تقدّم "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) خطابًا متناقضًا، فطورًا تعلن رفع علم الثورة السورية في المناطق التي تسيطر عليها، وتدعو إلى إرسال وفود إلى الحكومة السورية الانتقالية في العاصمة دمشق، وتارة تنفي أي تفاهمات مع الحكومة السورية الانتقالية.
حيث دعا قائد "قسد"، مظلوم عبدي، إلى إرسال وفد إلى دمشق لمناقشة موقع الإدارة الذاتية في "سوريا الجديدة". وفي مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال"، أمس الجمعة، أكد عبدي أن قواته يجب أن تكون جزءًا من القوات المسلحة السورية في إطار إدارة لا مركزية للبلاد، مشيرًا إلى ضرورة تكريس حقوق الأقليات في الدستور السوري، على حد قوله.
وأضاف عبدي أن ما وصفه بـ"الفراغ السياسي الحالي في سوريا تسبب في هجمات متكررة على مناطق الإدارة الذاتية"، متهمًا "المتمردين المدعومين من تركيا" بتنفيذها. زاعمًا أن هذه الهجمات أجبرت "قسد" على وقف عملياتها ضد تنظيم "داعش" ونقل بعض السجناء إلى مناطق أكثر استقرارًا.
تقدّم "قوات سوريا الديمقراطية" خطابًا متناقضًا، فطورًا تدعو إلى إرسال وفود إلى الحكومة السورية الانتقالية في العاصمة دمشق، وتارة تنفي أي تفاهمات مع الحكومة السورية الانتقالية
لكن على صعيد آخر، نفت "الإدارة الذاتية" وجود أي تفاهم مع الحكومة الانتقالية في دمشق. وأكد المتحدث الرسمي باسم دائرة العلاقات الخارجية، كمال عاكف، أنه يتم التحضير لمرحلة من اللقاءات والحوار بهدف توحيد الجهود لخدمة سوريا وشعبها. وجاء ذلك ردًا على تقارير تحدثت عن تفاهمات أو مسودات اتفاق مع الحكومة السورية.
ننفي كل ما تم تداوله حول “مسودة أو تفاهم” مع دمشق، وإنما يتم حالياً الإعداد لمرحلة اللقاءات والحوار بهدف توحيد الآليات والجهود خدمةً لسوريا وشعبها.
كمال عاكف - المتحدث الرسمي باسم دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا
— الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا (@aanes__official) December 13, 2024
وسبق أن أعلنت "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" رفع علم الثورة السورية على جميع المؤسسات والمرافق التابعة لها في مناطق سيطرتها. ووصفت الإدارة ذلك بأنه تعبير عن نهاية "حقبة القمع والتسلط" التي فرضها النظام السوري على الشعب السوري لأكثر من نصف قرن، معتبرة أن العلم يمثل تطلعات السوريين نحو الحرية والوحدة الوطنية.
لكن هذا الإعلان تزامن مع توترات في مدينة الرقة، الخميس الماضي، حيث شهدت المدينة احتجاجات شعبية احتفالًا بسقوط النظام السوري. ووفقًا لمصادر محلية، أطلقت "قسد" النار على المتظاهرين، مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة ستة آخرين، وتخلل الاحتجاجات التي انطلقت في دواري النعيم والدلة مظاهر احتفال ورفع علم الثورة السورية.
وتشير هذه التطورات إلى توتر متزايد بين "قسد" والأهالي في مناطق سيطرتها، وسط محاولات للتفاوض مع دمشق بشأن دور الإدارة الذاتية في المرحلة المقبلة. وبينما تطالب "قسد" بإدراجها في العملية السياسية، يعكس تعاملها مع الاحتجاجات الشعبية تحديات كبيرة في تحقيق التوافق الداخلي.
وفي السياق، أكد الباحث السياسي، زكريا ملاحفجي، لموقع "العربي الجديد"، أنه حتى الآن لا يوجد أي تفاهم أو ورقة اتفاق بين حكومة تصريف الأعمال و"الإدارة الذاتية" بجناحها العسكري "قسد"، لافتًا إلى أن "قسد" تمارس أعمالًا وحشية ضد المدنيين في الرقة والحسكة الذين ينتفضون ضدها. وقال ملاحفجي إن "هذا الأسلوب لا يُهيئ للحوار"، مضيفًا: "المكون الكردي يُعد مكونًا أصيلًا ومشاركًا وله دور مهم، لكن ارتباط "قسد" بجهات أجنبية مرفوض من قبل السوريين.
ومع ذلك، يرى ملاحفجي أن الانفصال عن هذا الارتباط الأجنبي والتأكيد على العلاقة الوطنية الأخوية مع الأكراد غير المنتظمين في أحزاب غير سورية أو تنظيمات أجنبية يُعتبر أمرًا أساسيًا لدى السوريين، وحتى على المستوى الإقليمي، بما في ذلك لدى الأتراك والأميركيين. وأشار إلى أن هناك أحاديث كثيرة بين الأتراك والأميركيين حول هذا الموضوع "قد تؤدي إلى بلورة صورة ما، ولكن السيطرة والمشاريع والانتماء الخارجي الأجنبي مرفوضة تمامًا، ولن تُقبل بأي شكل من الأشكال".