18-أبريل-2020

ليونيل ميسي مع عائلته في فترة الحجر (إنستغرام)

لا يفهم العالم التمرد بل عند حدوثه يعتبره ظاهرة تستدعي الاهتمام. لكنه، في الوقت نفسه، يفهم الخنوع. وقد يخترع لهذه الحالة تسميات مثل القبول أو التسليم. يحاول أن يكون لطيفًا. ومع أن الأشياء يجب أن تحدث بالمقلوب، هناك أشياء كثيرة اعتادها الناس، مع أنها لا تبدو لهم منطقية، إلا حين يعودون خطوتين إلى الوراء، وينظرون نحوها بلا ارتباك. يمكننا اعتبار رواتب لاعبي كرة القدم في الدوريات الأوروبية للمحترفين واحدة من هذه المسائل.

قبل مصالح سوق الإعلانات، وحسابات النقل التلفزيوني، وكل هذه المعطيات التي تعد من دعائم الأسواق المفتوحة، يجب التحدث قليلًا في الأخلاق. المفردة لا تخلو من الرتابة، لكنها ليست شتيمة

إنكلترا: مصلحة اللاعبين أولًا؟

قبل مصالح سوق الإعلانات، وحسابات النقل التلفزيوني، وكل هذه المعطيات التي تعد من دعائم الأسواق المفتوحة، يجب التحدث قليلًا في الأخلاق. المفردة لا تخلو من الرتابة، لكنها ليست شتيمة. ولبرهة، أيضًا، الحديث عن الشغف باللعبة، قد يصير مملًا على ذات القدر من تكرار هجاء مصالح رأس المال. يجب العودة خطوتين إلى الوراء، والتحدث بالأرقام.

اقرأ/ي أيضًا: "قنبلة بيولوجيّة".. هكذا تسبّبت مباراة أتلانتا وفالنسيا في نشر فيروس كورونا

يقول واين روني، وهو لاعب إنكليزي، كان يجب أن يعتزل كرة القدم منذ خمس سنوات على الأقل، لأنه لم يعد نافعًا، إن خفض رواتب اللاعبين في البرميرليغ "أمر مشين". نتحدث عن عدد كبير من اللاعبين الذين يتقاضون أكثر من عشرة ملايين جنيه إسترليني في العام، وتصل معدلات رواتبهم إلى ربع مليون جنيه إسترليني في الأسبوع. محاولة خفض الرواتب، بدأت من رابطة الدوري الممتاز، باقتراح حسم 30 بالمئة من قيمة الرواتب، بسبب التوقف خلال فترة تفشي كورونا، ولم تمانع الحديث في إمكانية دفع هذه القيمة لاحقًا بعد عودة المباريات. وإن كانت الأندية تحقق أرباحًا كبيرة، وتسعى لحماية هذه الأرباح بالاقتطاع من رواتب اللاعبين، فإن ذلك لا يعني أن رواتب اللاعبين منطقية.

إذا جمعنا قيمة ما يدفعه مانشستر سيتي من أجور، فستبلغ قيمة ما يدفعه في اليوم الواحد 134 ألف يورو، أما وصيف العام الفائت، ومتصدر النسخة الحالية، ليفربول، فيدفع 116 ألف يورو في اليوم الواحد، يليه تشلسي الذي يدفع 110 آلاف يورو، ثم أرسنال الذي يدفع أقل من هذا الرقم بثلاثة آلاف يورو فقط. أما اللاعبين، فيمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر، أن المصري محمد صلاح يتقاضى 233 ألف يورو في الأسبوع الواحد، بينما يتقاضى البلجيكي كيفن دي بروين 408 آلاف يورو في الأسبوع الواحد.

في المقابل، حقق مانشستر سيتي عائدات إجمالية قاربت 700 مليون دولار، في العام المنصرم. لكن قيمة الأرباح من هذه العائدات، لا تتجاوز 20 مليون دولار أمريكي، رغم أن الإيرادات هي إجمالية، أي أنها تضم كل شيء، من بيع القمصان والتذاكر وعائدات النقل التلفزيوني والإعلانات والحملات الدعائية وأشياء أخرى. يعني هذا، من بين أشياء كثيرة، أن كيفن دي بروين، يجني أرباحًا في العام أكثر من أرباح الفريق، حتى لو اضطر إلى الجلوس على مقاعد الاحتياط.

من باب الأمانة، يجب التذكير بأن واين روني، قال إنه يرغب بالتبرع لصالح هيئة الخدمة الصحية الوطنية "ان ايتش اس"، وليس للأندية، معتبرًا أنه سيرغب بالمساعدة بكل سرور. من باب الأمانة أيضًا، يجب التذكير بأن النقاش الأساسي يدور في مكان آخر. في توزيع الثروة وحدود الإثراء. في أي حال، بعد البريكست، ستتغير قواعد اللعبة في البرميرليغ. من المتوقع تراجع عدد اللاعبين الذين يحملون جوازات سفر أوروبية، وتاليًا، تراجع كل العائدات الأخرى. أما بعد كورونا، فذلك مبحث طويل. حتى الآن، مسألة خفض الرواتب "البسيطة" ما زالت عالقة.

تسويات في إيطاليا وألمانيا

كما يبدو، لمتابعي اللعبة، فإن الدوري الإنكليزي هو "قبلة" اللاعبين في العالم، من دون أن يلغي ذلك أهمية الدوريات الأوروبية الأخرى وقوتها. من بين عدة أسباب، تلعب العوامل المادية وحسابات الكسب دورًا في خيارات اللاعبين ومديري أعمالهم. بينما في إنكلترا، وحتى الآن، صرفت الأندية جزءًا كبيرًا من موظفيها من دون أي ضمانات بعودتهم بعد كورونا، في مقابل إصرار على حماية "رواتب اللاعبين". وهذا الإصرار، على "حماية" اللعبة عبر حماية مصالح معينة، يشبه كثيرًا سلوك الدول الأوروبية، التي حاولت التنصل من واجباتها الرعائية في بداية الوباء، وحاولت في البداية إنقاذ مصالح اقتصادية محصورة بيد فئة قليلة. الذريعة في كرة القدم مثل الذريعة في مشتقات هذه الدورة الاقتصادية الأخرى ضمن هذا النظام: هذه الفئة القليلة هي التي توفر الاستثمارات وتاليًا كل الدورة تتوقف على نشاطها. لا يحدث هذا فقط في إنكلترا، بل في كل دوريات المحترفين، وإن كانت الوتيرة مختلفة.

في إيطاليا، التي تضررت بشدة من الفيروس، توصلت الأندية لاتفاق مع لاعبيها على خفض رواتبهم، ولا سيما كرستيانو رونالدو، الغني عن التعريف، بقيمة 90 مليون يورو. لكن هذه التخفيضات لن تذهب إلى المرضى، بل لمصلحة النادي، الذي تديره أسرة من أسر البورجوازية الصناعية في شمال إيطاليا. في الإطار ذاته، وافق لاعبو فرق ألمانية، وعلى رأسهم لاعبو بايرن ميونخ، بتخفيض رواتبهم بدورهم. يبدو الأمر، وكأنه شعور "جماعي" بالمسؤولية، والتضامن الإنساني. لكن في ألمانيا أيضًا، الأبعاد الاقتصادية هي التي دفعت إلى القرار. بايرن ميونخ، يدفع 336 مليون يورو سنويًا كأجور للاعبيه. نتحدث عن 11 لاعبًا أساسيًا، وما يقارب هذا الرقم من احتياطيين، يشاركون دوريًا، يتقاضون ثلث مليار يورو، بينما يدب الهلع في العالم بحثًا عن أجهزة التنفس الاصطناعي. رغم ذلك هناك من يتذمر، ويقول إن "اللعبة جميلة"، وكأن ما كان قبلها ليس كرة قدم!

اقرأ/ي أيضًا: فيروس كورونا يطلق رصاصة الرحمة على الموسم الكروي في أوروبا

إسبانيا والحالة الكاتالونية

لسيرة "جمالية" اللعبة، يجب أن تختم هذه القراءة بليونيل مسي. فاللعبة قبله، ليست كما بعده فعلًا. لكن، هل يختلف مسي في "ثقافته" عن اللاعبين الآخرين؟ غالبًا لا. في هذه النقطة بالذات، ميسي ليس مارادونا. لمارادونا آراء ساذجة أحيانًا في السياسة، ولكن دييغو ما زال يحن إلى شواطئ نابولي، ولم يصبح رجل أعمال. قد يكون ليونيل مسي ضحية النظام الذي شارك في صناعته، مثل بقية الناس، الذين هم ضحية ما يشاهدون، وما يستهلكون، وهذا لا يستثني أحدًا إلا القلة.

ميسي ليس مارادونا. لمارادونا آراء ساذجة أحيانًا في السياسة، ولكن دييغو ما زال يحن إلى شواطئ نابولي، ولم يصبح رجل أعمال

في برشلونة، وبعد سجالات طويلة، أكد القائد الأسطوري للفريق أن اللاعبين سيتخلون عن 70 بالمئة من رواتبهم لمساعدة النادي. وإن كان برشلونة حالة "استثنائية" ببعديه السياسي والثقافي، لأنه من أوضح تمثيلات الرغبة الكاتالونية بالانفصال، فإنه في الاقتصاد، يبقى مثل الآخرين: "أكثر من نادٍ لكرة القدم".