28-فبراير-2025
دراما مصرية

لقطة من المقطع الترويجي لمسلسل "إخواتي" (إكس)

يُعد شهر رمضان موسمًا سنويًا مُعتادًا للدراما العربية بصفة عامة، والمصرية على وجه التحديد، حيث تتسابق العشرات من الأعمال الدرامية لجذب المشاهد والاستحواذ على أكبر قدر ممكن من اهتمامه ووقته، وسط التخمة المعتادة التي تشهدها الخارطة الدرامية في هذا الموسم.

ويشهد الموسم الرمضاني المصري هذا العام تنوعًا كبيرًا في الخارطة الدرامية التي تتجاوز 35 عملًا دراميًا، سيتم عرضها على الشاشات المصرية والعربية، متأرجحة بين الكوميدي والاجتماعي والرومانسي والأكشن، بعضها تدور أحداثه خلال 30 حلقة، والآخر يكتفي بـ15 فقط. : غالبيتها أعمال مستحدثة، بينما هناك عدد ليس بالقليل يُعد امتدادًا لأعمال قُدمت في مواسم سابقة.

على مدار عقود طويلة حافظت الدراما الرمضانية المصرية على بعض الثوابت التي تحولت مع مرور الوقت إلى مسارات إجبارية لا يمكن الخروج عنها، أبرزها هيمنة الأعمال التاريخية والدينية على الخارطة التلفزيونية في هذا الشهر. غير أن الموسم الحالي شهد تحولًا جذريًا عن هذا المسار، إذ خلت الخارطة من تلك الأعمال.

إن كان هناك مسمى للموسم الدرامي الرمضاني الحالي في مصر، فهو "موسم المرأة"، حيث هيمنت القضايا الاجتماعية التي تخص المرأة، زوجة كانت أو مطلقة، على الخارطة بشكل كبير

حتى الدراما السياسية، التي فرضت نفسها خلال السنوات الماضية، غابت هي الأخرى عن المشهد، في تحول أثار العديد من علامات الاستفهام الباحثة عن إجابة منطقية وواقعية، بعيدًا عن الإجابات الدبلوماسية المعتادة.

سيطرة مطلقة لقضايا المرأة والمجتمع

إن كان هناك مسمى للموسم الدرامي الرمضاني الحالي في مصر، فهو "موسم المرأة"، حيث هيمنت القضايا الاجتماعية التي تخص المرأة، زوجة كانت أو مطلقة، على الخارطة بشكل كبير. إذ تطرقت قرابة ثمانية مسلسلات بشكل مباشر لتلك المسائل، فيما تناولتها أخرى بشكل غير مباشر.

  • قضية المحلل وأزمة الزوجة بعد الطلاق

يسلط مسلسل "قلبي ومفتاحه"، بطولة النجم آسر ياسين ومي عز الدين، الضوء على قضية "المحلل"، كأحد الشروط الواجب توافرها لعودة المرأة لزوجها بعد تطليقها ثلاث مرات، وهي القضية التي فرضت نفسها خلال السنوات الأخيرة على الشارع المصري بعد ارتفاع معدلات الطلاق بصورة غير مسبوقة، حيث بلغت حالات الطلاق في مصر 265,606 حالة عام 2023، وفقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي.

كما يتطرق مسلسل "عايشة الدور"، بطولة النجمة دنيا سمير غانم ومحمد ثروت ورحاب الجمل، إلى الأزمة ذاتها، حيث رصد معاناة المرأة المطلقة في تربية أبنائها. أما مسلسل "حسبة عمري"، بطولة النجمة روجينا، فركز على مسألة الترابط الأسري وحق المطلقة في الامتيازات المادية بعد الطلاق، مثل حق "الكدّ والسعاية"، وأن يكون لها نصف ممتلكات زوجها بعد الطلاق.

  • الصراعات الأسرية بين الأخوات وتأثيرها على حياتهن اليومية

من القضايا التي فرضت نفسها على الخارطة الدرامية الرمضانية لهذا العام، العلاقات المعقدة بين الأخوات داخل الأسرة الواحدة والصراع النفسي والاجتماعي بينهن، وما ينجم عن ذلك من تداعيات صحية ونفسية تؤثر على العائلة وتماسكها، وهو ما سيتناوله مسلسل "إخواتي" بطولة النجمات نيللي كريم وكندة علوش وروبي وجيهان الشماشرجي.

  • أزمة التسرع في الزواج

يحاول مسلسل "الأميرة – ظل حيطه" إلقاء الضوء على مسألة التوافق الاجتماعي والفكري بين الخاطب وخطيبته قبل الزواج، وعدم الاقتصار على التوافق المادي فقط، باعتبارها قضية تهدد استمرارية العلاقة الزوجية لاحقًا. تدور أحداث العمل، المستوحى من قصة حقيقية، حول الأزمة التي تواجهها بطلة المسلسل ياسمين صبري بسبب رغبتها في الزواج من شخص متميز ماديًا لكنه يعاني من أزمات شخصية، في صراع بين المغريات المادية والصفات الشخصية.

  • قضايا العنف ضد الأطفال

تفرض مسألة العنف الممارس ضد الأطفال بشتى أشكاله، النفسي والبدني، نفسها على ساحة النقاش المجتمعي في مصر وخارجها، خاصة بعد ارتفاعها بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة. وكان لذلك أثر بطبيعة الحال على المنظومة الفنية والإعلامية والثقافية، حيث تناولت كل منها القضية وفق سياساتها وأيديولوجياتها ونوافذها.

وفي هذا السياق، جاء مسلسل "لام شمسية"، بطولة الفنانة أمينة خليل ويسرا اللوزي، ليسلط الضوء على تلك القضية في إطار اجتماعي توعوي، موضحًا كيف يمكن للأم التعامل مع هذه التحديات في سياق درامي مشوق. العمل من تأليف مريم نعوم وإخراج كريم الشناوي.

جرعة كوميدية مكثفة

الأعمال الكوميدية كان لها، هي الأخرى، نصيبٌ مُعتبرٌ على خارطة الدراما الرمضانية المصرية هذا الموسم. حيث شكلت مع الدراما الاجتماعية توليفة مشوقة وجذابة، تقدم القضايا الجادة في إطار كوميدي غير ممل، مما يسهل استيعابها عبر مداخل متعددة تستهدف مخاطبة العقل والعاطفة في آن واحد.

ومن أبرز الأعمال الكوميدية لهذا الموسم مسلسل "شهادة معاملة أطفال"، بطولة الفنان محمد هنيدي، والذي غاب عن الدراما التلفزيونية منذ سنوات، حيث يؤدي دور المحامي الشرير الذي يلعب بالبيضة والحجر، وفجأة يدخل في غيبوبة طويلة، يستيقظ منها بعد عشرين عامًا، ليجد تغيرات كثيرة شهدها المجتمع، وتدور حولها أحداث العمل، الذي تشاركه بطولته نهى عابدين.

كما يقدم الفنان الكوميدي أكرم حسني شكلًا جديدًا من الدراما الفكاهية في مسلسل "الكابتن"، الذي تدور أحداثه حول كابتن طيران فاشل في عمله، يتسبب في سقوط الطائرة التي يقودها، ليموت جميع الركاب باستثنائه، ثم تظهر أرواحهم لتطالبه بتحقيق أمنياتهم. تشاركه البطولة الفنانة آية سماحة.

أما الفنان شريف سلامة والفنانة دينا الشربيني، فيقدمان الجزء الثالث من العمل الكوميدي "كامل العدد++"، الذي ينتمي إلى الدراما الاجتماعية الفكاهية. كما يقدم الفنان أحمد أمين مسلسل "النص"، المأخوذ عن كتاب "مذكرات نشال"، وتشاركه البطولة الفنانة أسماء أبو اليزيد.

وتخوض الشقيقتان، دنيا وإيمي سمير غانم، منافسة قوية لجذب المشاهدين خلال شهر رمضان من خلال مسلسلي "عقبال عندكو" و"عايشة الدور". كما تخوض النجمة روجينا مغامرة جديدة في إطار اجتماعي كوميدي عبر مسلسل "حسبة عمري"، بمشاركة عمرو عبدالجليل.

المتحدة للخدمات الإعلامية.. احتكار شبه مطلق

من النظرة الأولى إلى الخارطة الدرامية للموسم الرمضاني الحالي، يُلاحظ سيطرة شركة "المتحدة للخدمات الإعلامية"، المملوكة لأحد الأجهزة السيادية في مصر، على نصيب الأسد من الأعمال المقدمة، حيث تحتكر وحدها إنتاج 21 من إجمالي 35 عملًا، ما نسبته 60% تقريبًا، فيما تتوزع النسبة المتبقية على العديد من شركات الإنتاج الخاصة الأخرى.

وتعد المتحدة للخدمات الإعلامية التي تأسست في أيار/مايو 2016 الكيان الأكبر إعلاميًا وفنيًا ودراميًا في المنطقة العربية. فهي تمتلك أكثر من 40 شركة رائدة في مختلف المجالات الإعلامية، تتنوع بين الإعلام المرئي، والمسموع، والمطبوع، والإلكتروني، إضافة إلى الإنتاج الدرامي، والدعاية والإعلان، والخدمات الإعلانية المباشرة وغير المباشرة، وكذلك خدمات الحقوق الرياضية وتسويقها.

واستطاعت الشركة منذ نشأتها أن تتربع على عرش أكبر المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي في وقت قياسي، لتصبح أقوى منظومة إعلامية متكاملة، حيث ينطوي تحت لوائها العديد من شركات الإنتاج المعروفة. منها "ميديا هب"، إحدى وكالات الإنتاج المميزة في إنتاج وتصوير الإعلانات في مصر، إضافة إلى إنتاج المحتوى الدرامي وإنشاء العلامات التجارية وتنميتها وبنائها.

وكذلك شركة "سينرجى أدفرتيزنج" التي تأسست عام 2005، وتعد من الشركات الكبرى فى مجال الإنتاج الدرامى في الشرق الأوسط، ولها رصيد كبير من الإنتاج تجاوز مائة عمل. إضافة إلى "سينرجي فيلمز"، التي تُعد واحدة من الكيانات الإنتاجية الكبرى في الساحة السينمائية. أسسها رجل الأعمال والمنتج تامر مرسي، ويرأسها المنتج أحمد بدوي.

أجهضت "المتحدة للخدمات الإعلامية"، من خلال احتكارها للمشهد الإعلامي والفني والرياضي في مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة، المنافسة بين شركات الإنتاج في مختلف المجالات، مما أجبر بعضها على الانسحاب من الساحة، بعد أن باتت خاضعة للصوت واللون والتوجه الواحد. وقد أدى ذلك، في نهاية المطاف، إلى سحب بساط الريادة لصالح جهات ومنظومات غير مصرية.

غياب تام للدراما التاريخية والدينية

إذا سألت أي متابع للدراما المصرية هذه الأيام، سواء كان مصريًا أو عربيًا، عن الأعمال التاريخية التي لا تزال عالقة في ذهنه، فستجد الإجابة أسهل من أن تستغرق وقتًا في التفكير فيها. حيث عشرات الأعمال التي حُفرت في الذاكرة ويسهل استدعاؤها بين الحين والآخر، أبرزها "الليث بن سعد"، و"هارون الرشيد"، و"الإمام محمد عبده"، و"الفرسان"، و"ليالي الحلمية"، وغيرها من الأعمال التي حفظت للدراما المصرية تربعها على عرش الدراما العربية لعقود طويلة.

لكن في السنوات الأخيرة شهدت الخارطة المصرية تراجعًا ملحوظًا في هذه النوعية من الأعمال، حيث تقلصت إلى حدودها الدنيا الموسم الماضي، ليأتي هذا العام وقد خلت الساحة من أي عمل تاريخي أو ديني أو سياسي، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات حول غياب هذه النوعية تحديدًا من الأعمال التي كانت السمة الأبرز للدراما الرمضانية لعقود طويلة.

إن ندرة الكوادر الفنية وتراجع الأقلام المؤهلة، وغياب الإرادة القوية في تقديم محتوى ثقافي توعوي جاد، من أقوى الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع الفاضح في الدراما المصرية

وأرجع النقاد هذا التراجع إلى عدة أسباب، على رأسها الكلفة الإنتاجية العالية التي تتطلبها هذه الأعمال حتى تخرج بصورة مقبولة، كما تقول الناقدة الفنية ماجدة موريس، التي أشارت إلى أن المُشاهد لن يقبل رؤية مسلسل يقدم التاريخ بصورة هزلية متواضعة. كذلك، فإن المنتجين يفضلون المسلسلات ذات العائد الربحي الكبير، والتي لا تشمل بطبيعة الحال الدراما التاريخية أو الدينية، كما أشار الناقد طارق الشناوي.

ويتفق مع هذا الطرح المؤلف والسيناريست أيمن سلامة، الذي كشف أن العصر الذهبي للدراما التاريخية والدينية المصرية كان في فترة كانت الدولة مسؤولة عن الإنتاج، ممثلة في اتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو)، وبالتالي ما كانت تستهدف الربح قدر تقديم وجبة دسمة من الترفيه والإمتاع والتثقيف دون انتظار المردود المادي، أما حين دخلت شركات الإنتاج الخاصة وسحبت البساط من تحت "ماسبيرو"، فقد تغير الوضع وتذيلت الأعمال التاريخية قائمة اهتمامات المنتجين، على حد قوله.

علاوة على ذلك، فإن ندرة الكوادر الفنية وتراجع الأقلام المؤهلة، وغياب الإرادة القوية في تقديم محتوى ثقافي توعوي جاد، من أقوى الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع الفاضح في الدراما المصرية التي تعرضت خلال العقد الأخيرة إلى ضربات موجعة من التمييع والتسطيح استهدفت أعمدتها الأساسية فأزاحتها على منصات الريادة التي احتكرتها لأزمنة طويلة سابقًا.