02-ديسمبر-2015

مقاتلون من داعش (Getty)

تتضح شيئًا فشيئًا استراتيجية التنظيم، الذي يشغل الناس والعالم، في بث الرعب والإجرام المشهدي عبر أفلام "فوق-هوليودية" وتوجيه ضربات خاطفة وموجعة في الخطوط الخلفية لأعدائه. عبر تبني أي عمل يتناسق مع الصورة الدموية الشنيعة التي يحب أن يُظهر بها مقاتليه كوحوش قادمين من كهوف العصور الحجرية.

 جميع المتصارعين على الحلبة السورية منحهم تنظيم داعش شماعة التدخل المباشر وغير المباشر، لتصفية حساباتهم على حساب السوريين وثورتهم

في عالم الإجرام هذا، اسأل علماء الجريمة، عن الجريمة المنفلتة العقال واللامبررة، سيقولون لك فتش عن المستفيد! لكن المستفيدين هنا كثر، حيث تزدحم سماء سوريا بطائراتهم وأرضها ومن عليها تحترق بمقذوفاتهم. جميع المتصارعين على الحلبة السورية منحهم التنظيم شماعة التدخل المباشر وغير المباشر، لتصفية حساباتهم على حساب السوريين وثورتهم من أجل نيل الحرية ضد نظام الأسد المجرم. فقد جاء الأمريكان والروس والفرس والترك والكرد والغرب والعرب كلٌ لغاية في نفسه، أما الإسرائيليون فقد حرصوا على الظهور كأنهم في قارة وما يحدث في جارتهم الشمالية في قارة أخرى.

هنا، سؤال يطرح نفسه كيف تستفيد إسرائيل مما تقوم به داعش؟

عقب الأحداث الدامية التي شهدتها شوارع العاصمة الفرنسية باريس، انبرت أقلام وكتّاب إسرائيليون يدقون طبول الحرب ويدعون الغرب والدول العظمى إلى حرب عالمية على الأراضي السورية لمحاربة "الإسلام المتطرف". وقد نشر "موقع الترا صوت" سابقًا ما كتبه محلل الشؤون العسكرية والأمنية لصحيفة يديعوت أحرونوت (رون بن يشاي) في مقاله تحت عنوان "حرب عالمية ثالثة"، يدعو فيه العالم بأسره لحرب كونية تدور رحاها على الأراضي السورية، تحت ذريعة محاربة الإرهاب واستئصال الإسلام المتطرف.

يشرح فيه "بن يشاي" هذه الحرب المفترضة بين الحضارة الغربية وبين الإسلام الراديكالي، وشكل هذه الحرب وأسبابها وخلفيات وتبعات العمليات الإرهابية في القارة العجوز. داعيًا الغرب إلى اعتماد تجربة الدولة العبرية في قتل الشباب الفلسطيني وذلك في إشارة منه لربط ما حدث في قلب أوروبا بما يحدث في المشرق العربي ورمي كل ذلك في سلة داعش.

لم تكن هذه الدعوة الإسرائيلية لإشعال حرب على الأرض السورية بحجة مقاتلة "داعش" مقالًا عابرًا، بل توجهًا إسرائيليًا تكرس له الصحف العبرية مساحات كبرى على صفحاتها يكتب عنها أبرز الكتّاب. ففي خلال ذات الأسبوع الذي نشرت فيه "يديعوت أحرونوت" المقال المذكور أعلاه، قامت صحيفة "معاريف" العبرية بدورها بنشر مقال للباحث الإسرائيلي (آري غايغر) في نفس الموضوع لتأليب العالم ضد المنطقة وسكانها والحجة "داعش"، تحت عنوان (أوروبا وامتحان الحياة).

(غايغر) تعدى ما كتبه مواطنه (بن يشاي) في نبرته الحادة والتحذيرية، حيث يدعو سكان المعمورة قاطبة لشن هجمات على الشرق الأوسط واستئصال الإسلام المتطرف في معاقله.

ويذهب الكاتب الإسرائيلي إلى ما هو أبعد من داعش ومن الإسلام المتطرف في الدعوة إلى محاربة المسلمين عامة، حيث يصوّر الصراع بين حضارتين متناقضتين، الغربية والإسلامية، الأولى متقدمة والأخرى متخلفة. محذرًا الغرب من تأجيل المواجهة ويقول: "عندما يحين الموعد سيجد سكان أوروبا "البيض" أنفسهم مضطرين لحمل السلاح، عندها لا ينفع الندم بعد أن يحتل العدو منازلهم".

التالي ترجمة لمقال "آري غايغر" المشار إليه في صحيفة معاريف الثاني والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2015

____

أوروبا وامتحان الحياة

إذا لم يتنبّه سكان المعمورة، ويدركوا أن عليهم حمل السلاح لاستئصال الإسلام المتطرف في معاقله، فإنهم بذلك يؤجلون موعد الاصطدام إلى أوان آخر فحسب.

ليلة السبت عشية أحداث باريس الأخيرة، وقف الرئيس الفرنسي (فرانسو اولاند)، يستجمع قواه في ليلة لن ينساها طوال عمره حتى الممات، وبوجهٍ يتكدره الحزن خاطب مواطنيه: "نحن في خضم حرب". لو كنتُ مواطنًا فرنسيًا لأذهلتني هذه الرسالة من الرئيس.

"حرب" و"فرنسا" كلمتان لم تلتقيا منذ زمن بعيد. وسنجد صعوبة إذا ما حاولنا البحث عن حرب انتصرت فيها فرنسا.. الجزائر، حرب (ديان بيان فو) في الهند الصينية، حرب بروسيا. كل هذه الحروب تأسس لجذور الهزائم الفادحة التي مُنيت بها في القرنين الأخيرين. حتى أن نابليون الأسطورة أنهى سيرة حياته البطولية المليئة بالانتصارات الساحقة مهزومًا مهانًا في جزيرة نائية (سانت هيلانة).

من جهة أخرى ففي المائة وخمسين سنة الأخيرة ذاقت فرنسا طعم النصر في حرب القرم وفي الحربين العالميتين – وذلك عندما حاربت متحالفة مع قوى أخرى، ولم تكن القوة الرئيسية، هذا ما حدث بعد احتلال الجيش الألماني لأجزاء واسعة من أراضيها.

كان لويس الرابع عشر هو الرجل الأخير الذي تزعّم فرنسا المنتصرة بمفردها، ولمَن لا يذكر فإن لويس عاش في القرن السابع عشر ميلادي.

إذاً، هناك سؤال يطرح نفسه: هل لم يدرس الرئيس أولاند هذا الدرس المختصر لتاريخ جيش بلاده؟

إلى الآن، لا يبدو أن الدول الأوروبية قادرة على تجنيد قواها البشرية الوطنية حتى لمواجهة داعش في حرب برية ضد معاقل التنظيم في الشرق الأوسط

بالطبع، أولاند يدرك ذلك جيدًا، ولكنه بنفس الوقت يعلم أن فرنسا في هذه الحرب ليست بمفردها.. فهناك دول أوروبية أخرى غارقة في أتون هذه الحرب تنتظر أن يصل سكين تنظيم داعش إلى رقابها. وتمرّ هذه الدول كما فرنسا في حالة الإنكار، أو تعيش في وهم -على أقل تقدير- أن المشكلة محصورة بداعش فقط، وتحسب (أوروبا) إذا ما نجحت في إخضاع التنظيم أو إضعافه تستطيع العودة إلى نمط حياتها السابق.

إلى الآن، لا يبدو أن الدول الأوروبية قادرة على تجنيد قواها البشرية الوطنية حتى لمواجهة داعش في حرب برية ضد معاقل التنظيم في الشرق الأوسط. يمكنها أن تقوم بالقصف الجوي إلا أن الحرب الفعلية تكون بتقديم التضحيات بالدم والأنفس، مثلما فعلت في الحرب العالمية الثانية. الأمر الذي لا تستطيع هذه الدول تكراره.

قبل أحداث باريس، كان من الممكن وفق تقديرات الصحافة والمحللين الذين يرون أن الإرهاب الإسلامي لا يشكل تحديًا وجوديًا بالنسبة لأوروبا، وإنما يعتبر أمرًا مثيرا للقلق يمكن التعايش معه. ولكن بعد كل ما حدث لم يخطر في بال أحد أن ثلة من مجانين داعش يدمرون قارة غنية ومتقدمة صاحبة حضارة راقية على مدى آلاف السنين. من قال هذا فقد تجاهل حوادث سابقة مماثلة في التاريخ عن قوات وضيعة ولكنها ذات روح قتالية عالية لا تهاب الموت، نجحت في إخضاع أعدائها الذين يفوقونها بالعدة والعتاد ولكنهم فقدوا الرغبة بالقتال، فما كسبوا إلا الذل والهوان.

هناك حضارتان قائمتان ولكن باتجاهين متناقضين: الأولى تنحدر تدريجيًا وتفقد حيويتها، وتحشد كل قواها وتستميت للقتال حفاظًا على بقائها. بينما الثانية تنمو وتتطور بسرعة هائلة وتمتلك الدوافع ويزداد إيمانها بعدالة نهجها.

لا تسمحوا للفوضى الحاصلة في العالم العربي أن تشوش عليكم وتجعلكم تخطئون: فما حدث يعتبر أحد أعراض هيجان النمو الفيزيولوجي، مثل الهرمونات التي تسري في جسم شاب لا يزال في طور النمو. ويمكن في حالة الفوضى أن تنمو قوة عالمية كبيرة وقوية، كما يجب على الغرب الحذر من تخلف الثقافة الإسلامية وعدم الاستهانة به، لطالما رأينا كيف تغلبت ثقافات أدنى على أخرى متقدمة وغنية.

ماذا عسى أوروبا أن تفعل إذا أرادت الحياة؟

أولاً عليها إغلاق حدودها في وجه اللاجئين الذين يتدفقون إلى أراضيها، وعلى افتراض أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفض التعاون، فلابدّ ومن الضروري جدًا بناء سياج أمني على الحدود التركية اليونانية. إضافة إلى إغلاق الشواطئ الجنوبية للقارة الأوروبية بأساليب تكنولوجية وعسكرية.

من جهة أخرى، وبعد أن تنجح أوروبا في تطبيق الإجراءات السابقة، سيبقى في أوروبا عشرات الملايين من المسلمين الذين يعيشون في داخلها، وهم يتكاثرون بمعدلات رهيبة ويتحولون رويدًا رويدًا إلى متطرفين. ولكن لا أحد منا يستطيع أن يتخيل قيام القادة الأوروبيين بطرد المسلمين من هناك، حتى أولئك الذين يشكلون خطرًا أمنيًا. لأن القادة مكبلون قانونيًا ولا يستطيعون فعل ذلك من الناحية الأخلاقية، هذا فضلًا عن تخوفهم من ردات فعل انتقامية من قبل التنظيمات الإرهابية. كما لا يريد قادة أوروبا الإضرار بمصالح أوطانهم، لأنهم إذا طردوا المسلمين ستبقى دولهم من دون شباب ومن دون يد عاملة تعمل في المعامل والطرقات ومشاريع البناء، عندها سيضعون أنفسهم في حالة يُرثى لها.

في المقابل ليس هناك مجرد الاحتمال بالتفكير في الاستثمار والاشتغال بتعليم المجتمع المسلم في أوروبا، من أجل غرس القيم الغربية في أوساطه والتخفيف من حدة الشعور بالاغتراب عن الغرب. فالمسلمون عندهم استعداد قوي للتمسك بثقافتهم المتمايزة، لا بل يسعون هم إلى تثقيف الأوروبيين بها.

 يبدو أن الوضع القائم سيستمر: ازدياد قوة الإسلام الراديكالي، وأوروبا تواصل تلقي الضربات؛ كما وتزداد قوة اليمين المتطرف.

حقيقةً، يجب الاعتراف إذا ما حدثت حرب ثقافية فالنصر سيكون حليف المسلمين، وإثباتًا لهذه الحقيقة يمكن رصد انتشار ظاهرة تحوّل السكان المسيحيين إلى اعتناق الإسلام.

في المائة عام الأخيرة وجدت أوروبا نفسها أمام أزمة لا تستطيع الخروج منها، تمثلت في الحربين العالميتين، ففي الأولى غرقت في حمام من الدم بين قوات متكافئة في القوة لا يستطيع أحدها الحسم لصالحه. وفي الحرب الثانية سيطرت عليها قوة وحشية لم تستطع التغلب عليها. وفي كلا (الحربين) أنقذتها الولايات المتحدة من محنتها. ولكن هذه المرة لن تنقذها على الأقل في الخمسة عشر شهرًا القادمة بسبب طبيعة سياسة أوباما، الأمر الذي يجعل أوروبا تسكت. إلا في حال حدوث تغيير جذري في البيت الأبيض بعد الانتخابات القادمة يفضي إلى رحيل الإدارة التي تمتنع عن مساعدة أوروبا.

كما وتجدر الإشارة إلى أن الجيش الأمريكي قادر على خوض حرب معيارية، دبابات ضد دبابات وطائرات ضد طائرات. أما أن يجوب الجنود الأمريكان شوارع مرسيليا من شارع إلى شارع في حرب شوارع فتلك مهمة لن يغامر بها أي رئيس أمريكي.

في الأثناء يبدو أن الوضع القائم سيستمر: ازدياد قوة الإسلام الراديكالي، وأوروبا تواصل تلقي الضربات؛ كما وتزداد قوة اليمين المتطرف. وفي مرحلة ما سيجد الطرفان نفسيهما في مواجهة بعضهما البعض. ولن يكون هناك مانع من غرق القارة الأوروبية في جولة جديدة من حمامات الدم. عندها ستجد كل الأطراف والسكان "البيض" أنفسهم مضطرين لحمل السلاح، في ذلك الوقت سيكتشفون أنهم نادمون على تأخير موعد المواجهة، والعدو قد احتل منازلهم.

رابط المقال الأصلي (أوروبا وامتحان الحياة).

____

لمشاهدة المقال الأصلي باللغة العبرية

اقرأ/ي أيضًا:

كيف تريد إسرائيل الاستفادة من هجمات باريس؟

بعد هجمات باريس..انتكاسة للسياسة الفرنسية