19-نوفمبر-2019

بعد جهوده للعمل فيها، يشن زوكربيرغ حربًا على الصين وتيك توك (Buzz Feed)

فكّر مارك زوكربيرغ قبل ثلاث سنوات بشراء الشركة الصينية التي أصبحت القائمة على تطبيق "تيك توك". لكن اليوم، يعمل فيسبوك على شيطنتها! لماذا؟ وما هي التفاصيل؟ الإجابة في السطور التالية، نقلًا بتصرف عن موقع "Buzz Feed".


كانت شركة فيسبوك، في صيف 2016 ، تتودّد وتغازل بشدّة أكبر بلدان العالم من حيث السكّان، وبعد انتشارها الواسع في معظم بلدان العالم المتقدّم، حوّلت منصة فيسبوك تركيزها نحو الصين، التي حُظرت فيها عام 2009، مّا أدّى إلى عزلها عمّا يزيد عن 700 مليون مستخدم.

قبل ثلاث سنوات فقط بذل زوكربيرغ جهوده للعمل في الصين. لكن الآن مع نجاح تطبيق تيك توك، بدأ الهجوم على الصين وشيطنة تيك توك

وهكذا شَرَعَ مارك زوكربيرغ، كأي رجل أعمال داهية، بالتركيز المكثف على بكين؛ فتعلّم اللغة الصينية، ثمّ استخدمها في إلقاء خطابٍ لاقى استحسانًا كبيرًا في جامعة تسينغهوا الصينية.

اقرأ/ي أيضًا: الشرير الأزرق.. كيف يستخدمنا فيسبوك كسلع للبيع والشراء؟

كما اقترح كتب خيال علمي صينية لمتابعيه على الفيسبوك، ونشر أيضًا صورة له يركض في ميدان تيانانمن المليء بالدخان. كما طلب من الرئيس الصينيّ شي جين منح ابنته التي لم تولد بعد، اسما فخريًا أثناء عشاءٍ في البيت الأبيض.

أثناء تودّد الرئيس التنفيذي لفيسبوك للحكومة الصينية علانيةً، كان يعمل بصمت على إتمام صفقة استحواذ على شركة ناشئة مقرها شنغهاي، والتي لو تمّت، لكانت أعادت تشكيل مشهد وسائل التواصل الاجتماعي، بقدر ما حدث بعد شراء فيسبوك لإنستغرام وواتس آب.

أراد مارك زوكربيرغ شراء "ميوزكلي" التطبيق الصيني الشائع بين المراهقين الأمريكيين آنذاك. وقد أمضى فيسبوك معظم النصف الثاني من 2016 في محاولته تحقيق ذلك. ثمّ دعا زوكربيرغ، في آب/أغسطس من ذلك العام، أليكس زو مؤسّس ميوزكلي، إلى كاليفورنيا لعقد محادثات مبدئية. كما سافر فريق فيسبوك، في الشهر التالي، إلى شنغهاي لاستكمال تلك المحادثات.

وقالت المصادر إن المحادثات كانت جادّة رغم عدم الوصول إلى اتّفاق. وبعد حوالي 14 شهرًا، استحوذت الشركة الصينية "بايت دانس" على ميوزكلي مقابل حوالي 800 مليون دولار، ودمجت لاحقًا التطبيق مع تطبيق تيك توك لتشكيل منصّة الفيديو الشهيرة/ التي اعتبرها زوكربيرغ بمثابة تهديد لسيادة التكنولوجيا الغربية.

في خطاب له الشهر الماضي، تشرين الأول/أكتوبر 2019، قال زوكربيرغ: "عُرف الإنترنت حتى وقت قريب خارج الصين من خلال منصّات أمريكية شديدة المحافظة على قيم حرية التعبير، لكن ليس هناك ما يضمن بقاء تلك القيم". 

وأضاف: "بينما استخدمت خدماتنا مثل واتس آب من قبل المتظاهرين والنشطاء في كل مكان، لتشفيرها القوي ولسياسيات حماية الخصوصية فيها؛ فإن ذكر هذه الاحتجاجات على تيك توك خاضع للرقابة حتى في الولايات المتّحدة".

تيك توك يهدد عرش فيسبوك

إذًا، فالآن وبعد أن كانت ميوزكلي هدفًا للاستحواذ من قبل زوكربيرغ، بأت الأخير الآن يستغل السياسة لتشويه تيك توك، الذي تظهر خطاباته أنه يعتقد بالفعل أن تيك توك يمثل تهديدًا لسيادة فيسبوك وملحقاته مثل إنستغرام.

أصبح تيك توك شبحًا مخيفًا، لملكيته الصينية، فيما يتعلّق بمسألة "التركيز على الخصوصية". إن تلك أول سردية أمريكية يروج لها زوكربيرغ ومساعدوه، كما أخبر العديد من الموظفين السابقين بفيسبوك. فقال أحدهم: "فيسبوك مستاءة جدًّا لأن تيك توك الشيء الوحيد الذي لم يتمكّنوا من التغلّب عليه حتى أنهم لجؤوا إلى الحجج السياسية وإلى المشرّعين في واشنطن من أجل خوض معركتهم".

وتبدو تصريحات زوكربيرغ الأخيرة بشأن تيك توك انتهازية، إذ يُصرح بها في الوقت الذي حولَ فيه المشرّعون اهتمامهم نحو المخاوف المتعلقة بالرقابة والأمن القومي لمنصة الفيديو الصينية؛ وذلك عندما اتصل السيناتور جوش هاولي، وهو من أشد منتقدي فيسبوك، بالشركة الصينية أمام لجنة فرعية تابعة لمجلس الشيوخ.

وعندما لم يحضر أحد من الشركة، خصص هاولي كرسيًا فارغًا باعتباره كرسي ممثلي الشركة، وبدأ بمخاطبته. ثم غرد بعد الجلسة: "شهد الشهود اليوم أن الصين شديدة التحكّم بتيك توك، رغم ادّعاءات استقلالها".

تيك توك

من جانبه، ردت شركة تيك توك، بنفي أن يكون نشرها مقاطع الفيديو بناءً على توجيهات الحكومة الصينية، رغم ما نُشر في الغارديان وواشنطن بوست مما يبيّن أن الشركة فرضت الرقابة على المحتوى فيما سبق.

كما أشار بيان لتيك توك إلى ملاحظته لخطاب فيسبوك العدواني ضدّه. وقال متحدّث باسم تيك توك: "كلّما دقّقنا في كلام زوكربيرغ، لاحظنا ازدياد ذكر تيك توك في خطبه ومقابلاته ومقالاته الافتتاحية، عليك أن تسأله عمّا إذا كانت تلك مجرّد صدفة".

لكن لا يبدو أن الأمر صدفة بالفعل، فقد قال مسؤول تنفيذي سابق بشركة فيسبوك، إن دوافع زوكربيرغ وراء موقفه الأخير من تيك توك والصين، هو عدم موافقة الصين على منحه التنازلات اللازمة للعمل هناك.

حرية التعبير

وفي حين رفض متحدث باسم فيسبوك التعليق على المفاوضات السابقة للاستحواذ على ميوزكلي، أشار إلى تاريخ شركة فيسبوك ومنتجاتها مع "حرية التعبير"، في إشارة إلى ما يتداول عن تهيئة فيسبوك نفسه بما يناسب الرقابة الصينية.

أثار التصريح سخرية موظفين سابقين بفيسبوك، أشارا إلى أداة رقابة داخلية كانت الشركة تعمل على تطويرها. ذُكر هذا الخبر لأوّل مرّة في نيويورك تايمز عام 2016، فالأداة التي حظيت بمباركة زوكربيرغ، قيل إن لديها القدرة على منع ظهور المشاركات في قناة الأخبار في مناطق معينة كالصين. ذكر متحدّث باسم فيسبوك في ذلك الوقت: "قلنا منذ فترة طويلة أنّنا مهتمّون بالصين، كما نحاول فهم وتعلم المزيد عن تلك البلاد". ولم تعارض الشركة تقرير التايمز.

رغم عدم استخدام تلك الأداة أبدًا، إلا أن أحد المدراء السابقين ذكر بعض المنتجات الأخرى المحتملة للسوق الصيني. وقال آخر إن بعض الموظّفين قاموا برحلات سرّية مستخدمين تأشيرات سياحية إلى البلاد، من أجل إجراء أبحاث لتطوير أعمال فيسبوك هناك. وتمكّن فيسبوك، منذ ذلك الحين، من الحفاظ على وجود صغير له في الصين، من خلال الشراكة مع شركات مبيعات محلّية وخارجية، للسماح للشركات الصينية بشراء إعلانات على المنصّة.

ووفقًا للإحصائيات، بلغت مبيعات إعلانات الشركات الصينية، 10% من إيرادات فيسبوك السنوية أي ما يساوي خمسة مليار دولار. ومن بين المعلنين صفحات تديرها الدولة، نشرت إعلانات ممولة تدعي فيها أن تقارير اضطهاد الإيغور غير صحيحة.

من جانبه، قال زوكربيرغ: "أردت توفير خدماتنا في الصين، لأني أؤمن بربط العالم بأكمله، وفكّرت بأنّنا قد نقدر على المساعدة في خلق مجتمعٍ أكثر انفتاحًا. لكنّنا لم نتوصّل أبدًا إلى اتّفاق بشأن ما يتطلّبه العمل هناك، ولم يسمحوا لنا بالدخول إلى الصين مطلقًا، ونحن لدينا الآن حرية تعبير أكبر والحرية في عَرضِ القيم التي نؤمن بها والكفاح من أجل حرية التعبير حول العالم"، في حين يتساءل موظفون سابقون بفيسبوك عن "أين كانت حرية التعبير تلك منذ ثلاث سنوات؟!". 

تطبيق لاسو

عندما لم يتمكّن فيسبوك من إبرام صفقة ميوزكلي، انتقل إلى إستراتيجية مجرّبة، ألا وهي النسخ. "نعلم في فيسبوك أن لدينا الإمكانيات، فحتى لو لم نكن أوّلًا، نعلم أن بإمكاننا الفوز بحجمنا وثقلنا الكبيرين"، بهذا يخبرنا أحد موظّفي فيسبوك السابقين.

يمكن الإشارة هنا إلى محاكاة إنستغرام لقصص سنابشات، الميّزة التي نجحت على تطبيق مشاركة الصور المملوك لفيسبوك من تقويض منافسها. حاولت فيسبوك في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، فعل الشيء ذاته مع تيك توك، فأطلقت تطبيق لاسو، وهو تطبيق فيديو مستقل مع واجهات وميّزات مشابهة لتيكتوك.

لم يحصل ذلك التطبيق المُقلَّد، صاحب العلامة التجارية الشهيرة على زخم واسع. "فحالما يفهم المستخدمون أن لاسو أحد منتجات فيسبوك، يربطون ذلك بالمجتمع الأقدم وثقافة تلك المنصة ويرفضونه"، بهذا يخبرنا رايان هوفر، الرأسمالي المغامر ومؤسّس موقع برودكت هنت، مضيفًا: "لا يأتي تيكتوك مع الكثير من الإضافات الموجودة على فيسبوك، لكن لم تعد تلك مشكلة لدى الشباب".

وهذا الحديث تدعمه الأرقام، إذ قدّرت شركة سينسور تاور البحثية، أن لاسو حُمّل 70 ألف مرّة تقريبًا منذ إطلاقه، مقارنةً بـ40 مليون عملية تحميل أمريكية لتيك توك خلال نفس الفترة الزمنية. أما عند دمج تيك توك بالشركة الصينية، فوصل عدد المشتركين النشطاء حتى شباط،فبراير الماضي، إلى 680 مليون مستخدم، وخلال نفس الشهر، احتل التطبيق المركز الأول بين التطبيقات المجانية الشائعة على متجر تطبيقات أبل، في حين لم يكسر لاسو في الفترة ذاتها حاجز الـ200 الأفضل.

"من الواضح أن زوكربيرغ لا يفهم تيكتوك"، هكذا يقول جيس بحر، مستشار مواقع التواصل الاجتماعية، مستشهدًا بالتعليقات المسرّبة التي أدلى بها مارك في اجتماع لموظّفي فيسبوك، عندما قارن التطبيق بإنستغرام.

فيسبوك وتيك توك
تصميم تعبيري عن تهديد تيك توك لسيادة فيسبوك

لا يبدو أن زوكربيرغ يدرك جاذبية تيك توك لأنه لا يستخدمه، فحسابه عليه لا يتضمن أي نشاطات أو تفاعلات، فهو يتابع 61 شخصًا، من ضمنهم مشاهير كأريانا غراندي وشاك، لكن يبدو أنه يركّز على المراهقين أصحاب إشارة التحقق الزرقاء الذين جمعوا ملايين المتابعين.

وفي تسريب صوتي، قال زوكربيرغ لموظّفيه: "لفترة ما، كان المشهد على الإنترنت عبارة عن مجموعة من شركات الإنترنت الأمريكية في المقام الأوّل، ثم كان هناك ذلك العالم الموازي من الشركات الصينية، التي كانت تقدّم خدماتها في الصين إلى حدّ ما فقط". لكن تيك توك الآن، يمثل أول منتج إنترنت صيني مُستخدم على نطاق واسع حول العالم.

فيسبوك ضدّهم

في حديثها أمام لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي، في أيلول/سبتمبر 2018، قالت رئيسة عمليات فيسبوك، شيريل ساندبيرغ، إن فيسبوك يتراجع في الصين، مشيرة إلى أن الشركة "ستعمل فقط في البلدان التي ستحترم قيمها". ليسألها السيناتور ماركو روبيو: "أينطبق ذلك على الصين أيضًا؟"، فيأتي ردها: "ينطبق ذلك على الصين أيضًا".

وكان تراجع فيسبوك في الصين أوضح بحلول آذار/مارس الماضي، مع إعلانه عن رؤيته الجديدة لمنصّة اتصالات تركّز على مسألة "الخصوصية". وقال زوكربيرغ إن شركة فيسبوك لن تنشئ مراكز بيانات في "البلدان التي لها سجّل حافل في انتهاك حقوق الإنسان كالخصوصية وحرية التعبير".

إذًا، ووفقًا لمسؤولين سابقين في فيسبوك، ليس من قبيل الصدفة أن شيطنة فيسبوك لتيك توك جاءت مع نأيها بنفسها عن الصين. وفي نفس الوقت، تستغل فيسبوك شعبية تيك توك لتنأى بنفسها عن اتهامات الاحتكار برمي التهمة على تيك توك، فمع اشتداد حدّة الحديث عن مكافحة الاحتكار، قالت ساندبيرغ في مقابلة صحفية، إن تفكيك فيسبوك سيفيد شركات التكنولوجيا الصينية.

وقال أيضً مات بيرولت، رئيس قسم تطوير السياسة العالمية على فيسبوك: "إننا نتنافس مع شركات من جميع أنحاء العالم. لقد حُمّل تطبيق تيك توك أكثر من مليار مرّة". 

لكن لا يبدو أن المشرعين الأمريكيين يوافقون فيسبوك تمامًا في مأربه، إذ قال رئيس اللجنة الفرعية لمكافحة الاحتكار بمجلس النواب الأمريكي: "لا ينبغي أن يضطرّ الأميركيين للاختيار بين شركة أمريكية مهيمنة ذات سجل حافل في مسألة الخصوصية، وشركة صينية يقال إنها تفرض رقابة على الكلام من أجل تعزيز أهداف السياسة الصينية..يمكننا فعل ما هو أفضل".

وأشار سيناتور أمريكي آخر إلى أن مزاعم فيسبوك حول حفاظه على "القيم الغربية" أمر يمكن الحديث حوله بل التشكيك فيه، بالإشارة إلى استخدام روسيا لفيسبوك في التدخل بالانتخابات الأمريكية 2016. فيما أكد سيناتور آخر على أن موقف زوكربيرغ من تيك توك والصين "لا علاقة له بالمبادئ والحريات".

كل هذا لا يمنع حقيقة أن فيسبوك مستفزَّة من النجاح الساحق الذي حققته منصة تيك توك، والصين من خلفها، وأن منبع استفزازها هو عدم نجاحها في الاستحواذ على التطبيق الأصلي، ميوزيكلي.

تستغل شركة فيسبوك شعبية تيك توك وهجومها عليه لتنأى بنفسها عن اتهامات الاحتكار برمي التهمة على تيك توك ومن خلفه الصين

يمكن استيضاح ذلك بجلاء في تصريح آدم موسيري، رئيس إنستغرام: "نحن نتحدّث عن شركة استنسخت ميوزيكلي، ثمّ اشترت الشيء الذي استنسخوه وأعادوا تسميته باسم التطبيق الخاصّ بهم. لاأريد السبّ والشتم، لكن ذلك مقرف وخطير". تخيّلوا ما كان سيقوله لو كانت فيسبوك نجحت في شراء ميوزكلي!

 

اقرأ/ي أيضًا:

وجوه فيسبوك الأربعة.. التبعية والتضليل والتلاعب والإلهاء

فيسبوك.. انتهاك الخصوصية والتلاعب بالسلوك السياسي