14-فبراير-2022

احتمالات مفتوحة أمام التصعيد الروسي في أوكرانيا (Getty)

هي طبول الحرب تعود مجددًا للدَّق على الناحية الشرقية للقارة الأوروبية، حيث يحشد الروس منذ شهور قواتهم على حدود أوكرانيا مهددين باجتياحها، فيما يلوح الغرب ردًا على ذلك بعقوبات و "ردع مؤلم"، في أزمة هي الأحلك بين المعسكرين منذ "الصواريخ الكوبية" أيام الحرب الباردة.

إن كانت هناك عملية عسكرية روسية في أوكرانيا، وهو لحد الساعة أمر وارد لكنه غير مؤكد، ستكون هجومًا من الشرق نحو الغرب، مع استهداف نهر دنيبر الذي يشطر البلاد نصفين

وبحسب تقارير أمريكية وغربية، فالغزو الروسي لأوكرانيا بات وشيكًا. هذا ما أكده مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، يوم الجمعة، حين قال بأن "غزوًا روسيًا لأوكرانيا قد يحصل في أي وقت من الآن (...) وربما سيكون قبل انتهاء أولمبياد بكين الشتوي في 20 شباط/ فبراير الجاري".

اقرأ/ي أيضًا: دليل تاريخي شامل لفهم الأزمة بين روسيا وأوكرانيا

بالمقابل تستمر روسيا في تحركاتها العسكرية التصعيدية، آخرها إطلاق مناورات "عزيمة الاتحاد 2022" المشتركة مع الجيش البيلاروسي على أراضيه، والتي تجري باستعمال ذخيرة حية، ويشارك فيها الجيش الروسي بحشد كبير من جنوده، إضافة إلى منظومتي "إس 400" و"بانتسير إس" للدفاع الجوي، ومقاتلات من طراز "سوخوي 35".

مناورات تكمل تحت ذريعتها موسكو حلقة الحصار المضروب على الحدود الأوكرانية، حيث تنضاف إلى القوات الـ 100 ألف المرابطة منذ ما يقرب الشهور الثلاثة على الحدود الشرقية والشرقية الشمالية، وإلى الأخرى المتواجدة جنوبًا بشبه جزيرة القرم، كما الأساطيل البحرية الجرارة في كل من مياه البحر الأسود والبلطيق وبحر الشمال. وهو ما يكرس التفوق الروسي، عدة وعتادًا، على الدفاع الأوكراني.

من جهة أخرى، اكتفى الغرب إزاء هذا الواقع بإرسال مساعدة عسكرية لحليفتها كييف، متمثلة في صواريخ مضادة للدروع وخبرات عسكرية، مع تواجد قوات الناتو وحلفائه في بولندا ورومانيا على وجه التحديد. فيما تدفع هذه المعطيات على الأرض للتساؤل حول طبيعة الهجوم الذي تخطط له روسيا، وحول قدرة الدفاعات الأوكرانية على صده. كما  إلى أي مدى ستكون المساعدات الغربية ناجعة في ذلك؟ وما ردة فعل الناتو العسكرية في حال وقوع الهجوم؟

كلها أسئلة نحاور بشأنها أكرم خريف، الخبير العسكري والاستراتيجي ومدير موقع "مينا ديفانس" المتخصص في الشؤون العسكرية والدفاعية".

  • هل يمكن أن تقدم لنا نظرة عامة، من ناحية التسليح والتموقع، عن الحشد الروسي على حدود أوكرانيا؟

الجيش الروسي يحاصر اليوم أوكرانيا بما تعداده 150 ألف جندي. يحاصرها من الشمال، من الحدود الجنوبية لروسيا وبيلاروسيا، وأيضًا يحاصرها من منطقة الدونباس التي تعد منطقة نزاع بين روسيا وأوكرانيا، ويحاصرها أيضًا من شبه جزيرة القرم التي يحتلها الروس منذ 2015، ويوجد كذلك حشد روسي كبير في منطقة ترانسنيستريا (غير المعترف بها دوليًا) بين مولدوفا وأوكرانيا.

Defusing the Russia-Ukraine Crisis | Council on Foreign Relations

من ناحية التسليح، كما قلنا، هناك 150 ألف جندي روسي يحاصرون أوكرانيا، إضافة إلى مئات الطائرات الحربية، عشرات البوارج الحربية، وآلاف المدرعات والدبابات، وأيضًا مئات القطع المدفعية.

  • ما الدور الاستراتيجي الذي يلعبه ما شهدناه مؤخرًا من مناورات عسكرية مكثفة للجيش الروسي في هذه التطورات؟

المناورات التي أجراها الجيش الروسي في العديد من المناطق حول العالم - آخرها التي تجري في جنوب روسيا وبيلاروسيا، والتي تم فيها حشد أزيد من  70 ألف جندي روسي للقيام بتمارين بالذخيرة الحية - دورها هو تثبيت القوى العسكرية بالمنطقة، وأيضا تمويه حشد القوى الروسية في تلك المناطق.

كذلك قامت القوات الروسية بمناورات بحرية في العديد من مناطق العالم، بما فيها مناورات أجريت في مياه بحر الشمال غرب إيرلندا، والتي تمت هي الأخرى بالذخيرة الحية وإطلاق صواريخ. وقامت بنفس الشيء في جسر كوريل على مقربة من المياه اليابانية، وتقوم بدوريات وتمارين مكثفة في المنطقة الشرقية للبحر الأبيض المتوسط. واليوم نرى أيضًا أنها تقوم بمناورات بحرية بذخيرة حية وإطلاق صواريخ بمحاذاة الواجهة البحرية لأوكرانيا، في البحر الأسود وبحر أزوف.

كل هذه المناورات تعد وسيلة ضغط عسكرية، ووسيلة تمويه لانتشار القوات الروسية في كل مناطق العالم. وهو كذلك ضغط سيكولوجي يمنع تحركات حلفاء كييف، ويهدد ويخيف قوات الناتو أينما كانت في العالم، سواء بالقرب أو بعيدًا عن محيط النزاع.

  • من خلال شكل الحشد والتسليح، هل يمكننا التنبؤ بطبيعة العملية العسكرية التي من المحتمل أن يشنها الجيش الروسي على أوكرانيا؟

إن كانت هناك عملية عسكرية روسية في أوكرانيا، وهو لحد الساعة أمر وارد لكنه غير مؤكد، ستكون هجومًا من الشرق نحو الغرب، مع استهداف نهر دنيبر الذي يشطر البلاد نصفين من الشمال إلى الجنوب عبر العاصمة كييف.

فالهدف الأول للقوات الروسية، إذا ما كانت هناك حرب، هو احتلال أو على الأقل اقتحام هذه المنطقة التي تمثل رئة البلاد العسكرية والاقتصادية، حيث إن مناطق غرب أوكرانيا تحتوي فقط أراضيًا فلاحية وجبلية، وبالتالي منفعتها الاستراتيجية مهملة بالنسبة للروس. وأتوقع أيضًا أن أحد الأهداف المسطرة لدى الجيش الروسي هو احتلال كل الشريط الساحلي الأوكراني، وصولاً إلى الحدود مع رومانيا. 

  • من جهة أخرى، يمكن أن تعطينا نظرة عن مقومات الدفاع الأوكرانية؟

الجدير بالذكر أنه داخل المعادلة العسكرية الجارية حاليًا، من الصحيح اعتبار أوكرانيا قوة مقاومة دفاعية وليست هجومية. من ناحية التسليح، فالعتاد العسكري الأوكراني في أغلبه قديم يعود إلى الحقبة السوفياتية، وأيضًا من مقتنياتها من صناعة السلاح الروسي بعد تفكك الاتحاد. فيما نقاط ضعف الدفاعات الأوكرانية أنها تفتقر لقوات جوية قوية يمكنها التصدي لهجمات روسية، كذلك هناك نقص من حيث عدد الجنود وعدد العتاد على الأرض.

Donbass, Three Years On: Ukraine Army Loses 3,000 Troops Since Start of  Conflict - 08.08.2017, Sputnik International

ربما استلام الجيش الأوكراني الصواريخ المحمولة الأمريكية "جافلين" ومضادات المدرعات البريطانية قد يقلب موازين القوى لصالحهم في حال إقحام روسيا الدبابات والمشاة في مناطق التماس وحتى داخل أوكرانيا. لكن من الصعب أن نقول أن كييف تدخل الحرب بإمكانيات تسمح لها بربحها أو أن تقلل من الأضرار، كون الجيش الروسي في نظري متطور جدًا ويفوق الأوكران عددًا وعتادًا.

  • لكن كما شاهدنا هناك دعم عسكري غربي للدفاع الأوكراني. هل هذا السلاح الذي سلمه الغرب لكييف قادر على صد الهجوم الروسي؟

أظن أن الدول الغربية لعبت لعبة قذرة ومنافقة مع أوكرانيا، لأنه كان في مقدور الولايات المتحدة أن تساهم في الإعداد العسكري الأوكراني بإعطائهم أنظمة الدفاع الجوي وصواريخ مضادة للطائرات والرادارات. لكن كلاً من أمريكا وبريطانيا وبولندا اكتفوا بمنحهم أسلحة تستعمل في مجال قصير جدًا، في حالات التماس العسكري على وجه التحديد وفي دائرة لا يتعدى قطرها خمسة أو عشرة كيلومترات. هذا يعني أنه لم تكن هنا نية من الأساس أن تزود دول الغرب أوكرانيا بأسلحة تمكنها من الدفاع عن نفسها بشكل فعال.

  • هناك أيضًا تقارير عن تدريب ميلشيات متطوعة لدعم الدفاعات الأوكرانية، هل يمكن لحرب العصابات أن تكبح الاجتياح الروسي؟

صحيح، رأينا أن أحد استراتيجيات الدفاع الأوكراني هو تدريب أكبر عدد من المواطنين على حمل السلاح ونصب كمائن محكمة ضد القوات التي بإمكانها اجتياح أوكرانيا، ما يعني أن هناك نية من قبل الأوكران لخوض حرب عصابات. لكن أظن أن روسيا تدرك ذلك، وأنها لن تستقر في أوكرانيا الوقت الذي يمكنهم من تنفيذ هذه الخطة. ففي نظري أحد الأهداف الأساسية للجيش الروسي من هذه العملية هو تنفيذ ضربات خاطفة تستهدف المدن الكبرى، التي قد تمكنه من إسقاط الحكومة الأوكرانية وتنصيب أخرى موالية له، ثم الانسحاب إلى قواعده الخلفية.

Ukraine accuses Russia of blocking talks to ease military tensions |  Financial Times

  • أخيرًا، رأينا كذلك حشد الغرب لقواته في أوروبا الشرقية، ما الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه القوات في حالة حدوث اجتياح روسي لأوكرانيا؟

أظن أن الحشد الأمريكي والبريطاني والفرنسي والبولندي في المناطق المحاذية لأوكرانيا وروسيا هو للتخويف، أكثر منه ذو بعد عسكري. والقوات التي نشرت ستساعد ربما في إجلاء رعايا تلك الدول الموجودة في أوكرانيا، كما مساعدة اللاجئين الأوكران الفارين من الحرب. من حيث العدد القليل أو العتاد الضعيف لتلك القوات، لا أرى أن وجودها هناك كافٍ لمساعدة أوكرانيا كي تصد أي هجوم روسي.

 الحشد الأمريكي والبريطاني والفرنسي والبولندي في المناطق المحاذية لأوكرانيا وروسيا هو للتخويف، أكثر منه ذو بعد عسكري

وبالتالي نجد أنفسنا مرة أخرى في مواجهة حركة رمزية للغرب، تظهر بأن لا نية حقيقية له في خوض صراع مسلح مع روسيا. وهذا في نظري نفاق من جهة الغرب، وأيضًا خطأ استراتيجي لأوكرانيا في اعتمادها تلك الدول كحليف عسكري وهي بحاجة لحلفاء قادرين على الحماية والمساعدة في أي طارئ. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ملف أوكرانيا: تحرّكات اللحظة الأخيرة