09-مارس-2021

احتفال خوان لابورتا بفوزه برئاسة نادي برشلونة (Getty)

يعتبر خوان لابورتا أحد أنجح رؤساء الأندية في العصر الحديث، فقد استطاع قيادة الدفة الكاتالونية إلى تحقيق الأمجاد بين عامي 2003 و2010، وهي الأعوام التي تمكن خلالها برشلونة من كسر طوق السيطرة المدريدية وإطلاق العنان لجولاتٍ وصولاتٍ استمرت عقداً من الزمان، وشهدت تحقيق أرقامًا قياسية أشهرها الظفر بالسداسية التاريخية عام 2009.

سنواتٌ عدة تميزت بالسطوة الكاتالونية على البطولات المحلية والقارية، وصعود نجوم من مدرسة لاماسيا أمثال تشافي وانيستا وليونيل ميسي، ليتمكن هؤلاء مع باقي المجموعة من نقش أسمائهم بأحرف من ذهب في التاريخ الكروي العالمي، وكم استمتعت الجماهير بمشاهدة نجومهم المفضلين كالساحر البرازيلي رونالدينو إلى جانب ديكو وايتو وغيرهم من النجوم الكروية اللامعة التي مرّت بالمحطة الكاتالونية لتصنع الفارق، ولا ننسى عبقرية بيب غوارديولا الذي تمكن من رسم أجمل اللوحات الفنية الكروية مستخدماً أسلوب الكرة الشاملة، وهو جوهر الثقافة التكتيكية البرشلونية وأساسها منذ عهد الراحل كرويف.

لكن لم يكن هذا التفوق ليحصل لولا وجود إدارة محنّكة، يقودها شخصٌ يمتلك السمات اللازمة لذلك، ويعرف جيداً من أين تؤكل الكتف، ويعلم كيفية المحافظة على نجوم الفريق دون استنزاف الموارد المالية وبعيداً عن التخبطات الإدارية والقرارات الفجائية التي تؤخذ على عجَل، فبالرغم من تفوق الفريق فنياً وحصوله على البطولات، إلا أن ذلك لا يعتبر ضماناً لعدم الوقوع في المأزق الإداري، والتاريخ الكروي مليءٌ بالأمثلة عن فرقٍ تألق لاعبوها في المستطيل الأخضر وتخبّط مدراؤها خلف أبواب مكاتبهم المغلقة، وكانت النتائج كارثية وصار الإفلاس حتمياً، ولعلّنا لا ننسى ماحصل لبارما الإيطالي الذي كان يعتبر من أهم المحطات الجاذبة للنجوم، وليدز الإنكليزي أواخر التسعينيات، وغيرهما من الأندية التي فقدت بريقها بسبب الأزمات الإدارية والمالية.

يجب على لابورتا أن يجد التوازن بين الحفاظ على نجوم الفريق وجلب نجومًا آخرين من جهة، والحفاظ على خزائن النادي من العواصف المالية المحتملة من جهة أخرى

لا شك بأن نتائج الانتخابات الأخيرة تعكس أجواءً من الثقة الممزوجة بالأمل تجاه لابورتا، حيث تمكن من الحصول على 57% من الأصوات تاركاً خلفه منافسيه "فونت" و"فريتشا" بنسبٍ متفاوتة، وإن دلت هذه النسبة الكبيرة على شيء، فإنها تدل على إيمان أعضاء النادي والمصوتين بما يستطيع لابورتا فعله لإصلاح ما أفسده الدهر، وبالأحرى – ما أفسده الرئيس السابق بارتوميو- إذ ترك الأخير لخلَفهِ العديد من المشاكل الإدارية، وأرقاماً مرعبةً للديون تدل على أزمة مالية خانقة، إضافةً إلى التحدي الكبير بالإبقاء على ميسي الذي سيستطيع المغادرةً مجاناً في حال عدم تجديد عقده، كل هذه الأمور وغيرها، تتطلب من لابورتا أن يقدم أفضل ما في جعبته من معرفةٍ بإدارة الأزمات، لإخراج برشلونة من عنق الزجاجة وإعادته تدريجياً إلى الواجهة الأوروبية، حيث يبدو الآن بعيداً جداً عن المدى المنظور، وتحتاج عودته إلى معالجة الكثير من الأمور بالسرعة الكلية.

لكن، بعيداً عن صناديق الانتخابات وأرقامها، وبالعودة إلى المستطيل الأخضر، يواجه برشلونة تحدياتٍ عدة على مستوى المجموعة والأفراد، فنجم الفريق ليونيل ميسي لا يبدو في أسعد أيامه، وقد عبر في أكثر من مناسبة عن امتعاضه من طريقة إدارة الأمور في النادي، والجميع يعلم أهمية تفاهم لاعبي خط الهجوم تحديدًا على هذا المستوى من النجومية والشهرة، فقد كان ميسي سعيداً بوجود سواريز في أرضية الملعب وخارجها، وكان التفاهم جلياً بينهما وانعكس ذلك على الأرقام التهديفية خلال السنوات الماضية، وباستغناء برشلونة عن خدماته فقد أحد أهم عوامل الاستقرار في الفريق وهو "الكيمياء" بين اللاعبين النجوم، حيث لا يبدو غريزمان مرشحاً لخلافة سواريز عند ميسي، فقد خَفتَ بريقه ويبدو أداؤه باهتاً في المباريات.

اقرأ/ي أيضًا: انتخابات برشلونة... خوان لابورتا يجدد العهد و يفوز بالرئاسة

إضافةً إلى ذلك، رغم محاولات عثمان ديمبيلي التطور وتسجيل عدد أكبر من الأهداف وصناعة الفرص، إلا أنه حتى الآن لم يقدم المردود المطلوب منه قياساً إلى الرقم الفلكي الذي دفعه برشلونة لدورتموند عند شرائه، وبطبيعة الحال، يحتاج انسو فاتي إلى بعض الوقت للتعلم كونه لا يزال صغيراً في السن، ويستطيع معظم مشجعي البرشا تخيّل براثوايت خارج أسوار الكامب نو في الصيف المقبل، وبناءً على ذلك، لا يبدو هجوم برشلونة في أفضل أحواله، وقد يحتاج لتعزيزاتٍ من العيار الثقيل في فترة الانتقالات القادمة إن أراد النادي المنافسة على الجبهات المحلية والأوروبية.

الحقيقة أن خطوط برشلونة الثلاثة تعاني من نقص في اللاعبين والإمكانيات، وكانت مباراة باريس سان جيرمان الأخيرة مثالاً صارخاً على حاجة الفريق للتدعيم في جميع الخطوط، فقد بدت مراقبة امبابي كمهمة مستحيلة لسيرجينو ديست، وهي فعلا شبه مستحيلة على أي ظهير في العالم دون مساندة محور الوسط، وهنا يبرز اسم سيرجيو بوسكيتش، والذي يعتبر المرشح الأول في قائمة المغادرين من خط الوسط برأي العديد من المتابعين، ولسنا بصدد التقييم الفردي لكل لاعبٍ على حدة، إنما نحاول تسليط الضوء على معاناة برشلونة مع كومان في خياراته الفنية، وربما يعتبر فرانكي دي يونغ شعلة الأمل الوحيدة للجماهير الكاتالونية بعد تطوره الملحوظ في هذا الموسم، ناهيك عن حالة الطوارئ القائمة في خط الدفاع، حيث يعتبر حارس المرمى تير شتيغن أبرز عوامل إنقاذ برشلونة من العديد من النتائج السلبية، وذلك للتراجع الحاد في المستويات الدفاعية.

ختاماً، تبدو الطريق وعرةً أمام لابورتا، فهذه ليست الأعوام الذهبية لبرشلونة من حيث المستويات، ليس ذلك فحسب، على لابورتا أن يكون في غاية الحذر بما يخص الخيارات المالية، فالإنفاق الكبير ليس متاحاً بسبب تأثيرات جائحة كورونا على النادي إضافةً للديون المتراكمة، كما يجب على لابورتا أن يجد التوازن بين الحفاظ على نجوم الفريق وجلب نجومًا آخرين من جهة، والحفاظ على خزائن النادي من العواصف المالية المحتملة في حال اختلال موازينها من جهة أخرى، وهو أمر يعتبر تحقيقه في غاية الصعوبة، ولكنها المواقف المستحيلة فقط..هي من تصنع العظماء.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بين الرمزية السياسية وإرادة الأغلبية.. هل تعيد الديمقراطية كبرياء برشلونة؟

بارتوميو لم يحافظ على كلمته.. ميسي يُنهي كابوس عشاق البارسا ويهاجم رئيس النادي