23-يونيو-2016

أعضاء من حزب البديل المناهض للهجرة في وقفة احتجاجية ضد اجتماع بيلدربيرغ في دريسدن (Getty)

لم يختلف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين كثيرًا، من ناحية الحروب والكوارث التي تحاصر منطقة الشرق الأوسط عمومًا، عما حصل من التاريخ عينه في القرن المنصرم، صحيح أننا دخلنا مرحلة الألفية الثالثة، التي رافقتها نهضة هائلة في مجاميع التكنولوجيا، والحياة الافتراضية، لكنها أضافت معها فنونًا جديدة، أضفت نوعًا من الإثارة، على المقتلة اليومية التي تحاصر المنطقة العربية.

أنهت خلية "بيلدربيرغ" السرية، منذ أيام، اجتماعها السنوي في مدينة دريسدن الألمانية

ما يثير الحيرة حول ما تتعرض له المناطق العربية، المنتمية لخارطة الشرق الأوسط، دون سواها من المناطق، هو أن فنون الموت التي تأكل من لحم أبنائها، صارت فعلًا اعتياديًا يغذي المحطات الإخبارية، ووسائل الإعلام المتناثرة عبر الشتات الافتراضي، بدعم مجهول المصدر قبل المصير، ما يجعل من دائرة حكومات خفية، أو لنكن أكثر دقة، حكومة واحدة تتحكم بهذا الكم الهائل من مصائر سكنى هذا العالم.

اقرأ/ أيضًا: الموت السوري العادي

منذ أيام ذكرت عدة مواقع غربية، أن خلية نادي "بيلدربيرغ" السرية، أنهت اجتماعها السنوي في مدينة دريسدن الألمانية، الاجتماع الذي يعقد بشكل منتظم مند عام 1954، ضم مائة وخمسين شخصية في اجتماع هذا العام، في أحد فنادق المدينة، تحت حراسة أمنية مشددة، التقارير عينها تقول إن كلفة تأمين الحراسة للاجتماع بلغت 28 مليون دولار أمريكي.

شخصيات سياسية، ورؤساء سابقون لأجهزة الاستخبارات عالمية، وأصحاب الشركات الرأسمالية الكبيرة، منهم على سبيل المثال صاحب شركة "بريتش بتروليوم" روبرت دادلي، المصنفة في المراتب الأولى عالميًا مع مثيلاتها من شركات النفط الخاصة، جميع هؤلاء تداعوا إلى المدينة الألمانية، من أجل بحث قضايا عالمية مؤثرة، على رأسها سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه ملف اللاجئين، وانتخابات الرئاسة الأمريكية الحالية.

كافة التقارير التي تحدثت عن الاجتماع الأخير، أجمعت على أن النقاشات التي تدور داخل أروقة الفندق تحاط بسرية تامة، ولا يتم تسريب أي من المواضيع التي جرى تداولها، ولا حتى القرارات الصادرة عن الشخصيات التي نصبت نفسها حاكمًا استثنائيًا على مصائر مليارات البشر، ما يجعل من فكرة "الديمقراطية الأوروبية"، التي يتغنى بها اليمين الأوروبي بشكل دائم، أو حتى القرارات الأممية الصادرة عن مجلس الأمن، خالية من مضمونها، ومجرد حبر على ورق.

مسعى خلية "بيلدربيرغ" السرية يهدف إلى زيادة الأزمات السياسية أكثر من نقاشها، أو حتى تقديم الحلول الجذرية

وربما من باب المصادفة، أن يتزامن موعد انعقاد الاجتماع، مع دخول مؤسس موقع ويكيليكس جوليان أسانج، عامه الخامس لاجئًا في سفارة الإكوادور في بريطانيا، خوفًا من تسليمه للحكومة السويدية، الرجل يواجه مشكلة مع حكومة واشنطن، بعد تسريبه لمئات الآلاف من الوثائق التي تدين الأخيرة، في إطار معركتها ضد الإرهاب في العراق وأفغانستان.

اقرأ/ أيضًا: الوقت قاتل سري!

والواضح أن مسعى خلية "بيلدربيرغ" السرية، يهدف إلى زيادة الأزمات السياسية أكثر من نقاشها، أو حتى تقديم الحلول الجذرية، التي تعيد الاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط، على أية حال، أسعار براميل النفط، شهدت انخفاضًا ملحوظًا، بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على حقول النفط في سوريا والعراق، وهذا يخدم إلى حد كبير مفاعيل الرأسمال العالمي، الذي يتلاعب بشكل خفي، وغير ظاهر للعيان، رغم الوثائق المسربة بين الحين والآخر، لن تكون وثائق اسمنت "لافراج" والاتفاق الفرنسي الداعشي آخرها، بطريقة سير آلية حياتنا اليومية.

هوليوود من جهتها، تستعين بمثل هذه الأفكار، لديها العديد من الأشرطة السينمائية، التي تحاكي ما يصدر عن خلية "بيلدربيرغ" السرية، ودائمًا تنتهي بانتصار الخير على الشر، لكن الواقع يقول إن الشر ينتصر دائمًا، آلاف الأفكار والسيناريوهات المنتجة سنويًا، لم تستطع أن تنهي عشرات الآلاف من المجازر اليومية، أو تحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى القارة الأوروبية، رغم أن البطل الخارق يبقى جاهزًا للانتصار خلف الشاشات العملاقة.

كذلك، وفي حال عمّ السلام العالم البشري، فإن خلية "بيلدربيرغ" لن تجد لنفسها مكانًا، فعليًا ستصبح اجتماعاتها فارغة من مضمونها، مع فقدانها القدرة على إدارة الأزمات العالمية، المهمة تقتضي أن يتناقص أعداد العالم البشري، وعدم وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض، لكن يظل من أبرز مهامها منع الصين من أن تكون الرقم واحد عالميًا، وتفكيك منطقة الشرق الأوسط إلى دويلات صغيرة، ما يساعد على زيادة أسهم الرأسمال المال العالمي لصالح طبقة محددة، أو مؤلفة من مائة وخمسين شخصية رأسمالية، فقط لا أكثر.

اقرأ/ أيضًا: 

لماذا علينا ألا نثق بالمجتمع الدولي؟

الرابطة المجتمعية: تكاتُف أم انقياد؟