31-ديسمبر-2024
المجاعة تنهش غزة

فلسطينيون ينزحون من أماكن سكنهم بحثًا عن مكان آمن داخل القطاع (رويترز)

يواجه محللو التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي صعوبة غير مسبوقة في الوصول إلى بيانات سوء التغذية الحاد في قطاع غزة الذي يشهد حرب إبادة جماعية منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وسط تحذيرات متكررة أصدرتها منظمة "ميد غلوبال" الأميركية من أن غزة تترنح على شفا المجاع. ومع ذلك، كانت المنظمة في كل مرة تحجم عن إعلان تفشي المجاعة، وفقًا لما تقول وكالة "رويترز" في تقرير لها.

بحسب خبراء الأمن الغذائي وعمال الإغاثة والأطباء، فإن المجاعة بدأت في غزة منذ عدة أشهر، لكن المحللين في التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو المرصد الرئيسي لمراقبة الجوع في العالم، واجهوا صعوبة بالغة في الوصول إلى البيانات، وذلك نتيجة عمليات القصف العشوائي المكثفة التي يشنها جيش الاحتلال، إضافة إلى القيود المفروضة على الحركة. ووفقًا لما تقول "رويترز"، فإن هذه المقاييس يُنظر إليها على أنها أساسية فيما يخص التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي لتحديد ما إذا كان الجوع قد بلغ من الناحية النظرية مستوى المجاعة.

يقول طبيب الأطفال الأميركي المتقاعد، غريغوري شاي، الذي عالج الأطفال الصغار في غزة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إن "المجاعة تنهش القطاع الفلسطيني"، مضيفًا أنه رأى أن "أغلب الأطفال الذين عالجهم كانوا يقتاتون على الخبز والأرز"، حيثُ يُعاني الأطفال من الافتقار للفيتامينات والمعادن اللازمة للوقاية من الأمراض في ظل غياب عناصر الغذاء الرئيسية من خضراوات وفواكه ولحوم.

واجه محللو التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي صعوبة بالغة في الوصول إلى البيانات، وذلك نتيجة عمليات القصف العشوائي المكثفة التي يشنها جيش الاحتلال على مختلف أنحاء القطاع

وإيضاحًا لحديث الطبيب الأميركي المتقاعد، تقول "رويترز" إن مثل هذه التقارير المرتبطة بالتصنيف المرحلي تستخدم مقياسًا من واحد إلى خمسة لتصنيف المناطق التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وتضيف مشيرةً إلى أن هذا المقياس يندرج "من الحد الأدنى من انعدام الأمن الغذائي إلى مرحلة انعدام الأمن الغذائي الحاد"، وعلى هذا الأساس تقول المراجعة إن "المجاعة وشيكة في مناطق بشمال غزة".

يشير شاي في حديثه إلى أنه كان يعالج يوميًا نحو 40 مريضًا جديدًا في مستشفيات غزة التي عمل بها، لافتًا إلى أن العديد من المرضى "كانوا مصابين بحالات شديدة من الالتهاب الرئوي، فيما عانى عدد آخر من التهاب السحايا". أما الأطفال حديثي الولادة، فإنه في كثير من الأحيان كان "حجمهم صغيرًا بالنسبة لأعمارهم. وعانى بعضهم من عيوب خلقية أو تعفن الدم". وقال شاي حول ذلك: "لم يسبق لي أن رأيت مثل هذه الأنواع والأعداد من المصابين بالعدوى كالتي رأيتها في غزة، فقط انظر إلى هؤلاء الأطفال وستدرك أن هناك مجاعة".

ووفقًا لـ"رويترز"، فإن الفجوة الظاهرية بين ما يحدث على الأرض وكيف يحدد التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الأوضاع في غزة تثير مجموعة تساؤلات مرتبطة بإن كان يحتاج التصنيف إلى تعريف أكثر مرونة للمجاعة؟  أو كيف يمكن للتثبت من حدوث المجاعة أن يحدث فرقًا عمليًا أو قانونيًا؟ أو حتى كيف يمكن للتصنيف التغلب على القيود في جمع البيانات وتقييمها؟

وفي السياق، خلص 11 خبيرًا حقوقيًا أمميًا إلى أن سلطات الاحتلال تواجه عواقب إلحاق "أقصى قدر من المعاناة" بالمدنيين في غزة ترقي إلى "جرائم ضد الإنسانية"، بما في ذلك القتل، والتعذيب، والعنف الجنسي، والتهجير القسري المتكرر. وشدد الخبراء في تقريرهم على أن "القانون الإنساني الدولي، يتضمن مجموعة من القواعد العالمية والملزمة، لحماية الأهداف المدنية، والأشخاص الذين لا يشاركون، أو توقفوا عن المشاركة بشكل مباشر في الأعمال العدائية، ويضع حدودًا للوسائل والأساليب المسموح بها في الحرب".

ووفقًا لبيان الخبراء الأممين، فإن "إسرائيل، بدلًا من الالتزام بهذه القواعد، تحدت القانون الدولي بشكل علني مرارًا وتكرارًا، مما أدى إلى إلحاق أقصى قدر من المعاناة بالمدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخارجها"، وأضافوا في بيانهم أنه "يتواصل عدم مواجهة إسرائيل أي عواقب حقيقية، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الحماية التي يوفرها لها حلفاؤها".

ولفت الخبراء في بيانهم إلى أن "الهجمات العشوائية على المدنيين والأهداف المدنية"، بالإضافة إلى "استخدام التجويع سلاح حرب"، وكذلك "العقاب الجماعي"، جميعها ترقى إلى "جرائم الحرب"، وأعادوا التذكير بأن "الأعمال التي تهدف إلى تدميرهم كليًا أو جزئيًا، هي أعمال إبادة جماعية"، وذلك وفقًا للقوانين الدولي، وطالب الخبراء في ختام بيانهم بـ"إجراء تحقيقات عاجلة ومستقلة وشاملة في الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي"، مشددين على أن "استمرار إفلات إسرائيل من العقاب، يبعث برسالة خطيرة".

وكان بيان صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء قد قال إن: "الإبادة الإسرائيلية أسفرت عن مقتل 45,484 فلسطينيًا في قطاع غزة"، لافتًا في الوقت نفسه إلى "مغادرة نحو 100 ألف فلسطيني للقطاع منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023"، وأضاف البيان أن "عدد سكان قطاع غزة انخفض بنحو 160 ألف نسمة، ليبلغ 2.1 مليون بانخفاض مقداره 6 بالمئة عن تقديرات عدد السكان بالقطاع لعام 2023"، موضحًا أن من بينهم "أكثر من مليون طفل دون سن الثامنة عشرة، يشكلون ما نسبته 47 بالمئة من سكان القطاع".