10-يناير-2021

تصاعدت عمليات "داعش" في سوريا خلال العام المنصرم (Getty)

واحدة من سمات العام الفائت، 2020، هي عودة نشاط تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، حيث شهدت منطقة البادية السورية خلال هذا العام، تحديدًا بادية محافظتي دير الزور وحمص، هجماتٍ مكثفة اعتمد التنظيم في تنفيذها على "الذئاب المنفردة"، وقام بشنها على ضوء تحولاتٍ محلية وعالمية، تمثلت في ظهور فيروس كوفيد – 19، وما أفرزه من ظروفٍ وإجراءاتٍ احترازية ساعدت عناصره على التحرك ضمن هامشٍ واسع، بالإضافة إلى تغيير الميليشيات الموالية لإيران لمواقع انتشارها في ريف دير الزور الشرقي عقب اغتيال قاسم سليماني، وهو ما استغله التنظيم لتنفيذ هجماتٍ مباغتة ضدها طوال العام.

واحدة من سمات العام الفائت، 2020، هي عودة نشاط تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"

نشاط تنظيم الدولة في سوريا خلال 2020

استغل تنظيم الدولة في العراق والشام "داعش" انتشاره في مناطق غير مأهولة، وتكيفه مع طبيعة البادية السورية وظروفها، بالإضافة إلى قدرته على التأقلم مع المستجدات الميدانية، واستفادته من تناقضات أطراف الصراع شرق نهر الفرات؛ لتنفيذ هجماتٍ ضد مجموعة واسعة من الأهداف، شملت قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وميليشيات النظام، والميليشيات الإيرانية، وبعض الشخصيات المدنية المحسوبة على أحد الأطراف السابقة.

اقرأ/ي أيضًا: قصة داعش.. "تمدد" سريع وانحسار مُكلف و"بقاءٌ" محتمل

اعتمد تنظيم داعش في تنفيذ عملياته على الهجمات المباغتة والعبوات الناسفة. وبلغ عدد هذه العمليات خلال كانون الثاني/ يناير 2020، نحو 65 عملية توزعت على المحافظات التالية: دير الزور 49 عملية، الرقة 7 عمليات، الحسكة 3 عمليات، حمص 3 عمليات، بالإضافة إلى عمليتين في حلب، وواحدة في درعا.

ومع نهاية النصف الأول من عام 2020، سجلت هذه الأرقام ارتفاعًا كبيرًا، إذ بلغ عدد عمليات التنظيم خلال هذه الفترة نحو 399 عملية، نالت محافظة دير الزور النصيب الأكبر منها بـ 244 عملية، وحلت محافظة الرقة في المرتبة الثانية بـ 79 عملية، فيما توزعت بقية العمليات على محافظات الحسكة 38 عملية، ودرعا 19 عملية، وحمص 13، وحلب 12، بالإضافة إلى عمليتين في القنيطرة، وواحدة في السويداء.

وبحسب إحصائية نشرها "مركز جسور للدراسات"، استهدفت 302 عملية من أصل 399، قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بشكلٍ مباشر، وأسفرت عن مقتل نحو 288 من عناصرها، فيما استهدفت 77 عملية قوات النظام، موقعةً في صفوفها نحو 370 قتيل، يضاف إليهم أكثر من 19 قتيلًا تابعًا للميليشيات الرديفة الموالية لإيران.

وعلى مدار 12 شهرًا، استثمر التنظيم حالة الفوضى التي شهدتها منطقة شرق الفرات وبادية محافظة حمص، لتكثيف هجماته، حيث شهد النصف الأخير من العام الفائت تنفيذ أكثر من 327 عملية، توزعت كالتالي: 164 عملية في محافظة دير الزور، 85 عملية في الرقة، 32 عملية في الحسكة، 16 عملية في درعا، 15 في حمص، 14 في حلب، وعملية واحدة في القنيطرة. وتركزت هجمات التنظيم خلال هذه الفترة على قوات سوريا الديمقراطية، حيث جرى استهدافها بنحو 215 عملية، فيما استهدفت 57 عملية ميليشيات النظام.

ووفقًا لإحصائية نشرها "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، رصد فيها نشاط تنظيم الدولة في سوريا خلال 2020، نفذ التنظيم أكثر من 480 عملية ضمن مناطق سيطرة "قسد"، وهي دير الزور، والحسكة، والرقة، بالإضافة إلى منطقة منبج غرب نهر الفرات. وتسببت هذه الهجمات بمقتل 208 شخص، منهم نحو 86 مدني، و122 عنصرًا من "قسد". وبحسب هذه الإحصائية، قتل التنظيم أكثر من 700 عنصرًا من قوات النظام والميليشيات المساندة لها، بينهم 108 من الميليشيات الإيرانية من جنسيات مختلفة. 

ولعل أكبر عمليات التنظيم خلال العام الفائت، لناحية الزخم الإعلامي، هي عملية اغتيال الجنرال الروسي فياتشيسلاف جلادكيخ، الذي لقي مصرعه بانفجار عبوة ناسفة محلية الصنع، أثناء مرور موكبه في حقل ألغام زرعه التنظيم شرق منطقة السخنة في بادية محافظة حمص. 

وتشير هذه المعطيات إلى ازدياد احترافية العمل العسكري والأمني للتنظيم، فيما يعزز المنحى التصاعدي لعملياته من احتمال ذهاب منطقة شرق الفرات والبادية، إلى المزيد من التصعيد والمواجهات العسكرية بين التنظيم من جهة، وميليشيات النظام وقوات "قسد" من جهةٍ أخرى. كما تدل عملياته خارج حدود مناطق انتشاره التقليدية، إلى اتساع مساحة التحرك والرصد الاستخباراتي عنده، واتسامها بالمزيد من المرونة.

وتدخل هذه التحولات في استراتيجيات التنظيم ضمن إطار سعيه إلى توسيع نطاق حركة عناصره، واختراق المجتمعات المحلية بهدف توفير مصادر متعددة للمعلومات حول تحركات الخصوم، وتحديد أماكنهم، ومعرفة الوقت المناسب لاستهدافهم.

نشاط تنظيم الدولة في العراق خلال 2020

اختلف وضع تنظيم الدولة في العراق عما هو عليه الحال في سوريا، إذ استطاعت القوات العراقية، بغطاءٍ جوي وفره طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، تتبع خلايا التنظيم وتفكيك الكثير منها خلال العام الفائت، كما نجحت أيضًا في إعاقة عملية إعادة ترتيب التنظيم لما يُعرف بـ "التواصل الخيطي" بين خلاياه المنتشرة شمال وغربي البلاد، وهي عبارة عن عملية تؤمن لقياداته التواصل فيما بينهم من جهة، وتواصلهم مع عناصرهم من جهةٍ أخرى، بهدف تسليم التعليمات وتنسيق الهجمات.

وشهد الربع الأخير من 2020، نجاح قوات الجيش العراقي في تفكيك 8 خلايا للتنظيم الإرهابي، وقتل عددٍ من قياداته وعناصره خلال مواجهاتٍ مسلحة جرت معظمها في الجزء الشمالي الغربي من العراق، تحديدًا في بادية محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين.

وغيرت القوات العراقية خلال العام المنصرم من طبيعة عملياتها ضد التنظيم، إذ اعتمدت على أسلوب المباغتة وجمع المعلومات، وتتبّع العناصر المشتبه بهم، واعتماد المراقبة الجوية عبر الطائرات المسيرة لرصد تحركاتهم. وأثبتت هذه الاستراتيجية الجديدة نجاحها في قتال بقايا التنظيم، مقارنةً بالاستراتيجيات السابقة القائمة على الحملات العسكرية الضخمة التي فشلت في تحقيق الهدف المرجو منها.

وعلى الرغم من تراجع خطر التنظيم داخل العراق نهاية العام الفائت، مقارنةً بما كان عليه الحال خلال نصفه الأول، إلا أن خطر عودة هجماته الإرهابية لا يزال قائمًا، خصوصًا في ظل الأزمة الأخيرة بين الحكومة المركزية والميليشيات الموالية لطهران، والتي من المرجح أن يسعى التنظيم إلى استثمارها بهدف العودة إلى المشهد مجددًا.

نشاط تنظيم الدولة خارج حدود "الخلافة"

في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، أعلن الرئيس الأفغاني أشرف عن يالقضاء على جميع خلايا تنظيم الدولة في أفغانستان على نحوٍ حاسم، وبشكلٍ يمنعها من إعادة ترتيب صفوفها مجددًا. ولكن تصريحات أشرف غني افتقرت إلى الدقة، إذ عاد التنظيم إلى المشهد عبر سلسلة هجماتٍ اختلفت لناحية الطابع والشدة، ولكنها ركزت على إعادته إلى المشهد، خصوصًا بعد اعتقاله العقيد غلام سخي، أحد مسؤولي الأمن القومي، وتصفيته بعد فشل المفاوضات بشأن إطلاق سراحه بين التنظيم والسلطات الأفغانية.

وتظهر عمليات تنظيم الدولة في أفغانستان، والتي تجاوزت 30 عملية خلال 2020، قدرته على التمويه والعمل رغم ضيق المساحة المتوفرة، بالإضافة إلى إثبات قدرته على إعاقة تنفيذ مخرجات اتفاق السلام الذي توصلت إليه الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان، بالتوازي مع مساعيها في استقطاب عناصر الحركة الناقمين على الاتفاق الأخير، والاستمرار في سياسة ضرب الأمن الداخلي وبث الفوضى.

أما على صعيد اليمن، فقد سجل نشاط التنظيم خلال 2020 تراجعًا كبيرًا، إذ انخفض عدد عملياته إلى حدٍ كبير، بمعدل عملية واحدة شهريًا، وذلك على ضوء المنافسة الشرسة بينه وبين تنظيم القاعدة على النفوذ في جبال منطقة قيفة الواقعة في محافظة البيضاء، والتي بلغت أوجها بعد اغتيال الولايات المتحدة القائد السابق للقاعدة في اليمن، قاسم الريمي، واتهام قيادة القاعدة تنظيم الدولة بالتنسيق مع الولايات المتحدة بهدف السيطرة على المنطقة.

على الصعيد الأفريقي، شهدت القارة خلال العام الفائت ارتفاعًا ملحوظًا في نشاط "داعش"، بعد أن بلغ عدد عملياته 280 عملية

وعلى الصعيد الأفريقي، شهدت القارة خلال العام الفائت ارتفاعًا ملحوظًا في نشاط التنظيم، بعد أن بلغ عدد عملياته 280 عملية، تركزت في نيجيريا بمعدل 115 عملية، ومصر 81 عملية، والكونغو 22 عملية، والصومال 19 عملية، فيما توزعت بقية عملياته على تشاد، والنيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، وموزمبيق.