17-فبراير-2018

قد يطول الخلاف بين أمريكا وبريطانيا حول ما يجب القيام به مع المقاتلين الأجانب في داعش الذين تم اعتقالهم (يوتيوب)

في تقرير لها، استعرضت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أبعاد الخلاف الناشئ بين الولايات المتحدة وبريطانيا فيما يخص التعامل مع مقاتلي داعش الأجانب الذين تم اعتقالهم من ساحة المعركة في سوريا والعراق، الأمر الذي قد يطول الخلاف حوله قبل الوصول إلى حل مُشترك متفق عليه، وهو ما يُخشى من عواقبه المُحتملة، والتي من بين أبرزها تقوية شوكة العناصر المتطرفة المعتقلة في سجون احتجازهم المُؤقتة، كما سبق وحدث مع عناصر تنظيم القاعدة في العراق. في السطور التالية، ترجمة بتصرف للتقرير.


يبرهن الخلاف الذي نشأ بين الولايات المتحدة وبريطانيا حول ما يجب القيام به مع أسرى مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الأجانب، الذين أسروا في ساحة المعركة؛ على التعقيدات التي نشأت في أعقاب حرب مستمرة منذ سنواتٍ بالفعل، للقضاء على التنظيم المتطرف في سوريا والعراق، وتفكيك شبكاته، ودولة خلافته المزعومة.

ثمة خلاف ناشئ بين الولايات المتحدة وبريطانيا، حول طريقة التعامل مع المقاتلين الأجانب في داعش، الذين تم أسرهم في ساحة المعركة

ولعل آخر واقعة سلطت الضوء على تلك القضية، كانت واقعة القبض على رجلين يشتبه في أنهما من مقاتلي داعش، من قِبل قوات تدعمها قوات التحالف في سوريا، في منتصف شهر كانون الثاني/يناير الماضي.

اقرأ/ي أيضًا: الإعلاميون المختطفون لدى داعش.. مصير مجهول وتجاهل مريب من المعارضة المسلحة

ونشأ الرجلان في بريطانيا، ثم ذهبا إلى سوريا للانضمام إلى خلية مكونة من أربعة أشخاص أصبحت تُعرف فيما بعد باسم "البيتلز"، وذلك بسبب لهجات أعضائها البريطانية. واتُهمت هذه الخلية بقطع رأس الصحفييْن الأمريكييْن جيمس فولي وستيفن سوتلوف، في عام 2014.

ويُعد مصير مقاتلي داعش، جزءًا من معضلة أكبر بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها في التحالف الدولي، بعد أن فقد التنظيم المتطرف تقريبًا كل الأراضي الذي كان قد سيطر عليها من قبل. وألقي القبض على مئات من مقاتلي داعش في ساحة المعركة بالفعل، ولكن في كثير من الحالات، لا توجد الإدانات الكافية لتطبيق العدالة عليهم.

ويدفع الدبلوماسيون والضباط العسكريون الأمريكيون، بريطانيا، لقبول عنصري داعش المأسورين، وتقديمهما للمحاكمة، وهو جزء من جهد واشنطن لإرساء مبدأ يقضي بضرورة إعادة جميع المقاتلين الأجانب المأسورين من ساحة المعركة إلى بلادهم الأصلية للمحاكمة. ويُحتجز كلا الرجلين من قبل قوات الأكراد المعروفة بقوات سوريا الديمقراطية (قسد).

وقال وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، يوم الثلاثاء الماضي، إنه لم يُتوصل إلى اتفاق نهائي مع بريطانيا بشأن ذلك، داعيًا الدول إلى تحمل المسؤولية عن المقاتلين الذين انضموا إلى داعش من أراضيهم.

كما صرح ماتيس خلال زيارته إلى أوروبا: "كيف يمكنهم تحمل هذه المسؤولية؟ هناك عشرات الطرق الدبلوماسية أو القانونية أو أي طُرقٍ أخرى"، مُضيفًا: "لكن خلاصة القول أننا لا نريدهم أن يعودوا مرةً أخرى إلى الشارع".

من جانبه صرح وزير الدفاع البريطانى جافين ويليامسون لصحيفة "ذا صن" البريطانية، بأن الرجلين، وهما الشافعي الشيخ، وألكساندر كوتي، قد "أدارا ظهرهما لبريطانيا، ويجب ألا تطأ أقدامهما أبدًا في البلاد مرةً أخرى".

وفضلًا عن ترك الأراضي البريطانية للانضمام إلى داعش، تورطت خلية البيتلز في احتجاز وإعدام بعض المواطنين البريطانيين، بمن فيهم عامل الإغاثة ديفيد هاينز.

وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، أنه إذا رفضت بريطانيا قبول مواطنيها من مقاتلي داعش، فإنهم قد ينتهي بهم الحال في معتقل غوانتانامو، والذي كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد وعد بالإبقاء عليه مفتوحًا لأجل غير مسمى.

وقال ستيفن غولدشتاين، وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون العامة والشؤون الدبلوماسية: "إننا نعمل مع شركائنا في التحالف الدولي لتحديد ما يجب القيام به مع مقاتلي داعش الذين تحتجزهم قوات سوريا الديمقراطية"، مُضيفًا: "إحدى الاحتمالات هو أن يعود المواطنون البريطانيون إلى بريطانيا، وهناك خيار آخر ننظر فيه، ويتمثل في وضع هؤلاء المقاتلين الإرهابيين في خليج غوانتانامو".

ومن المحتمل أن يبدي المسؤولين الأوروبيين اعتراضهم بشدة على احتجاز مواطنين أوروبيين حاليين أو سابقين في غوانتانامو. ويُذكر أنه رغم دعوات ترامب لتوسيع سجن غوانتانامو الذي لا يزال يضم 41 سجينًا، فإن المسؤولين في الحكومة الأمريكية مُحجمين عن القيام بذلك لأسباب قانونية ودبلوماسية.

وفي الوقت نفسه، يعمل وكلاء النيابة العامة في وزارة العدل الأمريكية، والعاملون في مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) بجد لإعداد قضية يمكن من خلالها جلب مقاتلي البيتلز إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمحاكمتهم أمام المحكمة الفدرالية. وستتمحور محاكمتهم على الأرجح حول تهم الاختطاف والتعذيب وقتل الرهائن الأمريكيين، وذلك وفقًا لأشخاص مُطلعين على تلك المناقشات، رفضوا الكشف عن هوياتهم. 

جديرٌ بالذكر أنه من خلال احتجاز الرجلين في معتقل غوانتانامو أو جلبهم إلى الولايات المتحدة لمحاكمتهم أمام محكمة مدنية، والتي على الأرجح قد تقضي عليهم بحكم الإعدام؛ فإن الولايات المتحدة ستخاطر بتهديد فشل المناقشات حول تسليم الإرهابيين الأوربيين المشتبه فيهم في أي من الحالات المستقبلية المشابهة.

وقال أولئك الأشخاص المطلعين على مناقشات النيابة العامة، إن المدعين العامين الفيدراليين يحاولون صياغة القضية كما لو أن المسلحين اعتقلوا في أوروبا، ما يعنى أنهما لن يواجها أي من الاحتمالين.

وقال المسؤولون، إن النائب العام جيف سيسيونس، الذي يُعد من المناصرين الكبار لترحيل المزيد من المعتقلين الجدد إلى غوانتانامو، امتنع عن اتخاذ موقف بشأن هذه القضية.

ترفض عديد الدول الأوروبية استقبال مواطنيها المقاتلين بصفوف داعش، خوفًا من الدخول في قضايا معقدة قد ترهق الأنظمة القضائية المحلية

ومن جانبه يفضل توماس بوسرت، مسؤول البيت الأبيض الذي ينسق عملية صنع القرار، إرسال الرجلين إلى غوانتانامو، بيد أن بوسرت، وهو أكبر مستشاري مكافحة الإرهاب في إدارة ترامب، أصدر تعليماته للمسؤولين بدراسة كافة الخيارات المتاحة.

اقرأ/ي أيضًا: جهاديو ترينيداد وتوباغو.. نسخة داعش الكاريبية

وقال أحد مسؤولي الأمن القومي الأمريكى من المطلعين على القضية: "ليس هناك أي داعي للاندفاع في تحديد مصير الرجلين"، مُضيفًا: "ليس هناك أي داعي للاستعجال، فليس هناك بندقية موجهة نحو رؤوسنا. سنأخذ الوقت اللازم للتوصل إلى القرار الصحيح".

وقالت ديان فولي، والدة أحد الرهائن الأمريكيين الذين قتلوا، إن سلطات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة لم تتصل بالأسر بعد بشأن الخطوة التالية، مُوضحةً: "لقد أوضحنا ما نريد أن يحدث، نريد أن يواجه الرجلين عكس ما قدماه لأطفالنا: محاكمة عادلة وعلنية"، معربةً عن رفضها إرسالهما لغوانتانامو، لأنها تعتقد أن خطوة كهذه "ستدفن الحقيقة".

ويشعر بعض المسؤولين الأمريكيين بالقلق حيال عدم الوضوح فيما يتعلق بما يجب القيام به مع معتقلي تنظيم داعش، ما يُمكن أن يزيد من تفاقم التوترات المتعلقة بكيفية تعامل الحكومة الأمريكية مع حالات الأمريكيين الذين أُخذوا رهائن من قِبل الجماعات الإرهابية في الخارج.

وخلال عهد باراك أوباما، انتقدت بعض أسر الرهائن بشدة نهج الحكومة في مثل هذه الحالات، قائلة إن الجهود الأمريكية كانت غير منظمة وغير فعالة في إنقاذ أقاربهم.

ونشأ الرجلان اللذان يشتبه بانتمائهما لداعش في غرب لندن، فقد ولد الشافعي الشيخ في السودان، أما كوتي الذي جاء من أصول يونانية قبرصية، فقد ولد في لندن. وكانت وزارة الخارجية قد وضعت كلا الرجلين على قوائم الإرهابيين الأجانب، العام الماضي.

وقُتل زعيم خلية البيتلز محمد إموازي أو "جون الجهادي" في غارة بطائرة دون طيار في سوريا عام 2015، أما العضو الرابع إين ديفيس، فهو محتجز في تركيا الآن.

ويتركز معظم الشد والجذب بشأن أسرى ساحة المعركة في سوريا، بينما تحتجز فصائل مُسلحة، مثل قوات سوريا الديمقراطية، مئات الأشخاص، لكنها تفتقد لأي سلطة رسمية تسمح لها بالتفاوض مع الحكومات الأجنبية بشكل واضح.

وفي هذه الأثناء، بالإمكان محاكمة المقاتلين الذين أسروا في ساحة المعركة في العراق من خلال النظام القضائي العراقي، لكن مناصري حقوق الإنسان أشاروا إلى العيوب والخروقات القانونية أثناء محاكمة المشتبه بانتمائهم لداعش هناك.

ويساعد الجيش الأمريكي القوات المحلية في تحديد هوية الأسرى على أمل إعادة أي مقاتلين أجانب إلى الدول التي نشأوا فيها لمحاكمتهم. ولكن لم تشهد هذه الجهود التي تُعد في مراحلها المبكرة أي نجاح حتى الآن، ويعود ذلك جزئيًا إلى المخاوف القانونية لهذه الدول بشأن قبول المقاتلين. إذ تفضل العديد من الدول الأوروبية باستثناء بريطانيا، رؤية المقاتلين يحاكمون في الأماكن التي كانوا يقاتلون فيها، ويعود ذلك جزئيًا إلى الرغبة في تجنب سيل القضايا المعقدة التي قد ترهق الأنظمة القضائية المحلية.

وفي كانون الثاني/يناير الماضي، قال نائب رئيس الأركان الأمريكية، بول سيلفا، إنه في دولهم الأصلية سيحاكم الأسرى على الجرائم التي ارتكبوها قبل سفرهم إلى سوريا والعراق، أو بسبب دعمهم لجهود تنفيذ هجمات إرهابية ضد أوطانهم أثناء وجودهم في سوريا والعراق.

وأضاف سيلفا: "إذا كانت حكومات أوطانهم مستعدة لاسترجاع هؤلاء الأفراد بغرض محاكمتهم، تكون هذه هي الطريقة المناسبة لتقليل حجم القطيع قليلًا، لمنع تجمع عدد كبير من المقاتلين الأجانب في تلك الأماكن لفترات طويلة. هذه هي الجهود التي نبذلها الآن. وهي نفس الإجراءات التي نعمل عليها".

وبحسب مسؤولين أمريكيين، فإن الولايات المتحدة لا يزعجها أن تنتظر موافقة بريطانيا على استقبال عضوي خلية البيتلز، ولكنهم اعترفوا بأن الولايات المتحدة تواجه تعقيدات قانونية ولوجستية في قضية أخرى، والتي تتضمن هذه المرة مواطنًا أمريكيًا.

وكان قد قبض على المواطن الأمريكي الذي لم تحدد السلطات هويته بعد، في سوريا العام الماضي، وتحتجزه القوات الأمريكية في العراق. ورفع اتحاد الحقوق المدنية الأمريكية قضية ضد وزير الدفاع نيابة عن المحتجز، في محكمة مقاطعة كولومبيا. وفي القضية يقول اتحاد الحقوق المدنية، إن الجيش الأمريكي لا يملك سلطة احتجاز مواطن أمريكي لأشهر في الخارج دون توجيه تهم له.

وعليه ستظهر تحديات قانونية مماثلة على الأرجح عند بذل أي جهود لنقل مثل هؤلاء المحتجزين إلى معتقل غوانتنامو.

ثمة مخاوف من أن تأخر التعامل مع معتقلين داعش قد يؤدي لتقويتهم في سجون احتجازهم المؤقتة، كما حدث بسجن بوكا الذي خرج منه قادة داعش

ويخشى بعض المسؤولين الأمريكيين من أن عدم التعامل مع أسرى داعش سيقوي على الأرجح الجهاديين المتطرفين على المدى البعيد. ويريد المسؤولون تجنب تكرار حالة معسكر سجن بوكا، وهو مركز احتجاز في العراق سيطرت عليه القوات الأمريكية في 2003. وعلى مدى سنوات نظم أعضاء تنظيم القاعدة أنفسهم أثناء احتجازهم هناك، وأسسوا في النهاية ما سُمي لاحقًا بـ"تنظيم الدولة الإسلامية".

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماذا تعرف عن المعتقلات الأمريكية السرية في المحيط الهادئ؟

هل تصبح الفلبين العاصمة الجديدة لـ"خلافة" داعش؟