11-أغسطس-2018

اصطاد الرومان الحيتان قبل ألف عام مما كان يعتقد (إلبايس

في تقرير لها، تلقي صحيفة إلبايس الإسبانية الضوء على نتائج بحث جرى على مدار أربع سنوات، تكشف عن أن الرومانيين القدماء، مارسوا صيد الحيتان، واستفادوا من لحومها ودهونها وعظامها، قبل وقت طويل مما كان يعتقد سابقًا. مزيد من التفاصيل عن نتائج البحث، ننقلها لكم مترجمة عن صحيفة إلبايس، في السطور التالية.


لم يتغذَ الرومان فقط على سمك التونة الأحمر والسردين أو البوري الأحمر الذي كان يستخدم لصنع صلصة السمك الشهيرة، المعروفة بصلصة جاروم. إذ ازدهرت قبل ألفي عام، في روما القديمة، التجارة في لحوم الحيتان، حيث اصطيد نوعان على وجه الخصوص هما: حوت شمال الأطلسي الصائب، والحوت الرمادي.

اكتشف فريق من علماء البيئة والآثار والوراثة، أن تجارة صيد الحيتان كانت مزدهرة لدى الرومان، قبل ألف عام مما كان يعتقد سابقًا

هذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه فريق دولي مكون من مجموعة من علماء البيئة والآثار والوراثة، بعد أربع سنوات من الأبحاث، والتي نُشرت في مجلة "Proceedings of the Royal Society of London B". فبعد التحليل الجزيئي لبقايا الهياكل العظمية القديمة، أثبت الفريق أن تجارة صيد الحيتان كانت مزدهرة قبل ألف سنة مما كان يُعتقد سابقًا.

اقرأ/ي أيضًا: مدينة وليلي.. إرث الرومان لا يزال حاضرًا في المغرب

"عندما تحفر، تجد الكثير مما تبحث عنه كما تجد ما لم تكن تبحث عنه"، كما يقول داريو برنال كاسولا، أحد الباحثين السبعة المشاركين في الدراسة، ومنسق الفريق الأثري بجامعة كاديز، والذي اكتشف أكبر عدد من العظام في المضائق نفسها.

وكانت المجموعة تعمل في موقع لوليا ترادوكتا الأثري في ألخِثيراس (الجزيرة الخضراء) بإسبانيا، عندما عثروا على أول عينة مما تبين أنها البقايا القديمة لهذه الحيتان. وبعد ذلك بفترة وجيزة، وُجد في موقع بابلو كلوديا الأثري بمدينة طريفة الإسبانية، المزيد من بقايا الحيتان، ما يعزز القول بأن صيد الحيتان كان تقليدًا يعود إلى عدة آلاف من السنين.

اصطاد الرومان الحيتان منذ القدم
اصطاد الرومان الحيتان منذ القدم

"مكننا ذلك من معرفة أن وجود مجموعتي العظام لا يمكن أن يكون نتيجة لحدث غير متكرر. كان الأمر مثيرًا للغاية"، حسبما يقول برنال، الذي أمضى آخر 25 عامًا في البحث في بقايا الآثار الرومانية. وركز علماء الآثار أيضًا على مواقع مدينتين رومانيتين على الجانب الآخر من المضيق، وهما سبتين وفريتس، في ما يعرف الآن باسم سبتة وتمودة بالقرب من تطوان في المغرب.

وكانت المدن الرومانية الأربعة القديمة، مراكز تجارية معروفة لصيد الأسماك، وذلك بفضل إنتاج الأسماك المعالجة (المدخنة أو المملحة)، التي كانت تُصدر إلى باقي أجزاء الإمبراطورية الرومانية. ووجدت بقايا حيتان أخرى في جميع المواقع، عدا ألخِثيراس، حيث عُثر على العظام الأولى. وتعود هذه البقايا إلى مراحل تاريخية مختلفة، مما يدل على أن صيد الحيتان لم يكن أمرًا نادرًا وإنما شائع.

ووجد علماء الآثار بقايا منكمشة لحيتان في مصانع المعالجة وغيرها من المواقع التي كان يتم فيها التعامل مع الحيتان بعد صيدها، ما يشير إلى أنها قد طُهيت من أجل دهونها ولحومها، على الرغم من عدم وصول شعبيتها بين الرومان لمثل شعبية الخنازير مثلًا لهذه الأغراض.

تركزت أعمال صيد الحيتان لدى الرومانيين، على صيد نوعين من الحيتان تحديدًا هما حوت شمال الأطلسي الصائب والحوت الرمادي

ولكن بدلًا من ذلك، يُعتقد أنه قد جرى اصطيادها في المقام الأول بسبب عظامها، التي كانت تستخدم لصنع بعض الأغراض مثل طاولات الصيادين أو أدوات تقطيع اللحوم. ففي تمودة، أسفر التنقيب عن اكتشاف فرشاة فريدة من عظام الحيتان.

سابقين لأوانهم

لكن كيف استطاع الرومان صيد الحيتان؟ "لم تكن لديهم التكنولوجيا اللازمة لاصطياد حيتان من نوع حوت العنبر، أو حوت الهَرَاكِلَة (فصيلة من ضمنها الحوت الأزرق) التي يمكن العثور عليها الآن في البحر المتوسط، ​​لأنها تعيش بعيدًا في أعماق البحر"، حسبما تقول آنا رودريغز، الباحثة في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، والمشاركة في البحث.

اقرأ/ي أيضًا: حبر من النحاس.. اكتشاف جديد عن الكتابة المصرية القديمة

تكمن الإجابة إذن في نوع الحيتان التي كانوا يصطادونها، فقد مكنت التقنية الجزيئية الحديثة -التي استخدمها علماء الوراثة- علماء الآثار من معرفة أن العظام تعود لحيتان شمال الأطلسي الصائبة والحيتان الرمادية. ويمكن صيد هذين النوعين دون الحاجة إلى كل هذا التقدم التقني الحديث في صيد الحيتان. الحيتان الرمادية وصغارها معتادة على الاقتراب من الساحل، ويمكن رؤيتها من على البر، ومن المرجح أنها مثلت إغراءًا للصيادين المحليين، وفقًا لرودريغز.

يقترح البحث أن يكون صائدي الحيتان الرومانيين الأوائل قد استخدموا الحراب وقوارب تجديف صغيرة، تمامًا كما فعل أول صيادي الحيتان في إقليم الباسك في القرن الـ11، الذي يسود الاعتقاد بأنه وقت بداية انتشار هذه المهنة في إسبانيا. وجد برنال دليلًا على أن التجارة في المضيق قد تراجعت لمدة 700 عامًا، بين القرن الثاني قبل الميلاد وحتى نهاية القرن الخامس الميلادي، على الرغم من أن هذا لا يعني أن صيد الحيتان قد توقف تمامًا.

وحتى الآن، لم تكن هناك سوى إشارات متفرقة قليلة عن الحيتان في التراث الروماني المبكر؛ إحداها تتعلق بخصائصها الطبية، وأخرى عن كيفية اصطيادها. "لم يخطر ببال أحد على الإطلاق أن الحيتان كانت متواجدة في حياة الرومان القدماء بهذا القدر"، حسب برنال. لم يكن معروفًا حتى أن حوت شمال الأطلسي الصائب والحوت الرمادي كانا يستوطنان البحر المتوسط ​. وعلى الرغم من عدم إمكانية تحديد توقيت اختفاء هذه الحيتان من البحر المتوسط بعد، فقد ألمح إلى أن اللوم قد يقع على صناعة صيد الحيتان الرومانية المبكرة.

استخدم الرومان عظام الحيتان في صناعة الأدوات
استخدم الرومان عظام الحيتان في صناعة الأدوات

وبعد قرون من هذا الصيد الجائر، يكافح الآن حوت شمال الأطلسي الصائب ضد الانقراض قبالة سواحل أمريكا الشمالية. بينما اختفى الآخر من المحيط الأطلسي، ولا يتواجد الآن إلا في شمال المحيط الهادي.

ويعاد النظر الآن في بعض البيانات التاريخية في ضوء هذا البحث الرائد، مثل وصف عالم الطبيعة بلينيوس الأكبر في القرن الأول بعد الميلاد، عن الحيتان القاتلة التي تهاجم حوتًا ووليده الجديد في خليج قادس، في ضوء مختلف. تقول آن شاربنتييه، الأستاذة بجامعة مونبلييه، والتي عملت أيضًا في المشروع: "يتوافق  هذا تمامًا مع ما نعرفه الآن عن الحيتان الرمادية وحوت شمال الأطلسي الصائب".

يعتقد الباحثون أن الرومانيين الأوائل الذين اصطادوا الحيتان، استخدموا في صيدهم الحراب وقوارب التجديف الصغيرة

ويحث الآن فريق البحث الإسباني جميع المؤرخين وعلماء الآثار على إعادة النظر في تفسيرهم للتاريخ في ضوء هذا الكشف. وقال برنال -الذي يشارك في مشروع جديد بموقع بايلو كلاديو (Baelo Claudio)- إنه بالتأكيد عازم على القيام بذلك. وفي الوقت نفسه، تعتقد كاميلا سبيلر -الباحثة المشاركة في البحث، وعالمة الآثار والوراثة في جامعة يورك- أن علماء الوراثة سيلعبون دورًا أكبر في مشاريع الأبحاث المستقبلية، إذ ترى أن "الأدوات الجزيئية الجديدة تفتح نافذة على النظم البيئية الغابرة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

​يعود إلى 4500 عام.. اكتشاف جديد في الهرم الأكبر

إرث النهب الاستعماري.. متحف بريطاني يعير إثيوبيا بعضًا من كنوزها