15-أغسطس-2017

سفارة الجزائر في كوالالمبور

تتصرّف بعض سفارات الجزائر في الخارج، على أساس أنها فيلات فارهة منغلقة على نفسها، لا على أساس أنها ممثلة لدولة ممتدة في التاريخ والجغرافيا. ولنا أن نحصي عدد المراكز الثقافية المفتوحة على النشاط الفعلي، لتقديم ملامح الثقافة الوطنية، فإننا لن نجد مركزًا واحدًا ينشط، كما تنشط مراكز الدول الأخرى، بل إن معظم من يتولون أمور هذه المراكز الحساسة لا علاقة لهم بالثقافة إنتاجًا وتسويقًا، وقد تم اختيارهم وفق مقاييسَ ضيقةٍ، يُفترض ألا يتم اعتمادها إطلاقًا، لأن الأمر يتعلق بصورة وطن.. ثقافة وطن.. حضور وطن.

تتصرّف بعض سفارات الجزائر في الخارج، على أساس أنها فيلات فارهة منغلقة على نفسها

من يشرف على ملاحقنا الثقافية في هذه العواصم مثلا: لندن ـ واشنطن ـ مدريد ـ روما ـ برلين ـ أنقرة ـ بكين ـ طوكيو ـ الرباط ـ تونس العاصمة ـ القاهرة ـ الدوحة - أبو ظبي ـ الرياض ـ باريس - بيروت ـ باماكو ـ طهران ـ موسكو؟ وهي كلها عواصمُ مفصلية في حضورنا السياسي والاقتصادي، وتربطنا بها مصالحُ متعدّدة على أكثر من صعيدٍ، تقتضي رفدًا ثقافيًا وفنيًا، وهو دور المراكز الثقافية التابعة لسفاراتنا.

اقرأ/ي أيضًا: المثقف والسّلطة في الجزائر.. قناع لوجهين

إن هناك قاعدة معروفة في الأعراف الدبلوماسية هي "المعاملة بالمثل"، فلماذا لا ينشط مركزنا الثقافي في واشنطن مثلًا بالاحترافية والديمومة نفسيهما اللتين ينشط بهما المركز الثقافي الأمريكي عندنا؟ والحديث قياس على المركز الثقافي الإيطالي والإسباني والألماني. أما المركز الثقافي الفرنسي، فقد تحوّل ـ وهو مجرد مركز ثقافي تابع لسفارة دولة أجنبية ـ إلى منافس متفوق على وزارتنا للثقافة، وإن معاينة بسيطة لنشاطات فروعه في مدن الجزائر العاصمة وتلمسان وقسنطينة وبلعباس وتيزي وزو ووهران، تجعلنا ندرك أن النشاطات الأهم والأثرى والأكثر احترافية وانفتاحًا على أسئلة الحداثة، هي التي يقوم بهذا المركز.

أصبتُ قبل سنوات بالدوخة المعجونة بالدهشة، حين أخبرني صديق إعلامي بأن فلانًا قد تمّ تعيينه ملحقًا ثقافيًا في عاصمة عربية مهمة. وسبب دوختي ودهشتي أن الرجل لا يعرف العربية باعتبارها لغة البلاد التي عُيِّن فيها، ولا يعرف ملامح المشهد الثقافي في الجزائر، ولا في تلك البلاد، وقد كان في الجلسات التي جمعتنا يسخر منا نحن الكتاب والفنانين، باعتبارنا كائناتٍ تعيش خارج العصر.

إن هذه المراكز لا تكتفي بعدم استقدام مثقفين جزائريين، إلى البلدان الموجودة فيها فقط، بل إنها لا تزورهم ولا تحتفي بتواجدهم خلال التظاهرات التي يقيمونها بدعوة من تلك البلدان أيضًا، ما عدا في حالات قليلة عادة ما تتعلق بالأسماء ذات الألقاب السياسية. كأن هناك عداء بين الطرفين. وقد وقفت بنفسي على هذا المعطى، في كل البلدان التي زرتها مع مثقفين جزائريين بعضهم افتك جوائز وازنة في تلك الرحلات.

الجزائر قارة من الثقافات والفنون والعادات والتقاليد والطقوس، تشكل خزانًا سياحيًا لو أحسنا تسويقه

اقرأ/ي أيضًا: هل كان دون كيشوت جزائريًا؟

إن الجزائر قارة من الثقافات والفنون والعادات والتقاليد والطقوس، وهي كلها تشكل خزانًا سياحيًا لو أحسنا تسويقه. وإن دور الملاحق الثقافية في ذلك حاسم ومحوري. فكم ملحقًا منها يوفر مطويات بلغة البلاد المتواجد فيها لتقديم هذا الخزان؟ وكم موقعًا وصفحة في الإنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي؟ ولعل النشاط الوحيد الذي تقوم به هذه الملاحق هو ترتيب عشاءات مفرغة من أي مضمون ثقافي للاحتفال بأعياد الثورة والاستقلال، فكأن القائمين على شؤون الدبلوماسية الثقافية في الجزائر التي شهدت كتابة أول رواية في التاريخ من خلال أبوليوس، وأول تنظير للاهوت من خلال سانت أوغستين، وثاني تنظير في علم القانون من خلال يوبا الثاني، وأول تنظير في علم العمران والاجتماع من خلال ابن خلدون، يقولون للعالم اننا لا نريدك أن تعرفنا. من هنا، وجبت إضافة جوانب أخرى لمفهوم الخيانة الوطنية، منها التساهل في تعيين من يمثل الوطن، باعتماد مقياس الجدار لا الجدارة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل سيحرر فيسبوك الجزائريين؟

رسالة إلى الإمام الجزائري