12-ديسمبر-2020

احتجاجات في لبنان وأزمة اقتصادية سياسية متفاقمة (أ.ب)

الترا صوت – فريق التحرير

بعد عام على خروج التشيليين للمطالبة بإصلاحات اقتصادية وسياسية في البلاد التي كانت تعمل بالدستور الذي صاغه أوغستو بينوشيه (1915 – 2006) في ثمانينات القرن المنصرم، تمكنوا من تحقيق أبرز مطالبهم بتصويت غالبيتهم على صياغة دستور جديد للبلاد، لكن هذا الحال لم ينطبق على باقي الدول التي شهدت احتجاجات غير مسبوقة خلال العام الماضي، قبل أن تتوقف بشكل شبه نهائي بحلول الـ15 من آذار/مارس للعام الجاري، عندما دخل العالم إغلاقًا عامًا لمكافحة فيروس كورونا الجديد.

اتخذ العالم من الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد الذي توفي في أيار/مايو الماضي أيقونة للاحتجاجات المناهضة للعنصرية عالميًا

جورج فلويد أيقونة الاحتجاجات العالمية ضد العنصرية

اتخذ العالم من الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد الذي توفي في أيار/مايو الماضي أيقونة للاحتجاجات المناهضة للعنصرية عالميًا، بعدما أظهرت مقاطع مصورة مواجهته صعوبة في التنفس بسبب ضغط الشرطي ديريك تشوفين بركبته بقوة على عنق فلويد لمدة تتجاوز تسع دقائق، مما أدى إلى خروج احتجاجات عنيفة في عديد المقاطعات والولايات الأمريكية، قبل أن تتوسع رقعة الاحتجاجات إلى عدة دول حول العالم، حيث خرج المحتجون يطالبون بالحد من عنصرية الشرطة اتجاه الأقليات العرقية.

قضية جورج فلويد تضع العنصرية على طاولة مجلس الأمن - عالم واحد - خارج الحدود  - البيان
تحول جورج فلويد إلى أيقونة لرفض العنصرية (Getty)

يمكن القول إن الاحتجاجات سجلت زخمًا في إطار هذه القضية داخل الولايات المتحدة بشكل عام، وأسفرت عن تعزيز دور حركة حياة السود مهمة التي توسعت عالميًا، ونظمت في سياقها مئات الاحتجاجات في أنحاء العالم، كان أبرزها في المملكة المتحدة وبريطانيا بسبب تعرض الأقليات العرقية لانتهاكات عنصرية من قبل أفراد الشرطة، وقوبلت هذه الاحتجاجات – خصيصًا في الولايات المتحدة – باحتجاجات مضادة نظمتها الجماعات اليمينية المتطرفة التي تؤمن بتفوق العرق الأبيض، وترفض السياسات المرتبطة بدعم المهاجرين بشكل عام.

اقرأ/ي أيضًا: أن تتعرف على جورج فلويد من فلسطين

العالم العربي.. احتجاجات ضد الفساد والمحاصصة

تمثل الاحتجاجات التي خرجت في غالبية المناطق اللبنانية اعتبارًا من 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019،  مثالًا على مطالب المحتجين الذين خرجوا في مختلف الدول العربية خلال العام الجاري، ردًا على تدني الحياة الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وسوء الخدمات والبنى التحتية، وفساد الطبقة الحاكمة سياسيًا واقتصاديًا.

وعلى الرغم من توقف الاحتجاجات في لبنان كما العالم العربي بسبب الجائحة العالمية، فإنها عادت عبر تنظيم تحركات في أوقات مختلفة، كان أعنفها في الأيام التي جاءت بعد انفجار بيروت، واقتحام المحتجين لمقرات الوزارات والمؤسسات الرسمية، مطالبين باستقالة الطبقة الحاكمة، والتحقيق في الأسباب التي أدت لانفجار شحنة نترات الأمونيوم المخزنة في مرفأ بيروت.

Night of violence as Lebanese protestors storm ministries, demand change
عادت الاحتجاجات من جديد إلى الشوارع اللبنانية بعد انفجار بيروت (أ.ف.ب)

وإلى جانب لبنان كان الاحتجاجات الشعبية حاضرة في مختلف المدن العراقية، والتي كان آخرها خروج احتجاجات شعبية في السليمانية التابعة لإقليم كردستان العراق، ومحافظة ذي قار، إلى جانب العاصمة بغداد، للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية جذرية، ووفقًا لما أشار موقع ألترا عراق ، فإن الاحتجاجات التي شهدها العراق مؤخرًا، سقط فيها عدد من القتلى بعد إصابتهم بأعيرة نارية.

وفي مصر، قوبلت الاحتجاجات التي خرجت في مختلف المدن المصرية، وتركّزت بشكل أساسي في مناطق الريف من الكداية في الجيزة إلى العوامية في الأقصر، ردًا على قرار الحكومة المصرية المضي بتطبيق قانون التصالح الخاص بمخالفات البناء، بحملة قمع عنيقة اعتقل على إثرها المئات، فضلًا عن ملاحقة الصحفيين والنشطاء الذين يوثقون انتهاكات السلطات المصرية المتصاعدة في البلاد.

وفي السياق، أشار تقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش إلى استغلال السلطات الأردنية الجائحة لقمعها بالقوة الاحتجاجات العامة على الإغلاق التعسفي لنقابة المعلمين الأردنيين، تخللها حملة اعتقالات جماعية لقادتها، بعد دخولهم في إضراب عام ردًا على إيقاف الحكومة الأردنية العلاوات المالية الممنوحة لموظفي القطاع العام، بمن فيهم المعلمون، وذلك في حملة تقشف حكومية لمواجهة تداعيات الأزمة الصحية.

كما تجددت الاحتجاجات الشعبية في عدة مدن تونسية داعية لإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية عاجلة من قبل الحكومة التونسية، تخللها قطع للطرق في عدد من المدن التونسية، فضلًا عن انضمام مؤسسات رسمية، بما فيها الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية للإضراب العام الذي أعلنت عنه فعاليات ونشطاء للضغط على الحكومة التونسية من أجل تنفيذ إصلاحات عاجلة.

أفريقيا.. السياسة قبل كورونا

في القارة الأفريقية رصدت المواقع الإلكترونية عشرات الاحتجاجات الشعبية التي تطالب بإصلاحات اقتصادية وسياسية واجتماعية، والتي كان من ضمنها احتجاجات في ساحل العاج ردًا على محاولة الرئيس السابق الحسن أوتارا الترشح لفترة رئاسية ثالثة، متذرعًا بالتعديلات التي أدخلت على الدستور في عام 2016.

وكذلك الحال مع أنغولا التي خرجت فيها احتجاجات شعبية ردًا على ارتفاع معدلات البطالة والحياة الاقتصادية، وانتشار الفساد في المؤسسات الحكومية، فضلًا عن دعوتهم لإجراء الانتخابات المحلية بعدما أعلنت السلطات المحلية تأجيلها بسبب فيروس كورونا، في وقت نظم مواطنو إقليم تيغراي المقيمون في دول أفريقية مختلفة، احتجاجات واسعة يطالبون فيها بالإنهاء الفوري للصراع الناشب بين القوات الفيدرالية الإثيوبية من طرف، وجبهة تحرير تيغراي الشعبية من طرف آخر.

وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية شاركت آلاف النساء في احتجاجات دعت إليها مؤسسة دينيس موكويغي – نسبة للطبيب دينيس موكويغي الحائز على جائزة نوبل للسلام في العام 2018 – تطالب بالعدالة لضحايا العنف الجنسي والقتلى في الكونغو ما بين عامي 1993 – 2003، وبحسب ما ذكرت الغارديان البريطانية فإن ما يزيد عن ثلاثة آلاف من الناجيات من العنف الجنسي انضممن للاحتجاجات التي قوبلت من قوات الأمن بالعنف.

ولا يختلف الحال كثيرًا في نيجيريا عن الكونغو، والتي خرجت فيها احتجاجات واسعة بعد تنظيم النشطاء النيجيرين حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بحل الفرقة الخاصة بمكافحة السرقة (سارس/SARS)، وتشير منظمة العفو الدولية في واحد من تقاريرها إلى أن النشطاء النيجيريين يتهمون الفرقة بمسؤوليتها عن عمليات خطف وتحرش جنسي وقتل وابتزاز، ووفقًا لشهادات الأشخاص الذين اعتقلهم الفرقة، فإنهم تعرضوا خلال اعتقالهم للتعذيب بأساليب الشنق والإعدام الوهمي والعنف الجنسي.

نشطاء المناخ يحتجون افتراضيًا

بعدما تمكن نشطاء المناخ من إثارة الأزمة المناخية على المستوى العالمي بتسجيلهم المشاركة في عشرات الاحتجاجات التي نظمت في أوروبا ودول الأمريكيتين، تحولت احتجاجاتهم إلى العالم الافتراضي مع دخول مرحلة الإغلاق العام، حيثُ لجأ نشطاء المناخ لإطلاق لعبة الورق Solitaire Grand Harvest الإلكترونية، والمصمة لدفع المشاركين في اللعبة على إيجاد حلول تمكنهم من مساعدة البيئة، محاولين بذلك استغلال يوم الأرض لدفع الحكومات لاتخاذ إجراءات تساعد في مكافحة الأزمة المناخية.

إلى جانب ذلك نظم النشطاء البيئيون حركة احتجاجية على مستوى العالم في أيلول/سبتمبر الماضي، للتأكيد على استمرار الأزمة المناخية، بعدما وجهوا دعوة للمشاركة في الاحتجاجات سواء افتراضيًا أو ضمن التجمعات الصغيرة التي نظمت في مدن أوروبية وعالمية مختلفة مع مراعاة التباعد الاجتماعي، وحث آلاف النشطاء عبر حساباتهم الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي قادة دول العالم للعمل على إيجاد حلول للأزمة المناخية.

آسيا.. كورونا يهزم الحركة الديمقراطية في هونغ كونغ

توقف الحركة المؤيدة للديمقراطية في هونغ كونغ عن تنظيم الاحتجاجات مع إعلان الصين – كما سائر الدول – فرض الإغلاق العام، قبل دخول الحركة المؤيدة للديمقراطية عامها الأول من الاحتجاجات الرافضة لمحاولات الصين فرض سيادتها على الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي، حيث أقر البرلمان الصيني قانون الأمن القومي الخاص بالجزيرة الآسيوية، وألحقه بتنفيذ حملة اعتقالات بين النشطاء الديمقراطيين والأكاديميين.

سعت بكين إلى فرض سيطرتها الكاملة على الإقليم (Getty)

إلى ذلك نظم النشطاء المؤيدون للديمقراطية احتجاجات واسعة في تايلاند يطالبون فيها باستقالة رئيس الوزراء برايوت تشان أوتشا، إلى جانب إجراء تعديلات دستورية، وانتخابات جديدة، ووضع حد لمضايقات نشطاء حقوق الإنسان ومنتقدي الدولة، فضلًا عن مطالبتهم بفرض قيود على سلطات الملك.

أوروبا.. احتجاجات فرنسا تتجدد

على الرغم من حملة القمع العنيفة التي تنفذها قوات الأمن في بيلاروسيا، فإن الاحتجاجات الشعبية التي خرجت تطالب الرئيس ألكسندر لوكاشينكو بالاستقالة لا تزال مستمرة منذ آب/أغسطس الماضي، وفيما تطالب زعيمة المعارضة البيلاروسية سفيتلانا تيخانوفسكايا لوكاشينكو بالتنحي من أجل الاستعداد لانتخابات حرة ونزيهة، فإن الأخير يرفض مطالب المعارضة مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على لوكاشينكو ومسؤولين آخرين لضلوعهم في عمليات قمع المعارضة.

Nearly 100 arrested during another anti-security law protest in France |  Euronews
احتجاجات في فرنسا ضد قانون الأمن (Getty)

في حين تمكن المحتجون من إيقاف قرار المحكمة الدستورية في بولندا، والذي تصفه الصحافة الغربية بأنه كان أساسًا من القوانين الأكثر تشددًا في أوروبا،  وإلى جانب رفضهم للقانون الذي يحظر جميع حالات الإجهاض تقريبًا، وجه المحتجون غضبهم لسياسات حزب القانون والعدالة اليميني الحاكم التي حدت من الحياة الديمقراطية.

وبعد شهور من الاحتجاجات التي خرجت في خاباروفسكفي أقصى شرق روسيا ردًا على اعتقال حاكم المدينة سيرغي فورغال بتهم فساد، شنت قوات الأمن الروسية حملة اعتقالات بين المشاركين في الاحتجاجات في تشرين الأول/اكتوبر الماضي، واتهم المحتجون السلطات الروسية باعتقال فورغال لدوافع سياسية، كان سببها المباشر هزيمته لمرشح الكرملين وحزب روسيا الحاكم في الانتخابات، فيما تزعم السلطات الروسية بتورط فورغال بجرائم قتل متعددة.

ومع اقتراب نهاية العام، تجددت الاحتجاجات الشعبية في عموم المدن الفرنسية احتجاجًا على المادة الـ24 من قانون الأمن الشامل الذي يحظر نشر صور أفراد الأمن أثناء قيامهم بعملهم، وفي العموم فإن مختلف المدن الفرنسية شهدت احتجاجات متوالية خلال العام الجاري، بما فيها الاحتجاجات المناهضة للعنصرية، وسياسات الإغلاق التي تنهجها الحكومة الفرنسية، إلى جانب الاحتجاجات المرتبطة برفض تعديل نظام التقاعد.

الأمريكيتان.. ليس لدى الجنرال من يكاتبه

يستمر المحتجون بتنظيم حشودهم في بورت أو برنس عاصمة هايتي مع إصرارهم على تقديم الرئيس جوفينيل مويس استقالته لتورطه بقضايا فساد، وعلى الرغم من لجوء قوات الأمن لاستخدام العنف المفرط وإطلاق الرصاص الحي، فإن المحتجين يصرون على تقديم مويس لاستقالته، بالأخص بعدما أصبح يحكم البلاد لوحده بسبب انتهاء ولاية النواب في برلمان هايتي في كانون الثاني/يناير الماضي.

مع اقتراب نهاية العام، تجددت الاحتجاجات الشعبية في عموم المدن الفرنسية احتجاجًا على المادة الـ24 من قانون الأمن الشامل الذي يحظر نشر صور أفراد الأمن أثناء قيامهم بعملهم

في حين نظمت في كوستاريكا احتجاجات شعبية ردًا على الاتفاقية التي وقعها رئيس كوستاريكا كارلوس ألفارادو مع صندوق النقد الدولي، وينص مضمونها على حصول كوستاريكا على قرض بقيمة 1,75 مليار دولار، الأمر الذي قال عنه المحتجون إنه سيؤدي في النهاية إلى فرض المزيد من الضرائب، وعلى الرغم من سحب حكومة الرئيس ألفاردوا للمقترح، فإن الاحتجاجات لا تزال مستمرة للمطالبة بإصلاحات اقتصادية مختلفة، يوحدها رفض المزيد من الضرائب.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

خارطة الاحتجاجات العالمية: شوارع غاضبة من أجل الديمقراطية وحقوق المرأة والبيئة