29-أبريل-2016

مقطع من لوحة لـ سبهان آدم/ سوريا

اعترى الجلاد ذعر رهيب. هذه المرة الثالثة التي يضرب فيها عنق ضحيته، من دون أي أثر. من دون أن ينفصل الرأس عن الجسد.

توقف أخيرًا ونظر إلى جمهور العامة، نظر إلى وجوههم. وانتبه إلى أنها المرة الأولى التي يرى فيها وجوههم. هو يرى نظراتهم، ولكن عوضًا عن أن يرى التمجيد في أحداقهم لاحظ الذعر في عيونهم. بعضهم استبدّ به الخشوع. لقد ظنّ هؤلاء أنهم أمام قدّيس، أن عناية إلهية تحميه من فأس الجلاد. كانوا يستشعرون بخطيئة في الأجواء وعليهم أن يتوبوا. وقد ركع بعضهم إلى هذا القدّيس من دون أن يعرفوا ما الذي عليهم أن يقولوا أو يذعنوا له.

استيقظ الجلاد من ذهوله، وقبل أن يوقفه الحرّاس أو يمنعوه من ضحيته أمسك بالأخير من شعره وجرّه في شوارع المدينة وأزقتها، حتى وصل إلى بيته، ودخل مع ضحيته. جلس قبالته لا يدري ما يفعل أو يقول. لقد كان غضبًا مهولًا ناحبًا يمسك بخناقه. نظر في عيني ضحيته فلم يجد شيئًا. يبدو أنه الآخر كان مذهولًا أو أن الضربات دوّخته.

لماذا لا يموت؟ لماذا فأسه لا تقوم بعملها وقد شحذها هذا الصباح، كما يفعل دائمًا؟

نهض أخيرًا وجلب فأسًا أخرى وضرب عنق الضحية، من دون جمهور هذه المرة، لكن لا فائدة. ضرب مرة ثانية وثالثة ورابعة.. لكن لا فائدة. صرخ صرخة مدوية نبّهت الضحية، ونبهته هو أيضًا، إذ إنه لم يسمع صوته منذ زمن. لقد كان جلادًا بلا صوت أو وجود، لكن فشله الآن أعاد له وجوده.

انهار على الأرض وبكى. كان لا بدّ أن يبكي، لا يهم إن كان أمام ضحيته، فذاك يبقى ضحية بلا أمل أو وجود. توسل إليه أن يسعفه، طلب منه أن يموت، أن يسمح بفصل رأسه. لماذا لا يفعل؟

فجأة، سمع صوت دقّات عنيفة على الباب، يبدو أنهم يريدون أن يأخذوا غنيمته. لا بدّ أن يموت فورًا أو يصبح سيدًا جديدًا. لقد شهد الناس معجزته، وإن لم يمت الآن فستنقلب الأدوار. سيتحول الجلاد ضحية والضحية جلادًا.

لا بدّ أن ينتهي الأمر على يديه الآن. لا يمكن أن يترك الأمر للمستقبل أو الصدفة. حمل الفأس واتجه نحو الضحية. فكّ إساره وقدّم له الفأس. انحنى الضحية الجديد أمام جلاده. تردّد الجلاد الجديد وهو يحدّق في ضحيته. لا بدّ أن يقرّر الآن، فإما أن يعود ضحية أو يصبح جلادًا. لقد اكتشف أن لا مفرّ من ذلك. رفع الفأس عاليًا.

الضحية يحدّق في الفراغ. لا شيء يتذكره. لا ذكرى تعزيه. أدرك أنه فقد كل شيء. لا مشاعر ليحسّ بها. لا شيء إلا الفراغ في مخيلته، حتى لا وجود لمخيلة. أغمض عينيه وانتظر قرار جلاده.

وأخيرًا هوت الفأس وضربت عنق الضحية. فوجئ الجلاد بسهولة الأمر، وظل واقفًا مذهولًا بعمله.

اقرأ/ي أيضًا:

أبيع رأسي لغيمةٍ دون مقابل

أسوأ شخص في الاتصالات