26-أكتوبر-2019

تستمر تعقيدات بريكست بالقفز في وجه بوريس جونسون (Getty)

بعد الإعلان الحماسي الذي حظي به الاتفاق الذي توصل له رئيس الوزراء البريطاني مع الاتحاد الأوروبي حول مسألة البريكست، ها هو بوريس جونسون يعود مرة أخرى إلى مجلس العموم الذي قابل مشروع الاتفاق ببرود شديد من خلال تعديل يؤجل الموافقة على الاتفاق، حتى يتم إقرار جميع التشريعات اللازمة لتنفيذه.

بعد أكثر من ثلاث سنوات من استفتاء 2016، الذي شهد تصويت 52 بالمئة من البريطانيين لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي، يبدو الوضع السياسي الآن مربكًا للغاية

إجراءات عبثية بنكهة ترامبية

خلال هذه الجلسة في مجلس العموم البريطاني قابل رئيس الوزراء بكل وضوح نتيجة التصويت هذه، معلنًا إصراره على الخروج في 31 من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، فيما أشار خصومه السياسيون إلى مخالفة القانون الصريحة التي سوف يرتكبها في حال لم يلتزم بقانون سبق وأن اعتمد في مجلس العموم، يلزم رئيس الوزراء بعدم الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، نظرًا لما يتضمنه من مخاطر اقتصادية واجتماعية.

أقرأ/ي أيضًا: بريكست.. تفاؤل في بروكسل وبرود في لندن

وفي ذات اليوم أرسل رئيس الوزراء رسالتين متناقضتين إلى بروكسل؛ الرسالة الأولى، غير الموقعة، تدعو إلى تمديد الموعد النهائي للبريكست لمدة ثلاثة أشهر، والثانية الموقعة باسمه، يقول فيها إنه لا يريد هذا الموعد النهائي، الأمر الذي دفع رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إلى التعليق على تويتر بأن الاتحاد الأوروبي تلقى رد وهو في طور التباحث بشأنه.

أرسل جونسون طلبًا للحصول على تأجيل لمدة ثلاثة أشهر فقط لأنه كان مضطرًا للقيام بذلك بموجب قانون أقره النواب، لكنه لا يزال مصرًا على أن بريطانيا ستخرج من الاتحاد الأوروبي في نهاية الشهر الجاري. وقد هدد جونسون بسحب الاتفاق من البرلمان والمطالبة بإجراء انتخابات تشريعية مبكرة إذا رفض النواب تحديد جدول زمني في وقت سريع لإقرار النص.

ومنذ عودته من بروكسل مع اتفاق انسحاب تفاوض بشأنه بصعوبة مع الدول الـ27، يواجه رئيس الوزراء خطر إحباط مشاريعه من جانب النواب غير الراغبين في مواصلة النهج الذي يحاول فرضه عليهم لتجنّب انفصال من دون اتفاق، قبل أيام من موعد الخروج أو إرجاء الموعد.

وقال رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك على تويتر بعد التحدث عبر الهاتف مع بوريس جونسون: "سأبدأ الآن بالتشاور مع زعماء الاتحاد الأوروبي حول كيفية الرد"، الأمر الذي أدى إلى إرجاء موعد الخروج دون تحديد تاريخ واضح مانحًا كلا الطرفين الفرصة لمراجعة حساباته. هذا الأمر الذي سوف يعيد بوريس جونسون مرة أخرى إلى بروكسل من أجل التفاوض حول هذه الإجراءات وبالتالي العودة مرة أخرى إلى مجلس العموم، الذي يبدو في صيغته الحالية، وسط الانقسامات العنيفة التي تعصف به والانشقاقات في معسكر المحافظين، غير قادر على التعامل بديناميكية وسرعة مع هذا المقترح، ما دفع جونسون إلى التهديد بسحب مقترح القانون والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة قبل نهاية العام الحالي.

لم تكن الجلسة التي شهدها الأسبوع الماضي استثنائية فقط من حيث موعد انعقادها في يوم عطلة، الأمر الذي لم يحدث منذ عام 1982 أثناء حرب فوكلاند في المحيط الأطلسي مع البرازيل، ولكن من حيث ترافقها مع مظاهرات في الشارع البريطاني لشريحة من المجتمع البريطاني الراغب بإجراء استفتاء جديد حول موضوع البريكست.

هل ما زال من الممكن لجونسون أن ينجح قبل نهاية أكتوبر؟

الجواب نعم. إذا طلبت المملكة المتحدة هذا التمديد وتم قبوله من قبل الاتحاد الأوروبي، فسيظل بوريس جونسون قادرًا على إلغائه. وستكون لديه وسيلتان - ربما أكثر - تحت تصرفه:

الأولى: هي تسجيل موافقة مجلس العموم على القانون، ثم جعله يصوت رسميًا عليه. حيث يأمل بوريس جونسون بالقيام بذلك في وقت مبكر من الأسبوع المقبل طالما أن الأعضاء لا يحاولون إعادة كتابة الاتفاقية، بحيث توافق الأغلبية على التصويت. ثم يرسل خطابًا رسميًا إلى الاتحاد الأوروبي يطلب منه أن يتجاهل خطاب طلب التمديد والتحقق من صحة بريكست في 31 تشرين الأول/أكتوبر، وبالتالي قد يقبل طلب جونسون.

والثانية: هي أن يلعب مرة أخرى على تهديده بالخروج دون صفقة، ومحاولة جر الاتحاد الأوروبي الى هذا المستنقع. هذا الأمر الذي يفتح الباب أمام معارضي بوريس جونسون لاتهامه بعدم احترام القانون. فيما لا يزال معارضو البريكست يأملون في الاستفادة من فرصة التمديد من أجل طرح مشروع قانون جديد يسمح بإمكانية إجراء استفتاء جديد حول الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ماذا ستكون نتيجة استفتاء جديد حول الخروج؟

بعد أكثر من ثلاث سنوات من استفتاء 2016، الذي شهد تصويت 52 بالمئة من البريطانيين لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي، يبدو الوضع السياسي الآن مربكًا للغاية.

رسميًا، فإن تاريخ الخروج من المملكة المتحدة هو 31 تشرين الأول/أكتوبر. لكن أعضاء مجلس العموم، بمن فيهم بعض المحافظين صوتوا الأسبوع الماضي على نص يلزم رئيس الوزراء بوريس جونسون بمطالبة بروكسل بتأجيل ثلاثة أشهر إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق معه بشأن خروج بريطانيا بحلول 19 من الشهر الجاري. وهذا، على عكس ما يريده جونسون نفسه، الذي يفضل الخروج دون اتفاق.

في مواجهة موقف سياسي وقانوني شديد التعقيد، هل يمكن أن يأتي الخلاص عبر استفتاء ثانٍ؟ أكد زعيم المعارضة العمالية جيريمي كوربين هذا الصيف استعداده لإجراء تصويت جديد في حالة وصوله إلى رئاسة مجلس الوزراء. لكن هذا المنظور، حتى بعد ثلاث سنوات من عملية الاستفتاء والفوضى السياسية التي تلت ذلك، لا يبدو مرجحًا للغاية.

أقرأ/ي أيضًا: بوريس جونسون وتعقيدات بريكست.. الديمقراطية البريطانية في خطر؟

حيث إن الأمور تبقى غير محسومة، كما أن الموقف لا يمكن التنبؤ به وسيكون من الصعب توقع النتيجة، فنوايا التصويت تختلف من استطلاع لآخر. بشكل عام، فإن "البقاء" يتمتع بميزة متعددة النقاط على "الإجازة" (مغادرة الاتحاد الأوروبي).

أرسل جونسون طلبًا للحصول على تأجيل لمدة ثلاثة أشهر فقط لأنه كان مضطرًا للقيام بذلك بموجب قانون أقره النواب، لكنه لا يزال مصرًا على  الخروج نهاية الشهر الجاري

ينعكس هذا على المزاج العام في المملكة المتحدة، والذي يظهر عبر جميع الاستطلاعات حول هذا الموضوع منذ استفتاء حزيران/يونيو 2016. هذا التباين الكبير بين المستطلعين يأتي إلى حد كبير بسبب من يصرحون بـ "لا رأي" أو "لن يصوت"، مع تمثيل مهم للغاية لهذه الفئة. أما من خلال الأخذ في الاعتبار فقط أولئك الذين يقررون أو يعارضون، فتكون النتائج أكثر قابلية للقراءة، حيث، بلغت "النسبة" 53 بالمئة مقابل 47 بالمئة لـ "المغادرة". ومع ذلك، يبقى أن نرى ما الذي سوف  يدفع هؤلاء الذين لا زالوا لم يحسموا أمرهم (وفقًا لاستطلاعات الرأي)، إلى اتخاذ موقف واضح من الموضوع،  يوم التصويت الافتراضي.

 

أقرأ/ي أيضًا:

 بوريس جونسون وتعقيدات بريكست.. الديمقراطية البريطانية في خطر؟