خارطة الطريق الأممية في ليبيا.. اكتمال المرحلة الأولى من تنفيذ الخطة
11 أكتوبر 2025
اتفق مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا على مقتضيات المرحلة الأولى من خارطة الطريق التي أعلنتها البعثة الأممية في آب/أغسطس الماضي، بهدف تسوية الأزمة السياسية المستمرة في البلاد منذ أكثر من عقد.
ويتعلّق التطوّر الحاصل بتسمية شاغلي المناصب السيادية في كلٍّ من المفوضية العليا للانتخابات، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وهيئة الرقابة الإدارية، وديوان المحاسبة.
ومن المتوقع أن يُعلَن عن الأسماء النهائية لشاغلي هذه المناصب خلال أسبوعين من توقيع الاتفاق من قِبَل عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، ومحمد تكالة رئيس المجلس الأعلى للدولة.
ويُشار إلى أن المجلسين يُمثّلان السلطة التشريعية في ليبيا بموجب اتفاق الصخيرات الموقَّع في كانون الأول/ديسمبر عام 2015.
يعتقد متابعون أنّ السرعة القياسية في إبرام هذا الاتفاق مردّها الضغط الدولي على فرقاء الأزمة الليبية وتجنّب كل طرف أن يتم تحميله مسؤولية فشل خارطة الطريق الأممية في بدايتها
تشير المعلومات القادمة من طرابلس وطبرق إلى أنّ اللجنتين المكلّفتين من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وقّعتا خلال هذا الأسبوع محضر الاتفاق بشأن تسمية شاغلي المناصب السيادية، وتمّ اعتماد المحضر لاحقًا من قِبل رئيسي المجلسين، في انتظار الإعلان الرسمي عنه خلال الساعات القادمة.
ويمنح الاتفاق المبرم بين الغرفتين التشريعيتين الأولوية للمفوضية العليا للانتخابات في تسمية شاغلي المناصب السيادية، بوصفها الجهة التي ستتولى الإشراف على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة (البرلمانية والرئاسية). ويأتي ذلك، بحسب وثيقة الاتفاق، تماشيًا مع متطلبات "خريطة الطريق للحلّ السياسي" المقترَحة من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
كما حدّد الاتفاق آلية اختيار الأسماء المرشحة، من خلال تشكيل لجنة مشتركة تتولى فرز الأسماء والاختيار من بينها، على أن يكون اعتمادها النهائي من طرف مجلس النواب. وبعد المصادقة على الأسماء في المناصب السيادية، يُترَك لكل مجلس سيادي اختيار أعضائه.
ويُعَدّ هذا الاتفاق تتويجًا لمسارٍ بدأ قبل أسبوعين، عقد خلاله أعضاء لجنة المناصب السيادية عدة اجتماعات في طرابلس وبنغازي.
ويرى متابعون أنّ السرعة القياسية في إبرام هذا الاتفاق تعود إلى الضغط الدولي على أطراف الأزمة الليبية، وسعي كل طرف لتجنّب تحمّل مسؤولية فشل خريطة الطريق الأممية في بدايتها، إذ جاء الاتفاق قبل انقضاء المهلة المحدّدة من البعثة الأممية، وهي شهران من تاريخ اعتماد مجلس الأمن الدولي للخارطة.
يُذكر أنّ اتفاق الصخيرات لعام 2015 كان قد حدّد مهلة ثلاثين يومًا لتسمية شاغلي المناصب السيادية، إلا أنّ الخلافات بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة حالت دون تحقيق ذلك. واستمرت الأزمة حتى بعد اتفاقَي 2020 و2021 في مدينة أبوزنيقة المغربية، حيث شكّلت المحاصصة المناطقية العقبة الأساسية أمام استكمال مسار تسمية شاغلي المناصب السيادية.
مراحل خارطة الطريق الأممية
تتكوّن خارطة الطريق الأممية، التي أقرّها مجلس الأمن الدولي في 21 آب/أغسطس الماضي، من ثلاث مراحل رئيسية.
تتمثّل المرحلة الأولى في تشكيل المفوضية العليا للانتخابات وإدخال التعديلات اللازمة على قوانين الانتخابات، وذلك ضمن سقفٍ زمني لا يتجاوز شهرين.
أمّا المرحلة الثانية، فتقضي بتشكيل حكومة وطنية جديدة تمهيدًا لإجراء الانتخابات وتوحيد المؤسسات.
وفي المرحلة الثالثة، يتم إطلاق حوار مهيكل يضمّ أكبر عدد ممكن من الفاعلين السياسيين والاجتماعيين وممثلي المجتمع المدني، بهدف التوصّل إلى اتفاق شامل حول تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وقد حدّدت الخريطة الأممية سقفًا زمنيًا لا يتجاوز 18 شهرًا لاستكمال المراحل الثلاث، فيما شدّدت البعثة على أن الخطة غير قابلة للتجزئة، ويجب التعامل معها باعتبارها حزمة واحدة، وذلك تفاديًا لأي عراقيل قد تعترض تنفيذها في أي من مراحلها.
كما أكّدت البعثة أنّ مجلس الأمن يدعم الخطة بالكامل، وقد توعّد بفرض عقوبات على أيّ أطراف تعرقل تنفيذها.
عقبات
يعتقد المتابعون للشأن الليبي أنّ الاتفاق بين مجلسي النواب والمجلس الأعلى للدولة حول تسمية شاغلي المناصب السيادية يُعدّ اختراقًا نوعيًا في جدار الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد.
غير أنّ هذا التطور، بحسب المحلل السياسي الليبي خالد الحجازي، لا يمكن اعتباره "خطوة حاسمة نحو إنهاء الأزمة"، التي يرى أنها أعمق من مجرد توزيع للمناصب، في ظل الانقسام المؤسسي المتجذّر منذ أكثر من عشر سنوات واحتدام صراع النفوذ بين الشرق والغرب، فضلًا عن تشابك حسابات الفاعلين الإقليميين في المشهد الليبي.
ويُضاف إلى ذلك أنّ مجلس النواب لم يُعلن حتى الآن موقفًا واضحًا من خارطة الطريق الأممية، لا بالقبول ولا بالرفض، بخلاف المجلس الأعلى للدولة الذي تفاعل إيجابيًا مع الخطة رغم إبدائه بعض الملاحظات عليها.
ومما يزيد القلق حول مستقبل الخارطة الأممية، إعلان اللواء المتقاعد خليفة حفتر، قائد القوات العسكرية في شرق البلاد، رفضه لأي حلول "مفروضة من الخارج"، وذلك خلال لقائه مجموعة من أعيان الشرق نهاية أيلول/سبتمبر الماضي.
وقد اعتبر حفتر أنّ على الليبيين "صياغة خريطة طريق ليبية خالصة ترتكز على الشرعية المحلية"، مضيفًا أنّ "الخطة التي نُسجت خيوطها وراء الحدود لا يمكن أن تبني دولة حرة كاملة السيادة"، موجّهًا الدعوة إلى المؤسسات والقبائل والمجتمع المدني لـ"إيجاد صيغة نموذجية تُخرج الوطن من الدوامة التي يدور فيها"، على حدّ تعبيره.
يُشار إلى أنّ حفتر قام مؤخرًا بتعيين عدد من أبنائه في مناصب قيادية داخل المؤسسة العسكرية شرق البلاد، في خطوة يراها متابعون تمهيدًا لانتقال تدريجي للنفوذ داخل المعسكر الشرقي، وربما استعدادًا لمغادرته المشهد العسكري تمهيدًا للترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.