29-أغسطس-2018

مكب النفايات في حي العماري بمنطقة المعامل في بغداد (صحف عراقية)

في جنوب العاصمة بغداد، يقع حي العماري في منطقة المعامل، حيث يقطن في هذه المنطقة ما يقارب 35 ألف نسمة. وقد بدأ سكان المنطقة في النقصان تدريجيًا، بعد أن فر عدد منهم من احتمالات الموت دائمة الحضور، أما النفايات فقد تزايدت بشكل ملحوظ.

في جنوب العاصمة بغداد، يقع حي العماري في منطقة المعامل، حيث يقطن ما يقارب 35 ألف نسمة وسط كومة متزايدة من النفايات

تحولت المنطقة الواقعة في عاصمة بلد صادراته النفطية ما يقارب مليوني برميل يوميًا، إلى مكب نفايات. ورغم التظاهرات والاحتجاجات التي قادها أهالي المنطقة، لم تتجاوب السلطات إلى الآن، مع واحدة من المشكلات الكثيرة التي تُثقل كاهل المواطن العراقي في قلب عاصمته.

اقرأ/ي أيضًا: في بغداد.. الموتى أكثر من الشوارع

تحدث إلينا المواطن جاسم حمد، أحد سكان الحي، وقد عرض علينا حفيدته المصابة بالكساح، وشقيقها الذي أكل مرض حبة بغداد وجنتيه. يقول حمد إن أمراضًا كثيرة أصيب بها أهالي الحي، نتيجة للمخلفات، كالكساح وحبة بغداد وغيرها من الأمراض الجلدية، والإسهال الحاد وضيق التنفس، بل وصل الأمر إلى حالات إجهاض لنساء حوامل بسبب الدخان المتصاعد من حرق النفايات.

طرق سكان الحي أبواب المسؤولين جميعًا دون جدوى، حتى أن المواطن جاسم حمد، أشار إلى مقبرة في الحي، تحمل في باطنها جثة 30 طفلًا ماتوا بسبب دخان حرق النفايات.

يمثل دخان حرق النفايات أزمة متجددة بالنسبة لسكان الحي، يوضح حمد أنهم يعيشون في حالة تأهب واستعداد دائمين، كلما تصاعد الدخان، استعدوا لنقل أطفالهم ونسائهم إلى المشافي بسبب حالات الاختناق. حتى الحيوانات لم تسلم من النفايات ودخان حرقها. ولولا الفقر، للحق جاسم حمد بمن غادروا الحي.

إهمال سائد

يسود الإهمال الموقف في العراق إجمالًا، ويمثل هذا الحي تجليًا صارخًا لحالة الإهمال هذه، وصمت الحكومة على شكاوى المواطنين وعدم تجاوبها معها. 

"نفد صبر سكان الحي"، يقول مختار الحي، كاظم صهيود: "صبرنا نفد، والإهمال طال، فنحن بشر مثلهم ولا نستطيع التحمل أكثر، فهذا المكان مخصص للسكن، وليس مكبًا للنفايات". في الحي قطعة أرض فارغة، أساءت أمانة بغداد استغلالها لرمي النفايات والطمر الصحي، كونها أقرب من المكان المخصص لذلك، في النهروان على الحدود الشرقية لبغداد. "يحدث ذلك تحقيقًا لمكاسب شخصية للمسؤولين، وبسبب عدم وجود محاسبة أو مراقبة عليهم"، يقول مختار الحي.

قال صهيود إنه قابل أمينة بغداد عدة مرات، وقد وعدته بحل المشكلة، لكن بلا جدوى حتى اليوم، والنفايات لا تزال في ازدياد. ويقول صهيود أيضًا، إنه بالإضافة للطمر الصحي والنفايات، ترمى في المكان مواد صلبة وكيميائية، بل وأعضاء بشرية معطوبة!

مصدر رزق للأكثر فقرًا!

ليست النفايات السمة الوحيدة للمنطقة، الفقر كذلك، سمة للمنطقة ولبغداد عمومًا. دخلنا إلى منطقة النفايات ذات الرائحة التي لا تطاق، ويزداد وقعها مع ارتفاع حرارة الشمس. تفاجأنا بوجود أطفال ونساء وسط تلك الأكوام، فكما أن تلك النفايات باتت قرينة لهؤلاء الأطفال الذي نشأوا عليها، كانت كذلك مصدر رزق لأمهاتهم لمواجهة عوز الفقر.

يسود الإهمال الموقف في العراق إجمالًا، ويمثل حي العماري تجليًا صارخًا لحالة الإهمال هذه، وصمت الحكومة وتواطؤ المسؤولين

عجائب الصدف وسوءها ربما بالنسبة لسكان المنطقة، أن النفايات هذه سبب في موت بعضهم، كما أنها مصدر للرزق بالنسبة لبعضهم الآخر ممن أعازهم الفقر المدقع.

اقرأ/ي أيضًا: عراق "عقوق" الإنسان

لكن ما يزيد من خطورة هذه النفايات، أنها تقع إلى جوار مدرسة ابتدائية، تكثر فيها حالات الاختناق والتسمم من دخان حرق النفايات. وقد اعتاد روادها وسكان المنطقة، أصوات سيارات الإسعاف التي تنقل الأطفال التلاميذ للمشافي بسبب حالات الاختناق.

ورغم أن وزارة البيئة قد زارت المنطقة، وصنفته ضمن أعلى المناطق تلوثًا، إلا أن المسؤولين في أمانة بغداد، لا يزالون يتجاهلون التصرف في هذه الكارثة.

حجم الكارثة

رغم التقارير والإجراءات والقرارات القانونية التي قدمتها دائر البلدية في بغداد، واللجان الأمنية في المجلس البلدي التابع لقاطع 9 نيسان، إلا أنها لم تنفع بشيء في معالجة الأمر، بسبب عدم التزام من قبل المسؤولين.

التقينا برئيس اللجنة الأمنية في المجلس البلدي، لطيف موسوي، والذي أوضح أن عملهم هو الإشراف والمراقبة على الأجهزة التنفيذية، فهم، بحسبه، عقدوا عدة اجتماعات بين دوائر البلدية والدوائر الأمنية في قاطع 9 نيسان، ومنعوا سيارات النفايات أن ترمى في حي العماري، وهناك تقارير وبيانات من مجلس محافطة بغداد واللجنة الأمنية، تؤكد -على الورق- الحد من دخول كابسات القمامة إلى المنطقة، لكن الجهاز الأمني لم يلتزم بتنفيذ المنع.

وقال موسوي إنهم وجهوا الأجهزة الأمنية بمنع دخول الكابسات، غير أنها لم تلتزم بذلك، كما طالبوا الجهات الخدمية بمعالجة الأمر، وإيجاد حل للأرض التي ترمى فيها النفايات، بجعلها متنزهات أو حدائق عامة.

النفايات تأكل ملامح الأطفال

ملأت البقع جسد الطفلة سمر، وشوهت ملامح طفولتها، وأخجلتها بين أقرانها، وهي إحدى المتضررات من أمراض مكب النفايات، ليست وحدها، وإنما هي وإخوتها كذلك.

ذهبنا للمركز الصحي في حي المعامل للاطلاع على إحصائيات الوفيات والحالات المرضية وأنواعها، غير أن الباب أُوصد في وجوهنا، بعد أن رفضوا التصريح بأي معلومة، فلجأنا إلى مدير قسم الصحة في المجلس البلدي في قاطع 9 نيسان، عبدالغني الحسيني.

لا يتوفر لدى عبدالغني الحسيني إحصاءات بخصوص حالات المرض والوفاة، لكن لديه معلومات مؤكدة عن الأمراض التي تؤدي إليها هذه النفايات ودخان حرقها: "تسبب أمراضًا كثيرة، سرطانية وجلدية وتنفسية. إن النفايات الإلكترونية وحدها تسبب تغيرًا في وظيفة الغدد الدرقية، وتؤثر على مزاج الإنسان، وتقلل من وظائف الرئة". 

رغم أن وزارة البيئة صنفت حي العماري بمنطقة المعامل ضمن الأعلى تلوثًا، إلا أن المسؤولين في أمانة بغداد لم يحركوا ساكنًا للآن

الأكثر فقرًا ممن يقتاتون على العمل في هذه النفايات، هم بطبيعة الحال الأكثر تضررًا منها، هؤلاء أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، والعدوى من بواقي مواد الرعاية الصحية التي ترمى هناك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

9 ملايين عراقي تحت خط الفقر

العراق.. أطفال في مهن القسوة والعنف