07-يناير-2025
تخفيف العقوبات

صورة أرشيفية لشاحنة صغيرة تحمل براميل وقود في ريف حلب في 13 يناير 2015 (رويترز)

يمكن القول إن سوريا دخلت، أمس الاثنين، مرحلة جديدة بإعلان وزارة الخزانة الأميركية تخفيف جزء من العقوبات التي فُرضت على البلاد خلال حكم آل الأسد منذ عام 1979. ومع ذلك، فإن هذا الإجراء، الذي يسمح بدخول الاحتياجات الأساسية إلى سوريا، يبقي الجزء الأكبر من العقوبات المتمثل في جذب الاستثمارات الخارجية وبدء خطط إعادة الإعمار خاضعًا للعقوبات الغربية.

وكان وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال السورية، أسعد حسن الشيباني، قد صرح في تصريحات صحفية، اليوم الثلاثاء: "رغم زوال نظام الأسد، لا تزال العقوبات تستهدف الشعب السوري، مما يعيق تعافيه"، معتبرًا أن قرار الخزانة الأميركية بتخفيف العقوبات يمثل "انفراجة"، لكنه شدد مجددًا على ضرورة "رفع العقوبات بالكامل"، بحسب ما نقلت صحيفة الوطن السورية.

ترخيص يدعم المعاملات الخدمية

بحسب بيان الخزانة الأميركية، فإن القرار "يسمح بالمعاملات التي تدعم بيع أو توريد أو تخزين أو التبرع بالطاقة، بما في ذلك البترول والغاز الطبيعي والكهرباء داخل سوريا"، كما "يجيز الترخيص أيضًا المعاملات اللازمة لمعالجة التحويلات الشخصية غير التجارية إلى سوريا"، والتي سيكون من ضمنها التحويلات عبر البنك المركزي السوري، اعتبارًا من يوم غد، الثامن من كانون الثاني/يناير الجاري.

يسمح الترخيص بالمعاملات التي تدعم بيع أو توريد أو تخزين أو التبرع بالطاقة، بما في ذلك البترول والغاز الطبيعي والكهرباء، داخل سوريا

وحتى ما قبل صدور قرار الخزانة الأميركية، كان السوريون يواجهون ضغوطًا اقتصادية مرتبطة بعدم قدرتهم على استلام الحوالات الخارجية، مما أثر سلبًا على قدرتهم الشرائية وحياتهم اليومية، في ظل تفاوت أسعار المواد الأساسية التي أصبحت مرتبطة بسعر الدولار، بعد سقوط نظام الأسد وتولي حكومة تصريف الأعمال المكلفة من قبل "هيئة تحرير الشام" تسيير شؤون البلاد.

وأكد بيان الخزانة الأميركية أن "الترخيص يستمر لمدة ستة أشهر، حيث ستواصل الولايات المتحدة مراقبة الوضع على الأرض"، مضيفًا أن "نهاية حكم بشار الأسد الوحشي والقمعي، بدعم من روسيا وإيران، توفر فرصة فريدة لسوريا وشعبها لإعادة البناء". كما أوضح البيان أن "خلال الفترة الانتقالية، ستواصل وزارة الخزانة دعم المساعدات الإنسانية والحكم المسؤول في سوريا".

قطاع الكهرباء يشهد بوادر انفراج

وقال مدير عام المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء، خالد أبو دي، اليوم الثلاثاء، إن سفينتين لتوليد الكهرباء من تركيا وقطر قادمتان إلى سوريا ستولدان 800 ميغاواط، مشيرًا إلى أن ذلك "سيسهم في زيادة حصة المواطن من الكهرباء بنسبة 50% تقريبًا"، وفق ما تناقلت وسائل إعلام سورية. ويُعتبر هذا تطورًا إيجابيًا في قطاع الكهرباء الذي يعاني انهيارًا كبيرًا، والذي يمكن ربطه بتخفيف العقوبات الاقتصادية على سوريا.

تاريخ العقوبات على سوريا

كانت أول حزمة عقوبات أميركية فُرضت على سوريا خلال فترة حكم الرئيس السابق حافظ الأسد في عام 1979. ثم توسعت العقوبات في عهد ابنه، بشار الأسد، مع صدور "قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية" عام 2004. ومنذ عام 2011 وحتى لحظة هروب الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي، فرضت الولايات المتحدة سلسلة من العقوبات طالت أكثر من 700 اسم وكيان مرتبطين بالأسد.

خطوات مبدئية

وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" قرار الخزانة الأميركية بأنه "مؤشر على كيفية اتخاذ واشنطن خطوات مبدئية لتوجيه نهجها تجاه هيئة تحرير الشام". وكانت الهيئة قد قادت إدارة العمليات العسكرية التي أسفرت عن الإطاحة بنظام الأسد في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. ومع ذلك، لا تزال الهيئة تواجه عقوبات أميركية نتيجة إدراجها على قائمة "الجماعات الإرهابية"، وهو ما يعقد بدء خطط إعادة الإعمار.

وبحسب الصحيفة الأميركية، سارعت عدة دول أوروبية إلى إرسال عشرات الملايين من الدولارات كمساعدات إنسانية منذ سقوط نظام الأسد قبل شهر. ومع ذلك، فإن هذه المساعدات لا تمثل سوى جزء ضئيل مما تحتاجه سوريا للتعافي وإعادة البناء بعد أكثر من عقد من الحرب.

وأشارت الصحيفة إلى أن العقوبات الأميركية "تؤثر على العمليات الإنسانية من خلال منع الأموال التي تحتاجها البلاد بشدة لإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية". وأوضحت أن العائلات ومنظمات الإغاثة لا تزال تواجه صعوبة في استلام الأموال الخارجية أو الحصول على المساعدات العاجلة.

اقتصاد محطم

بحسب مركز الدراسات الاستراتيجية "ستراتفور"، فإن تخفيف القيود المفروضة على المساعدات قد يشجع التنمية الاقتصادية في سوريا ويحسن مستوى المعيشة للسوريين الفقراء. كما أشار المركز إلى أن "تحسين الظروف المعيشية قد يعزز شرعية الحكومة الجديدة". لكنه حذر من أنه "بدون خطوات أكثر واقعية نحو تشكيل حكومة شاملة، مثل ترسيخ حماية الأقليات، من غير المرجح أن تُرفع العقوبات المفروضة على هيئة تحرير الشام أو تُوفر موارد كافية لإعادة بناء سوريا".

ووصفت مراسلة وزارة الخارجية الأميركية لموقع "المونيتور"، إليزابيث هاجيدورن، الاقتصاد السوري بأنه "محطم"، بسبب الحرب التي استمرت قرابة 14 عامًا، بالإضافة إلى السياسات الفاشلة لحكم آل الأسد. وأوضحت أن غالبية السوريين يعيشون في فقر مدقع، حيث "يحتاج ثلاثة من كل أربعة أشخاص إلى المساعدة للبقاء على قيد الحياة".

وأضافت هاجيدورن أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، أصدرت هذا القرار "بعد أن استمعت إلى منظمات الإغاثة التي حذرت من أن العقوبات السابقة قد تعقد الاستجابة الإنسانية وإعادة بناء سوريا في نهاية المطاف". لكنها أشارت إلى أن عاملي الإغاثة يخشون أن تؤدي تعاملاتهم الروتينية مع المؤسسات الرسمية التي تقودها الهيئة إلى إدراجهم على لائحة العقوبات الغربية.

تغير في النهج الأميركي

جاء قرار الخزانة الأميركية بتخفيف جزء من العقوبات على سوريا بعد زيارة وفد أميركي برئاسة مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، التي التقت قائد إدارة العمليات العسكرية، أحمد الشرع. وأشادت الدبلوماسية الأميركية باللقاء ووصفته بـ"الإيجابي"، لكنها أكدت أن واشنطن "ستحكم على الأمور من خلال الأفعال وليس الأقوال فحسب".

وفي رسالة غير مباشرة تشير إلى تغير في تعاطي واشنطن مع المشهد السياسي السوري الجديد، أوضحت الدبلوماسية الأميركية أنها أبلغت "أحمد الشرع بأن واشنطن لن تواصل رصد مكافآت للقبض عليه". وعللت ذلك بأن "القرار كان سياسيًا، يتماشى مع المناقشات مع هيئة تحرير الشام حول مصالح أميركا". وأكدت أن الشرع أوضح أولوياته المتمثلة في وضع سوريا على طريق التعافي الاقتصادي.