحضار" شقيقة القتيل، هو أن مدير الأمن "مرعوب" من زيارة بيت القاتل في الدرب الأحمر.. يعتقد الرجل، بما لديه من خبرة أمنية، أنه سيدخل المنطقة ولن يخرج منها سالمًا، وفي رواية أخرى: "لن يخرج أبدًا".

لماذا؟ لأن الثأر بين شباب المناطق الشعبية وضباط الشرطة قديم وعميق، وقتل "دربكة" مجرد انفجار للجرح، الذي انفجر يوم 28 يناير "جمعة الغضب" للمرة الأولى، واحترقت الأقسام، فقالوا: "حماس وحزب الله والحرس الثوري الإيراني دخلوا القاهرة وهاجموا الأقسام والحزب الوطني"، والحقيقة أن شباب المناطق الشعبية استدعوا الغل التاريخي من أمناء الشرطة وظلم الضباط، ودون ترتيب (فأغلب أحداث الثورة خارج ميدان التحرير كانت دون ترتيب) حرقوا الأقسام، وهناك قصة تدور في أوساط الضباط، أن أحد أهالي منطقة "الأزبكية" اقتحم القسم خلال أحداث الثورة، وأخذ ثأره القديم من مأمور القسم، وضربه بالمطواة في وجهه، بالمصري: "علّم عليه"!

الثأر بين شباب المناطق الشعبية المصرية وضباط الشرطة قديم وعميق

شيء مثل هذا يتكرر الآن، واللعنة ستطول الجميع، من أمناء الشرطة إلى الرئيس. لكن لماذا لا يتدخل السيسي الآن؟ هل ينتظر أن يضرب أمناء الشرطة أعمدة ملكه؟

يعرف السيسي أنه يربي ثعابين في فراشه، ستنتهي من الثوار وسائقي "التكاتك" والمواطنين لتستدير وتوجه رصاص مسدساتها إلى الخلف، أو على الأقل، ستحوّل الغضب إليه، فالناس حين تغضب من أمين شرطة لا تلتفت إليه إنما تحاصر مديرية أمن القاهرة أو تتجه إلى ميدان التحرير لتعتصم.

سيناريو خالد سعيد، الذي يعرفه السيسي وحذّر منه قبل 25 يناير، في تقارير مخابرات، يتكرر الآن.. التاريخ لا يعيد نفسه تقريبًا إلا في مصر. أنت أمام دولة تنتحر بالملل.

المذيع أحمد موسى، المعروف بمواقفه، روّج شائعة أن أمين الشرطة قتل في الدرب الأحمر لكي يمنحه فرصة الهروب، وأحد المقربين من أمن الدولة حمّل ثورة 25 يناير مسؤولية توحّش "آل حاتم". كيف؟

قال إنها "كانت السبب في تسليح أمناء الشرطة بعدما كان السلاح "الميري" مقتصرًا على الضباط، واعتصم الأمناء في عهد وزير الداخلية الأسبق منصور العيسوي، وطالبوا بالمسدسات لأنهم ليسوا أقل من الضباط، وساندهم إعلاميون من الثوار، فوافق، ثم إن "أربعة آلاف أمين شرطة عادوا من "الفَصْل والتشريد" إلى أعمالهم بسبب الثورة أيضًا".

يردد رجال الأجهزة الأمنية في الإعلام أن ثورة 25 يناير صنعت "دولة أمناء الشرطة" دون أن تدري أو تقصد.. فلا تنتظروا ثورة جديدة تصحح أخطاء الثورة الماضية، ولن تنسف دولة الأمناء وحدها، ستنسفكم جميعًا.

اقرأ/ي أيضًا: 

توحش الشرطة المصرية (1).. محمية الميري

الشرطة المصرية (2).. عقيدة الفشل