08-مايو-2025
تسعي الإدارة السورية الجديدة إلى كسر طوق العزلة الدولية (منصة إكس)

تسعي الإدارة السورية الجديدة إلى كسر طوق العزلة الدولية (منصة إكس)

في تحرك دبلوماسي لافت يعكس سعي الإدارة السورية الجديدة إلى كسر طوق العزلة الدولية، يقود الرئيس السوري أحمد الشرع حملة سياسية واقتصادية وأمنية تهدف إلى إعادة تموضع بلاده على خارطة الإقليم والعالم، بعد سنوات من الحرب والعقوبات.

وبحسب ما كشفته تقارير من "وول ستريت جورنال" ووكالة "رويترز"، يتحرك الشرع على جبهتين متوازيتين: الأولى باتجاه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والثانية عبر وساطة إماراتية لفتح قناة خلفية مع إسرائيل.

يقود الرئيس السوري أحمد الشرع حملة سياسية واقتصادية وأمنية تهدف إلى إعادة تموضع بلاده على خارطة الإقليم والعالم، بعد سنوات من الحرب والعقوبات

عرض أميركي شامل: تطبيع واستثمارات مقابل الشرعية

بحسب تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، أمس الأربعاء، فإن الرئيس السوري يسعى للحصول على دعم إدارة ترامب مقابل تقديم تنازلات واسعة تشمل الانفتاح على إسرائيل وتقديم امتيازات اقتصادية كبرى لشركات أميركية في مجالات الطاقة والبنية التحتية، على حساب الشركاء التقليديين لدمشق مثل الصين وروسيا.

ونقلت الصحيفة عن مصادر دبلوماسية سورية أن الشرع بدأ تنفيذ خطوات استباقية، من بينها اعتقال شخصيات قيادية في فصائل فلسطينية مقيمة في سوريا، وفتح قنوات تواصل غير مباشر مع إسرائيل، بالإضافة إلى استعداد دمشق للتطبيع إذا تم رفع العقوبات.

كما يسعى الشرع، بحسب التقرير، إلى عقد لقاء مباشر مع ترامب، يعرض فيه خطة لإعادة إعمار سوريا مستلهمة من خطة "مارشال" الأميركية التي أعادت إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وترى المستشارة في "مجموعة الأزمات الدولية"، دارين خليفة، أن دمشق تراهن على الضوء الأخضر الأميركي لفتح باب الاستثمار الأجنبي، خاصة في ظل الانهيار البطيء للاقتصاد السوري.

وفي هذا السياق، كشفت الصحيفة عن زيارة الناشط الجمهوري ورئيس شركة الغاز الأميركية "Argent LNG"، جوناثان باس، إلى دمشق، حيث التقى بالرئيس الشرع وقدم له مقترحًا لتعاون استثماري ضخم. ووفق باس، فإن الشرع "يريد شراء طائرات بوينغ، يريد اتصالات أميركية لا هواوي"، في إشارة إلى رغبته في استمالة الشركات الأميركية على حساب الصينية.

وأكد المدير التنفيذي لمنظمة الطوارئ السورية، معاذ مصطفى، الذي حضر الاجتماع، أن الرئيس الشرع أبدى استعدادًا للتجاوب مع العرض الأميركي، بشرط أن يشمل تخفيفًا ملموسًا للعقوبات. كما صرّح مسؤول رفيع في وزارة الخارجية السورية بأن دمشق تسعى إلى إقامة شراكة استراتيجية مع واشنطن، تتركز على مجالي الاقتصاد والطاقة."

قناة خلفية مع إسرائيل برعاية إماراتية

بالتوازي، كشفت ثلاثة مصادر مطلعة لوكالة "رويترز" أن الإمارات أسست قناة خلفية للاتصال بين سوريا وإسرائيل تركز على الملفات الأمنية والاستخباراتية. ووفق مصدر أمني سوري ومصدر إقليمي، بدأت هذه الاتصالات بعد أيام من زيارة الشرع لأبو ظبي في 13 نيسان/أبريل الماضي، وتتناول "قضايا فنية" في هذه المرحلة، وسط مؤشرات على إمكانية توسّعها لاحقًا.

وأوضح المصدر الأمني السوري أن القناة تقتصر حتى الآن على قضايا مكافحة الإرهاب، ولا تشمل الملفات العسكرية الحساسة مثل الأنشطة الجوية الإسرائيلية في سوريا. وتشارك في هذه القناة شخصيات أمنية إماراتية وضباط استخبارات سوريون ومسؤولون سابقون في الأجهزة الإسرائيلية، وفقًا لـ"رويترز".

وتشير مصادر الوكالة إلى أن الاجتماع الذي عُقد الشهر الماضي بين الرئيس الشرع والرئيس الإماراتي محمد بن زايد، واستمر لساعات طويلة، مهّد الطريق لتفعيل القناة السرية.

ورغم أن الرئاسة السورية ووزارة الخارجية الإماراتية امتنعتا عن التعليق، فإن مراقبين يرون أن العلاقة المتينة بين الإمارات وإسرائيل -والتي تأسست رسميًا في 2020 بموجب اتفاقات "أبراهام"- قد تشكل بوابة غير مباشرة لدمشق نحو تل أبيب، في غياب علاقات رسمية.

في الخلفية: ضربات إسرائيلية ودبلوماسية هشة

تأتي هذه التحركات في ظل تصعيد عسكري إسرائيلي ضد سوريا الأسبوع الماضي، شملت ضربات على مواقع في العاصمة دمشق، بينها هدف يبعد 500 متر فقط عن القصر الرئاسي، وُصفت بأنها رسالة مباشرة موجهة إلى القيادة السورية.

من جهتها، أدانت الحكومة السورية الضربات الإسرائيلية ووصفتها بأنها تصعيد وتدخل خارجي، مشددةً على أنها تعمل على توحيد البلاد بعد 14 عامًا من النزاع الدموي.

وتشير تقارير "رويترز" إلى أن وساطات غير رسمية جرت في الأيام الماضية لاحتواء التصعيد، وإن كانت منفصلة عن القناة الإماراتية، إلا أنها تؤكد وجود رغبة متبادلة -وإن كانت حذرة- في تجنّب الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة.

موقف أميركي متردد

ورغم هذه المؤشرات، لا تزال إدارة ترامب مترددة في التعامل المباشر مع حكومة الشرع، وفق "وول ستريت جورنال"، خاصة أن البيت الأبيض قدّم مؤخرًا لدمشق قائمة مطالب لم تُكشف تفاصيلها، إلا أن النظام السوري بدأ فعليًا بتنفيذ بعضها.

وتُعد زيارة ترامب المرتقبة إلى الخليج محطة محورية في تحديد موقف واشنطن من النظام السوري، خصوصًا في ظل تباين مواقف الحلفاء لإعادة دمج دمشق في النظام الإقليمي، محذّرة من أن غياب الدعم الأميركي قد يُحوّل سوريا مجددًا إلى دولة فاشلة، تعود منها الجماعات المتطرفة إلى الواجهة.