في عام 2011، كان الدولار الواحد يساوي 46 ليرة سورية، واليوم أصبح يعادل ما يقرب من 13 ألف ليرة، مما اضطر السوريين إلى حمل مبالغ كبيرة لشراء حاجياتهم اليومية. وبسبب كثرة تداول هذه النقود وعدّها، أصبحت تتلف بسرعة.
معاناة السوريين مع النقود الحالية
يصف إبراهيم الخطيب، وهو ناشط إعلامي كان يقيم في منطقة إدلب قبل سقوط النظام، تجربة زيارته إلى دمشق والعودة لاستخدام الليرة السورية بأنها "مرهقة"، حيث كان السكان في إدلب يستخدمون الليرة التركية في السنوات الأخيرة بعد الانهيار الكبير لقيمة الليرة السورية.
توقيت استبدال الأوراق النقدية السوري يخضع لعدة اعتبارات، أهمها معالجة التضخم، وإلا فإن العملة الجديدة ستعود للتدهور
وصرح إبراهيم لـ"الترا صوت" بأنه اشترى حقيبة جديدة بعد تصريفه 150 دولارًا لتغطية نفقاته، إذ تفاجأ بكمية الأوراق النقدية التي بلغت ما يقرب من مليوني ليرة من فئة ألف وخمسة آلاف ليرة.
يقول الخطيب: "بسبب كثرة النقود ومع معداتي الفنية، صار لدي عبء جديد في حمل النقود السورية والحفاظ عليها". ويروي كيف اضطر إلى دفع ثمن شيء اشتراه دون عد المبلغ بسبب كثرة الأوراق النقدية، وتم الاتفاق على الدفع بالتقدير من خلال الرزم المالية التي تضم خمسين ورقة تقريبًا في كل منها.
حذف أصفار وطباعة أوراق جديدة
مع هذه الحال، وبعد سقوط النظام، بدأت تبرز مطالبات عديدة بضرورة إيجاد حلول عملية. فرغم تحسن قيمة الليرة أمام الدولار خلال الشهر المنصرم، إلا أنها لا تزال بعيدة جدًا عما كانت عليه. ومن تلك الدعوات، إعادة طباعة ليرة جديدة للتخلص من رموز النظام المخلوع، وحذف الأصفار منها بحيث تصبح الألف "مثلًا" تعادل ليرة واحدة. فما مدى إمكانية ذلك؟
يقول الباحث في الاقتصاد السياسي، يحيى السيد عمر، لـ"الترا صوت": "حتى مع التحسن الذي شهدته الليرة السورية بعد سقوط النظام البائد، فإنها ما زالت متدنية بشكل كبير وغير قادرة على القيام بكل وظائفها". وأكد استمرار تحسن قيمة الليرة السورية في الفترة القادمة، لكنه أشار إلى أن مدى التحسن مرتبط بالعرض والطلب على كل من الليرة والدولار.
وحسب السيد عمر، فإن ضخ مبالغ كبيرة من الدولار في الاقتصاد السوري من قبل الدول الصديقة قد يحسن قيمة الليرة السورية. ويحدث ذلك أيضًا في حال تم تصدير السلع السورية إلى الخارج، وهو أمر غير ممكن حاليًا، إذ إن قدرة الاقتصاد السوري على توفير القطع الأجنبي ما زالت محدودة.
يتفق مع هذا الرأي المستشار في قضايا الاستثمار والاقتصاد، جلال بكار، الذي أكد في حديثه لـ"الترا صوت" أن تحسن قيمة الليرة السورية يعتمد على احتياطات الذهب لدى الدولة، والطلب على العملة نفسها، ورفع العقوبات الاقتصادية الغربية. وأضاف أنه يتوقع أن تتراجع قيمة الدولار إلى 10 آلاف ليرة، مرجعًا ذلك إلى سببين: الأول هو التحول نحو الاقتصاد الحر في سوريا، بحسب تصريحات الإدارة السورية الجديدة، والثاني هو الطلب على الليرة السورية من قبل المقيمين في الخارج أو الأجانب الذين يزورون سوريا.
حذف الأصفار من العملة السورية بدون وضع آليات واضحة للاقتصاد السوري الجديد سيفقدها قيمتها مجددًا، وهذا ما سيعمق المشكلة بشكل أكبر
استبدال الأوراق النقدية بأخرى جديدة
فيما يتعلق باستبدال الأوراق النقدية الحالية بأخرى جديدة، يرى السيد عمر أن هذا الإجراء "أولوية اقتصادية"، ليس فقط بسبب حملها صور رموز النظام البائد، ولكن أيضًا لاعتبارات اقتصادية، منها عدم قدرتها على القيام بوظائفها. وأوضح أن توقيت الاستبدال يخضع لعدة اعتبارات، أهمها معالجة التضخم، إذ إن العملة الجديدة قد تتدهور قيمتها إذا لم يتم استقرار الليرة. وأضاف أن حذف الأصفار من العملة يعد "ضرورة"، لأن الليرة، مهما تحسنت قيمتها، ستظل منخفضة، مما يعيق العمليات التجارية ويحد من فاعلية الدورة الاقتصادية.
أما المستشار جلال بكار، فيرى أنه لا يمكن تنفيذ هذا الأمر في المدى المنظور، لأن ذلك يتطلب وضع آلية لسحب العملة القديمة، وهذا بعد استقرار قيمتها. وأضاف أن حذف الأصفار من العملة بدون وضع آليات واضحة للاقتصاد السوري الجديد قد يؤدي إلى فقدانها قيمتها من جديد، مما يعمق المشكلة بشكل أكبر.
التحديات الاقتصادية
يبدو أن تخلص السوريين من عبء حمل كميات كبيرة من الأوراق النقدية لن يُحل قريبًا، إذ إن طباعة أوراق جديدة أو حذف الأصفار يتطلب استقرارًا اقتصاديًا، يتعلق بعدة عوامل مثل سياسات البنك المركزي، وضبط معدل التضخم، وعدم المبالغة في الاعتماد على التمويل بالعجز، إضافة إلى توازن العرض والطلب على الليرة. هذه المتطلبات قد لا تتحقق قبل سنوات، في ظل توصيات اقتصادية بضرورة الإسراع في دعم الزراعة وبدء تصدير الإنتاج الزراعي لدعم الليرة واستقرارها بشكل نسبي.