02-سبتمبر-2022
twitter headquarters

مكاتب تويتر في سان فرانسيسكو (Getty)

في مطلع نيسان/أبريل الماضي، أعلنت شركة تويتر، بضغط من إيلون ماسك حينها، شروعها في تطوير خاصية تتيح التعديل على التغريدات بعد نشرها، وهو خيار طالب به العديد من مستخدمي المنصة منذ سنوات عديدة (وعارضه آخرون)، واتخذت الشركة إزاءه موقفًا لطالما بدا حاسمًا، ولأسباب ليست غير وجيهة

يرى خبراء أن مخاطر خيار التعديل على تويتر تفوق الإيجابيات 

لكن ما بدا لفترة طويلة أمرًا مستحيل التحقق على تويتر، قد أمسى اليوم بحكم الممكن والقريب، أو هكذا يتكهّن البعض. 

فقد أعلنت الشركة، الغارقة في عدد من المشاكل العويصة، أن مجموعة مختارة من موظفيها قد بدأوا اختبار خاصية التعديل على التغريدات، بقصد إتاحتها لاحقًا للمشتركين بباقة "تويتر بلو" (Twitter Blue)، وفي دول محددة أولًا، هي نيوزلندا وأستراليا وكندا والولايات المتحدة. 

ولم تفصح الشركة عمّا إذا كانت ستتيح هذا الخيار لكافة المستخدمين في النسخة غير المدفوعة من التطبيق، إلا أن تجربته الأولية على "تويتر بلو" تؤشّر على عزم الشركة إتاحته لعموم المستخدمين في حال عدم بروز أية مشاكل فادحة تعيق ذلك. 

تغيير غير مرحّب به

انطلقت منصة تويتر عام 2006، ولم يتغير الكثير على قاعدتها الأساسية بشأن التغريد، وهي أن ما ينشر مصيره البقاء على مسؤولية المغرّد، أو الحذف، دون وجود خيار للتعديل، وهي سياسة طريفة تساوي النص بالصورة/الصوت على مستوى التعديل بعد النشر، وكأنّها تذكّر بما يمكن أن يحصل للقول حين يُرسم ويكتب. اعتاد رواد المنصّة على ذلك، وتعايشوا معه وفهم كثيرون المنطق الذي يتكئ عليه. 

وعليه فإن خيار التعديل على التغريدات ليس مطلبًا يؤيّده الجميع، بل إن احتمال نكوص الشركة عن موقفها السابق بشأنه قد أثار بالفعل ردود فعل وانتقادات واسعة من قبل ناشطين وخبراء وصحفيين، أعربوا عن خوفهم من تشكيل ذلك هامشًا إضافيًا يتيح التساهل في نشر المعلومات المضللة أو التعليقات العنصرية (ثم التراجع عنها)، والاعتماد على خيار التعديل من أجل تعمّد إثارة الجدل والتفاعل، وهي ميزة معروفة ومجرّبة للتغريدات المضللة والصادمة. 

لكن تويتر أوضحت من جهتها بأنها ستسم التغريدات التي تخضع للتعديل بعد النشر، كما أنها ستتيح للمستخدمين النقر على التغريدة ومطالعة التعديلات التي طرأت عليها بعد وصولهم إشعارًا بذلك في حال كانوا قد تفاعلوا معها. أما التقييد الآخر الذي ستفرضه تويتر، فيتمثّل في إتاحة خيار التعديل (عدة مرات) في غضون 30 دقيقة فقط بعد النشر. كما أفادت الشركة في تدوينة على موقعها: "كما هي الحال مع أي ميزة جديدة، فإننا نعكف حاليًا على اختبارها مع مجموعة صغيرة من المستخدمين، لمساعدتنا في الحصول على التعليقات والانطباعات حولها، وتحديد المشكلات المحتملة، بما في ذلك تحديد مدى إمكان إساءة استخدام هذا الخيار على المنصّة". 

لكن حتى هذا التطمينات لا تعني الكثير عمليًا. فعموم المستخدمين لن يكترثوا غالبًا بمراجعة تاريخ التغريدة ولن يعبأوا كثيرًا بنسخها المعدّلة بعدما انتشرت ودخلت حيز التداول الواسع. كما أن قيد الفسحة الزمنية ليس كفيلًا بالحدّ من إساءة استخدام هذا الخيار لأغراض كفيلة على المدى القريب بالتأثير بشكل عميق على "نزاهة الحوارات العامة" في تويتر ومفاقمة مشكلة تفشي المعلومات والأخبار المضللة فيها، إضافة إلى التغيير الذي يعنيه ذلك على كيفية التعاطي مع المنصّة والتفاعل مع المحتوى فيها. 

بالنسبة إلى كونستانتيونس كومايتيس، الخبير بسياسات منصات التواصل الاجتماعي، فإن خاصية التعديل قد تساعد بالفعل على التعامل مع الأخطاء الطباعية في التغريدات، إلا أنها قد تفتح الباب على مصراعيه لحدوث تغير كبير في مجمل طبيعة التخاطب والتواصل على منصّة تويتر كما يألفها  ملايين المستخدمين فيها.

ينقل كومايتيس عن بلومبيرغ هذا السيناريو للتحذير من خيار التعديل: 

"لنتخيل أن شخصًا نشر صورة ظريفة لكلبه الصغير، وكتب عليها "أعشق الكلاب"، ولقيت التغريدة تفاعلًا كبيرًا وأعاد تغريدها كثيرون، وعلقوا عليها تعليقات إيجابية. ثم قام الشخص ذاته بعد 29 دقيقة بتغيير الصورة إلى صورة "هتلر" وغير التعليق بأكمله وكتب "هذا الرجل ظلمه التاريخ". يقول كومايتيس إن تويتر وعدت بوجود تنبيهات للمستخدمين في حال طرأ تغيير على تغريدات تفاعلوا معها، إلا أن ذلك لن يغيّر من حقيقة أن الأمر ينطوي على مخاطر عديدة، كان مستخدمو المنصّة في غنىً عنها. 

يرى كومايتيس أن أمرًا كهذا وارد الحدوث، لأن المجتمع الرقمي اليوم يقتات على الجدل الناجم عن مثل هذه الثغرات في منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما يدفعه إلى اقتراح وضع أكبر عدد ممكن من الضمانات للتأكد من أن خيار التعديل لا يتيح سوى التعامل مع الأخطاء الإملائية الصغيرة فقط ، أو التراجع عن كلمة معينة، لا أن يكون وسيلة للمراوغة والتلفيق المؤديين إلى التضليل والاستغلال. 

كما يرى كومايتيس، في تعليق له على موقع مجلة "إم آي تي للتقنية"، إن لجوء تويتر إلى هذه الورقة القديمة، قد تكون مجرّد وسيلة للفت الأنظار بعيدًا إلى معضلتها الكبيرة مع إيلون ماسك، الذي يصر على الانسحاب من صفقة للاستحواذ عليها بقيمة 44 مليار دولار أمريكي، إضافة إلى فضيحتها الأخيرة في تسريبات بيتر زاتكو، رئيس الأمن السابق فيها، والذي يتهمها بالتغافل عن أوجه قصور عديدة تتعلق بأمن المعلومات وخصوصية المستخدمين. 

كما أن طرح خاصية التعديل على "تويتر بلو" يشكل حصري قد يكون دلالة على سعي الشركة إلى تعزيز إيراداتها، في ظل تراجع النموّ في قطاع الإعلانات الرقميّة لديها، والتي تشكّل النسبة الأكبر من إيراداتها سنويًا، وهو ما يدفعها إلى التفكير بتنويع مصادر إيراداتها، فأعلنت عن طرح خدمة تتيح لصنّاع المحتوى على المنصّة فرض رسوم عند الاطلاع على تغريداتهم، عبر باقات اشتراك شهريّة يشترك بها المتابعون، إلا أن الشركة تراجعت عن ذلك بسبب مخاوف لاستغلال ذلك لأغراض غير مشروعة، مثل استغلال الأطفال أو الترويج للمحتوى الإباحي.