06-سبتمبر-2018

نقطة لجيش الاحتلال الإسرائيلي في الجولان (ماتي ميلشتاين/Getty)

ألترا صوت – فريق التحرير

حسمت إيران الجدل أخيرًا حول التقارير التي تحدثت عن محاولات روسية لإخراج مقاتليها من سوريا، بعد إعلانها توقيع اتفاقية تعاون دفاعي مشترك مع النظام السوري، في خطوة تدل بشكل واضح على تعزيز نفوذها عسكريًا، وتؤكد على أن إخراجها من سوريا لم يُحسم بعد، وتزيد من التعقيدات العسكرية على الخارطة السورية.

يظهر من تصريحات المسؤولين الإيرانيين أن طهران وسّعت من نفوذها في سوريا بدلًا من تخفيضه، ويأتي ذلك ردًا على تصريحات واشنطن التي تطالبها بالانسحاب

التوسع الإيراني في سوريا

وفي زيارة مفاجئة أجراها وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي إلى دمشق، نهاية الشهر الفائت، أعلن أن بلاده وقعت اتفاقية تعاون دفاعي مع النظام السوري، ما يعكس تناقضًا واضحًا في تصريحات موسكو حول محاولتها إنهاء التواجد الإيراني في سوريا، فيما قال حاتمي إن هدف الاتفاقية "إعادة بناء" قوات النظام السوري، وتقديم "كل ما يمكن من أنواع الدعم العسكري"، كما شدد الوزير الإيراني على أن بلاده ستدعم النظام السوري خلال هذه الفترة التي يدخل فيها "مرحلة إعادة الإعمار".

ويظهر من تصريحات المسؤولين الإيرانيين أن طهران وسّعت من نفوذها في سوريا بدلًا من تخفيضه، ويأتي ذلك ردًا على تصريحات واشنطن التي تطالبها بالانسحاب من سوريا، وبحسب وسائل الإعلام الإيرانية فإن أحد بنود الاتفاقية يشمل بقاء ضباط إيرانيين في البلاد تحت وصف "المستشارين العسكريين".

وفيما يبدو أنه رسالة سريعة متعلقة بتوقيع اتفاقية التعاون الدفاعي بين طهران ودمشق، تعرض مطار المزة العسكري هذا الأسبوع لضربات صاروخية جوية، ورغم رواية وسائل إعلام النظام السوري التي نفت تعرض المطار لهجمات جوية، وأن الانفجارات ناجمة عن تماس كهربائي في المطار، قال مصدر عسكري من الميليشيات الأجنبية التي تدعم النظام السوري إن الانفجارات سببها هجوم صاروخي استهدف المطار.

طالما تحققت مطالب تل أبيب بإبعاد إيران وحزب الله عن الجولان وتقريب قوات الأسد فإن موسكو تجد نفسها أقل إنزعاجًا تجاه ملف البقاء الإيراني في سوريا

ومع أن إسرائيل لم تعلن تبنيها للهجوم الأخير الذي استهدف واحدًا من أهم المطارات العسكرية التي تستخدمها الميليشيات الإيرانية، فإن تصريحات نقلت عن مسؤولين إسرائيليين بُعيد الإعلان عن توقيع الاتفاقية، تأكيد تل أبيب مواصلة هجماتها الجوية ضد القواعد الإيرانية في سوريا، غير أن الهجوم الأخير جاء مختلفًا عن عشرات الهجمات الجوية السابقة، من ناحية استباقه بيوم واحد للزيارة التي أجراها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى دمشق. 

النظام السوري يساوي بين موسكو وطهران

كانت إيران خلال الفترة الماضية محط تجاذبات دبلوماسية واضحة في تصريحات المسؤولين الأمريكيين والروس، ويبدو أنها كانت على رأس قائمة جدول المباحثات التي أجراها الرئيسيين الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، خلال قمة هلسنكي التي عقدت الشهر الفائت، والتي كان أبرزها ما نقل على لسان بوتين أن نفوذه على رئيس النظام السوري بشار الأسد "محدود".

وعلى الرغم من توافق ترامب وبوتين على خروج إيران من سوريا، فإن الرئيس الروسي رأى أن تحقيق ذلك "سيكون صعبًا"، ما يشير لتضارب واضح في مصالح موسكو وطهران في سوريا، فبينما تجد الأولى أن تواجدها على سواحل البحر الأبيض المتوسط أعطاها فرصة لاستعادة نفوذها شرقه، تجد طهران نفسها باتت قريبة من تحقيق طموحها بالسيطرة على طريق بغداد – دمشق السريع.

وبدأت إيران بتقديم الدعم العسكري للنظام السوري، اعبتارًا من أيلول/سبتمبر 2012، قبل ثلاث سنوات من إعلان روسيا تدخلها عسكريًا في سوريا، حين كشفت عن إرسالها مستشارين عسكريين إلى سوريا، قبل أن يقود فيلق القدس الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني، قوات الأسد في القتال ضد مقاتلي المعارضة السورية.

وتشير الإحصائيات إلى تواجد أكثر من 30 ميليشيا مدعومة من إيران تضم ما يزيد عن 35 ألف مقاتل، ورغم المظاهرات الشعبية التي شهدتها مدن إيرانية مختلفة خلال الفترة الماضية احتجاجًا على تردي الأوضاع الاقتصادية، نتيجة الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه طهران للنظام السوري، فإن طهران حسبما يظهر ماضية قدمًا لترسيخ تواجدها عسكريًا في سوريا.

أقرأ/ي أيضًأ: شبيحة الأسد.. تعرف على أبرز المليشيات الأجنبية المقاتلة مع النظام السوري (1-3)

رسائل إيران من وراء الاتفاقية

ويبدو أن إيران من خلال توقيعها اتفاقية التعاون الدفاعي مع النظام السوري، أرادت إيصال عدة رسائل للأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة السورية.

أولًا: توجيه رسالة مباشرة للولايات المتحدة بعدم خروجها من سوريا على المدى القريب، وهو ما يبدو ردًا يدخل في إطار الحرب الدبلوماسية بين الطرفين بعد إلغاء ترامب الاتفاق النووي في أيار/ مايو الماضي، وإعادته الشهر الفائت فرض العقوبات الاقتصادية على قطاعات اقتصادية حيوية في إيران، ما يجعل إيران بإعلانها توقيع الاتفاقية ترفع مستوى التحدي أمام دعوات واشنطن لانسحابها من سوريا.

ثانيًا: تسعى إيران من وراء الاتفاقية لتعزيز دفاعات قواعدها العسكرية في سوريا بشكل رسمي، بعد إعلان السعودية تقديمها 100 مليون دولار للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن لـ"إعادة الاستقرار" في سوريا، وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بدعم من التحالف الدولي على أجزاء من شمال شرق سوريا، وهو ما يجعل طهران متخوفة من شن هجمات عسكرية تستهدف ميليشياتها في شرق سوريا بمحاذاة الحدود العراقية التي تلتقي على الحدود الإدارية بين المناطق مع "قسد".

ثالثًا: تعزيز حمايتها لطريق دمشق – بغداد الذي تسعى من خلاله ربط طهران بدول شرق المتوسط، فقد وقعت قبل أسبوعين اتفاقية إعادة إعمار مع النظام السوري، من بينها اتفاقية بناء خط سكة حديد يمتد من مدينة البصرة العراقية وصولًا إلى مدينة دير الزور في سوريا، وبالتالي فإن الاتفاقية تتيح لطهران حماية مصالحها، خصيصًا أن المنطقة تشهد تواجد قوى عسكرية تتصارع لبسط نفوذها على الحدود العراقية–السورية.

من المرجح أن تبدأ طهران بحماية قواعدها العسكرية في سوريا عبر تزويد النظام السوري بدفاعات جوية متطورة نسبيًا

رابعًا: كذلك، فإن إيران تريد أن تكون شريكًا مهمًا في عملية إعادة إعمار سوريا، وهو ما عكسه حديث حاتمي بأن الاتفاقية "تدخل في مرحلة إعادة الإعمار"، وللتأكيد على عدم صحة التقارير التي تحدثت عن خروج إيران من ملف إعادة الإعمار، وطمأنة رجال الأعمال الإيرانيين الذين وجهوا انتقادات لحكومة طهران بأن النظام السوري سحب منها ملف إعادة الإعمار لصالح روسيا، قال حاتمي: "يتمتع القطاع الخاص في إيران بقدرات جيدة، ويمكن استخدامه في إعادة إعمار سوريا".

أقرأ/ي أيضًأ: شبيحة الأسد.. تعرف على أبرز المليشيات الأجنبية المقاتلة مع النظام السوري (2-3)

خامسًا: نفي ما أثير مؤخرًا عبر وسائل الإعلام عن محاولات روسية لإخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا، فعلى الرغم من اختلاف المصالح الروسية – الإيرانية في سوريا، لكنهما في مقابل ذلك يعتبران من أهم الدول الداعمة للأسد، ويتفقان على إعادة جميع المناطق لسيطرة النظام السوري، كما أن إيران ترى في موسكو وسيطًا مناسبًا لمنع حدوث مواجهة عسكرية مع تل أبيب نتيجة التصعيد العسكري الأخير بين الطرفين، إلا أن موسكو تمارس أقصى ضعوطها على إيران عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، وهذا ما حصل خلال الأسابيع الأخيرة من خلال تعزيز وجود قوات الأسد بالقرب من الحدود مع فلسطين المحتلة، بينما أبعدت قوات إيران ورجال حزب الله عن المشهد الحدودي الجولاني بشكل مطلق، تزامنًا مع تصريحات الارتياح الإسرائيلي بشأن هذا الترتيب.

 وعلى خلفية ما سبق، فإن الاتفاقيات الموقعة حديثًا تدل على أن إيران تخطط للبقاء في سوريا طويلًا أسوة بالتواجد الروسي، ففي الوقت الذي تقف موسكو وطهران خلف الأسد، ترى الولايات المتحدة أن التواجد الإيراني في سوريا سيزيد من نفوذها في المنطقة، ما يهدد مصالح شركائها وعلى رأسهم إسرائيل، وهو ما قد يجعل الفصل القادم من الأزمة السورية أكثر تعقيدًا.

 

أقرأ/ي أيضًأ:

بين ترامب وخامنئي.. خطوات إيران "الواثقة" نحو الهاوية

الاستيطان الطائفي من لبنان والعراق.. خطة إيران لشقلبة ديموغرافية سوريا