12-أغسطس-2015

أسامة دياب/ فلسطين

عندما بدأت القراءة تستهويني، كنت أقرأ بشكل عشوائي، أقرأ أي كتاب تقع عليه عيناي دون أن يكون لدي معرفة بالكتب والكُتّاب، ودون إلمام بالترجمات الجيدة، أقرأ دون أي خلفية عن المشهد الإبداعي سوى المعلومات التي بدأت أستقيها من المجلات والملاحق. 

كيف يجرؤ مترجم على حذف ما يقارب تسعمائة صفحة من رواية؟

وعندما وقعت رواية الجريمة والعقاب، لأول مرة، بين يدي شعرتُ بالغثيان والإحباط، فقد وجدتها رواية رديئة مكتوبة بلغة ركيكة، في حين تصر الملاحق الثقافية على أهمية هذا العمل الخالد. وتساءلت كيف يمكن لرواية ساذجة من مئة صفحة أن تحقق كل هذه الشهرة؟ ولم يطل الأمر بي حتى اكتشفت سذاجة رأيي، إذ كان يتوجب عليّ أن أقرأ ترجمة الدكتور سامي الدروبي، بصفحاتها التي تجاوزت الألف صفحة، كي أبحر في عوالم دوستويفسكي العميقة.

اقرأ/ي أيضًا: الشعراء الانقلابيون

لكن هناك سؤال ظل يراودني كلما تذكرت تلك القصة، كيف يجرؤ مترجم على حذف ما يقارب تسعمائة صفحة من رواية؟ وأي ضمير أخلاقي يمتلك هذا المترجم؟ هذا السؤال تكرر مع عدة أعمال عالمية، منها رواية دون كيخوته لثيربانتس التي فقدت ألف صفحة من وزنها الطبيعي نتيجة حادثة ترجمة مروعة، ورواية البؤساء لفيكتور هيجو التي انطلقت من فرنسا وهي مصابة بالتخمة الشديدة لتصل إلينا في كتاب متوسط الحجم. صحيح أن منير بعلبكي استطاع أن يعيد لنا الصفحات المفقودة في ترجمة جيدة، بيد أنّ الترجمة الأخرى هي الأكثر شهرة ورواجًا في الوطن العربي.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فكثيرًا ما نطالع ترجمات جيدة لأعمال أدبية كبرى، ولكن هذه الترجمات يتم التلاعب بها فكريًا بحذف المقاطع التي قد تقلل من رواج العمل أو التي تسيء للثقافة المترجم إليها. فيأخذ قرّاء النسخة المترجمة فكرة مغلوطة عن العمل، وتكون العلاقة بين القارئ والنّص مشوهة. كما أنّ بعض المترجمين يتدخلون في العمل المترجم فكريًا، فيخلط القارئ بين أفكار المؤلف والمترجم.

وتأتي بعض تدخلات المترجمين لأهداف تسويقية أيضًا، فقد ظهرت، على سبيل المثال، ترجمتان لرواية الكاتبة التركية إليف شافاق قواعد العشق الأربعون، لكن الترجمة التي لاقت رواجًا وشهرة هي الترجمة التي أضيف إليها عنوان فرعي يقول "رواية عن جلال الدين الرومي". علما أنّ هذه الإضافة غير موجودة في العنوان الأصلي.

بينما أسوأ أنواع الترجمات تلك التي تعتقد بغباء القارئ وتشرح له ما لا يحتاج الشرح. ومن الأمثلة على هذا النوع، ترجمة صادرة عن دار نشر مشهورة هي "الدار العربية للعلوم/ ناشرون"، عام 2011 للمترجم السعودي حمد العيسى، بعنوان نهاية الرواية وبداية السيرة الذاتية، وقضايا أخرى مترجمة. وهي عبارة عن مجموعة منوعة من المقالات التي تناولت موضوعات ثقافية مختلفة، انصب أغلبها على موضوع "البيست سيلر"، وهي مقالات واضحة لا تحتاج إلى شرح، لكن المترجم يتصدى لشرح كثير من الجمل، فمقولة الشاعر الأمريكي بيلي كولينز بأن دافعه إلى كتابة الشعر "هو كون الشعر عمل تقوم به بنفسك"، تدفع بالمترجم إلى قطع الترجمة ليقول للقارئ "أي من دون مساعدة غيرك" ص24. وفي جملة "يقيس تجاوب الجمهور معه" يظن المترجم أن القارئ جاهل بمعنى الفعل "يقيس" فيشرحه ب"يدوزن" ص28. وعندما يترجم قصائد للشاعر نفسه، ينوه بأنه أضاف الياء بدلًا من الكسرة لتوضيح التأنيث، فبدلاً من "أحملكِ" وضع "أحملكي"، وبدلاً من "عنكِ" كتب "عنكي"، كي لا يختلط الأمر على القارئ.

اقرأ/ي أيضًا: طيران فوق عش الائتلاف

كما أن ثمة تناقضًا واضحًا في تناول فكرة "البيست سيلر"، فتبدو فكرة إيجابية عندما تتناول شاعرًا أمريكيًا، لكنها تبدو فكرة سوداء ومضرة بالمجتمع عندما تتطرق إلى الروايات العربية المترجمة إلى الإنجليزية. ومن المثير للاستغراب أن نجد المترجم يقطع الترجمة ليكيل الشتائم لكاتب عربي لأنه قال إن بدو الصحراء لم يكن لديهم الكثير من الوقت للأدب والفن. بل يصرّح المترجم أنه قام بترجمة هذا المقال، الذي ينال من الكاتب العربي، كنوع من العقاب والرد عليه وفقًا لما ورد في الصفحة 108.

ولن أنهي هذا المقال بإلقاء قائمة من المواعظ على مسامع المترجمين، فالترجمة كأي فن إبداعي آخر فيها الجيد والرديء، وما تسليط الضوء على العيوب إلا كنوع من رفض الرديء أينما وجد.