تتحرك كلٌّ من طهران وواشنطن على أكثر من جبهة في ما يتعلّق بالمفاوضات النووية الرامية إلى التوصل لاتفاق جديد. ومع اقتراب موعد الجولة الثانية من المحادثات، والتي لم يُحسم بعد ما إذا كانت ستُعقد في روما أو جنيف أو سلطنة عُمان، تتكشف معلومات جديدة بشأن المقترحات المطروحة، وفي مقدمتها خفض مستويات تخصيب اليورانيوم والتخلّص من المخزون عالي التخصيب.
تعزيز الدعم الروسي
تواصل روسيا دعمها لإيران في المفاوضات النووية مع الغرب، وكانت من بين الدول الموقعة على اتفاق 2015، الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب خلال ولايته الأولى.
ويرى مراقبون أن زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى موسكو، قبيل الجولة الثانية من المفاوضات مع الولايات المتحدة، تهدف إلى تعزيز الدعم الروسي لطهران، وضمان انخراط موسكو في أي اتفاق نووي جديد. وتسعى إيران من خلال ذلك إلى الحصول على ضمانات لرفع العقوبات الغربية، والتأكد من أن واشنطن لن تنسحب مجددًا من أي اتفاق يتم التوصل إليه، إضافة إلى استبعاد برنامجها الصاروخي من أي تسوية محتملة بشأن الملف النووي.
ستيف ويتكوف: الإيرانيين ليسوا بحاجة إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 3.67%
نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين إيرانيين قولهم إنهم "يعتقدون أن نهج ترامب الأخير يؤكد اعتماده استراتيجية تقوم على التهديد ثم التراجع، كما حدث في تعاملاته مع غرينلاند، غزة، والرسوم الجمركية"، ولذلك تربط إيران موافقتها على خوض محادثات مباشرة بتخلي الإدارة الأميركية عن لغة التهديد وسياسة "الضغط الأقصى" التي أعاد ترامب العمل بها منذ شباط/فبراير الماضي.
كما يعتقد بعض المسؤولين الإيرانيين، وفقًا لـ"رويترز"، أن خلفية ترامب التجارية قد تجعله أكثر ميلًا لعقد صفقة، إذا ما تضمنت حوافز اقتصادية، مثل احتمال شراء طائرات أميركية الصنع، أو فتح السوق الإيرانية أمام الاستثمارات الأميركية، وهو ما أبدى الرئيس الإيراني استعداده لمناقشته.
يُذكر أن العملة الإيرانية ارتفعت بنسبة 16% منذ الإعلان عن بدء المحادثات بين طهران وواشنطن.
وفي تحرك دبلوماسي آخر ذي صلة، من المقرر أن يزور المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، العاصمة الإيرانية طهران غدًا الأربعاء.
تعزيز الوجود العسكري الأميركي في المنطقة
وصلت حاملة طائرات أميركية جديدة إلى مياه الشرق الأوسط قبيل الجولة الثانية من المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة. وأظهرت صور أقمار صناعية، حللتها وكالة "أسوشيتد برس" الثلاثاء، أن حاملة الطائرات "كارل فينسون" ومجموعتها الضاربة بدأت عملياتها في بحر العرب، شمال شرق جزيرة سقطرى اليمنية. وترافق الحاملة طراد الصواريخ "يو إس إس برينستون"، ومدمرتان من فئة "أرلي بيرك"، هما "يو إس إس ستريت" و"يو إس إس ويليام بي. لورانس".
وبالتزامن مع تشغيل "فينسون"، التي انضمت إلى حاملة الطائرات "هار إس ترومان"، واصلت القوات الأميركية غاراتها على مواقع الحوثيين في اليمن.
وربط مسؤولون أميركيون مرارًا الحملة الجوية ضد الحوثيين بالضغوط التي تمارسها واشنطن على إيران في إطار المحادثات النووية. وفي هذا السياق، جدّد ترامب، يوم الإثنين، تهديده بتوجيه ضربة عسكرية لإيران تستهدف منشآتها النووية، في حال فشل التوصل إلى اتفاق يمنعها من تطوير سلاح نووي.
ما الموضوعات المطروحة للتفاوض؟
كشفت مصادر عن بعض الملفات المطروحة للنقاش في المحادثات الإيرانية الأميركية. وقال المبعوث الأميركي الخاص، ستيف ويتكوف، إن إدارة ترامب قد تنظر في الاتفاق النووي لعام 2015 كأساس للمفاوضات الجديدة، رغم انسحابها منه في 2018.
وفي حديثٍ لقناة "فوكس نيوز"، قال ويتكوف: "المفاوضات ستركز بدرجة كبيرة على مراقبة برنامج التخصيب، ثم التحقق من جانب التسلح، بما في ذلك نوع الصواريخ التي تمتلكها إيران"، مضيفًا: "نحن هنا لنرى ما إذا كان بالإمكان حل هذه الأزمة دبلوماسيًا وبالحوار".
مستوى التخصيب: 3.67%
قالت "أسوشيتد برس" إن ويتكوف اقترح لأول مرة على إيران تخصيب اليورانيوم عند مستوى لا يتجاوز 3.67%، وهو المستوى المنصوص عليه في اتفاق 2015. وتخصّب إيران حاليًا اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، وهي نسبة تقترب من الحد المطلوب لإنتاج سلاح نووي (90%).
وأكد ويتكوف أن "الإيرانيين ليسوا بحاجة لتخصيب يتجاوز 3.67%"، مشددًا على أن امتلاك إيران لمستويات تخصيب تتراوح بين 20 و60% يمثل وضعًا "لا يمكن القبول باستمراره".
وصلت حاملة طائرات أميركية أخرى إلى مياه الشرق الأوسط قبيل الجولة الثانية من المحادثات النووية الإيرانية الأميركية
يُشار إلى أن النسبة التي يقترحها ويتكوف (3.67%)، هي ذاتها التي وافقت عليها إيران في الاتفاق النووي المبرم عام 2015 في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وهي نسبة كافية، بحسب وكالة "أسوشيتد برس"، لتشغيل محطة بوشهر للطاقة النووية.
وفي مقابل التزام إيران بذلك الاتفاق، أتيحت لها إمكانية الوصول إلى أموالها المجمدة حول العالم، كما رُفعت العقوبات المفروضة على قطاع النفط الحيوي، إلى جانب قطاعات اقتصادية أخرى.
وفي السياق ذاته، أشارت صحيفة "جافان" الإيرانية، المحسوبة على الحرس الثوري، في افتتاحيتها يوم الثلاثاء، إلى أن طهران "منفتحة على خفض مستوى تخصيب اليورانيوم"، وتساءلت: "لقد فعلنا شيئًا مماثلًا من قبل، فلماذا لا نكرّره ونتوصل إلى اتفاق؟"، مضيفةً أن "هذا لا يُعد تراجعًا عن مبادئ الجمهورية الإسلامية في أي مكان في العالم."
يُذكر أن الرئيس الأميركي ، دونالد ترامب، كان قد برّر انسحابه من الاتفاق النووي في عام 2018، بالإشارة إلى أن مخزون إيران من الصواريخ الباليستية مثّل أحد الأسباب الرئيسية للانسحاب. واليوم، يؤكد مبعوثه الخاص، ستيف ويتكوف، أن أي اتفاق جديد يجب أن يشمل "الصواريخ الإيرانية الاستراتيجية"، في حين ترفض طهران رفضًا قاطعًا إدراج برنامجها الصاروخي ضمن أي مفاوضات.