16-يناير-2021

الكاتب الألماني مارتن فالزر (ألترا صوت)

ألترا صوت – فريق التحرير

أصدرت "الدار الأهلية" حديثًا رواية "حياة فتاة أو القديسة" للكاتب الألماني مارتن فالزر (1927)، ترجمة أحمد الزناتي، وهي ثالث أعمال فالزر المنقولة إلى اللغة العربية بعد روايتيه "جواد نافر" (منشورات الجمل، 2004)، و"رجل عاشق" (شرق غرب للنشر 2008).

يقول مارتن فالزر إن الرواية التي تخلو من مشاهد السيرة الذاتية ليست رواية، وإنما بحث اجتماعي

ولد مارتن فالزر في الرابع والعشرين من آذار/ مارس 1927، ودخل فضاء الأدب من بوابة الشعر، قبل أن يتجه نحو القصة القصيرة، متأثرًا بأسلوب الكاتب التشيكي فرانز كافكا، خصوصًا بعد اختياره الشكل القصصي عنده، موضوعًا لأطروحته لنيل شهادة الدكتوراة. ولكنه، في المقابل، واجه نقدًا لاذعًا من زملائه في "جماعة 47"، إحدى أهم التيارات الأدبية في ألمانيا، إذ سخروا من أسلوبه الهجين بحسب وصفهم، ليتجه بعد ذلك إلى الرواية، ويتخذ من تصوير الحياة اليومية في ألمانيا، موضوعًا لمشروعه الأدبي الذي وصِف بأنه تأريخٌ للتطور النفسي للجمهورية الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية.

اقرأ/ي أيضًا: ترجمة عربية جديدة لرواية "الفراشة".. الحرية هاجس الإنسان الأول

يوصف فالزر بأنه أكثر الروائيين الألمان إثارةً للجدل، وأكثرهم تعرضًا للحملات النقدية الساخرة واللاذعة، التي لم تسخر من أعماله الأدبية، بقدر سخريتها من مواقفه وآرائه السياسية. ولعل أشهر هذه الحملات هي تلك التي تعرّض لها سنة 2008، بعد الخطاب الذي ألقاه بمناسبة حصوله على "جائزة السلام"، والذي تناول فيه ما وصفه بـ"العبء" الذي ورثته الأجيال الألمانية بسبب جرائم النازية، منتقدًا التناول المستمر والمبالغ فيه لموضوع الهولوكوست، ومحذرًا من استخدامه كـ"هراوة أخلاقية".

وردًّا منه على هذه الحملة، أصدر مارتن فالزر رواية بعنوان "وفاة ناقد"، تناول فيها، بأسلوبٍ ساخر، سلطة النقاد في ألمانيا، واللاموضوعية التي اتسمت بها، بحسب تعبيره، مواقفهم وآرائهم تجاه مواقفه السياسية النقدية. وبغض النظر عن موضوعها، اعتبرت "وفاة ناقد" تكريسًا لنهج فالزر الأدبي الذي يعتمد، بالدرجة الأولى، على السيرة الذاتية، إذ يرى أن: الرواية التي تخلو من مشاهد السيرة الذاتية ليست رواية، وإنما هي بحث اجتماعي".

إلى جانب السيرة الذاتية، يستند صاحب "جواد نافر" في تشييده لأساسات رواياته على محاورة عوالم كتّاب وشعراء مختلفين، لعل أهمهم يوهان غوته الذي اتخذ فالزر من تجربته العاطفية، وهو في الثالثة والسبعين من عمره، مع أولريكه فون ليفتسو التي تصغره بنحو خمسة عقود، موضوعًا لعمله الروائي المعنون بـ"رجل عاشق".

"حياة فتاة أو القديسة"، روايته المنقولة حديثًا إلى اللغة العربية، تُعتبر بدورها امتدادًا لهذا النهج أو الأسلوب القائم على المحاورة، إذ إن الرواية الصادرة للمرة الأولى سنة 2019، وعبر سردها قصة فتاةٍ تختفي وتظهر على نحوٍ متواصل، ضمن أجواء تزاوج بين الخيال والواقع، تحيل وإن بشكلٍ غير مباشر إلى أجواء رواية "القضية" لفرانز كافكا، ذلك أن المتهم بالمسؤولية عن اختفاء الفتاة، وهو أستاذ لغة ألمانية، لا يذكر في حديثه أي معلوماتٍ حول الجهة أو الطرف الذي وجّه إليه هذه التهمة، تمامًا كما هو حال يوسف ك، بطل رواية كافكا.

اقرأ/ي أيضًا: طبعة جديدة من رواية "شيطنات الطفلة الخبيثة"

يقول المتهم: "اختفت فتاة. أشعر أنني محل اتهام، لذلك اختفيتُ أيضًا، وها أنا ذا الآن أدوّن ما أعرفه لمجرد إثبات أنني غير ضالع في اختفائها. على الأقل لست مذنبًا مثلي مثل الآخرين (...) لم لا معنى لحياتي إن لم أرها من جديد، وإن لم أعثر عليها. إن لم يكن لها مكان في هذه الدنيا، فلا مكان لوجودي في الدنيا أيضًا".

تحيل رواية مارتن فالزر "حياة فتاة أو القديسة" إلى أجواء وعوالم رواية "القضية" لفرانز كافكا

غياب أي معلوماتٍ عن الطرف المتهِم، يشير بشكلٍ أو بآخر إلى جملةٍ وردت في رواية "القضية"، وهي: "يبدو أن أحدهم افترى على يوسف ك". كما أن سعي المتَهَم لإعدادٍ تقرير يثبت براءته، ودخوله إلى السجن، بالإضافة إلى استئجاره غرفة في منزل عائلة الفتاة نفسها، على غرار يوسف الذي استأجر غرفة في منزل السيدة جروباخ، تُذكّر على نحوٍ متواصل بأجواء "القضية" التي تبدو رواية مارتن فالزر إعادة تحويرٍ لها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كتاب "تطور سوريا السياسي في ظل الانتداب".. تشريح الانتداب وتفكيك تاريخه

كتاب "العمل الإنساني: الواقع والتحديات".. من القيمة إلى الممارسة