09-يوليو-2019

الممثل يوسف سحيري (فيسبوك)

"ولاد الحلال" أيقونة الإنتاجات الدرامية الجزائرية في رمضان 2019. السلسلة التي بثتها قناة الشروق وخلقت المفاجأة بتحطيمها أرقامًا قياسية في نسب المشاهدات، تطرح العديد من التساؤلات حول ما يرضي المشاهد الجزائري، وبالتالي ما سر النجاح الذي حققته السلسلة.

الممثل الجزائري يوسف سحيري، نجم "ولاد الحلال"، يحاور" ألترا صوت" هنا حول الدراما في الجزائر والعلاقة الثقافية مع المغرب وغيرها.


  • ما سر نجاح مسلسل "ولاد الحلال"؟

لم نكن متوقعين من "ولاد الحلال" أن يحقق كل هذا الزخم الذي نحن بصدد الحديث عنه، عبر أخذه بعدًا مغاربيًا وعربيًا، في وقت كان سقف طموحنا هو التفوّق داخل النطاق المحلي وتحقيق النجاح في الجزائر. في حين أنني لا أعتبر هذا وصولًا تامًا إلى المبتغى بل بدايته، والنجاح الحقيقي سيكون بالاستمرارية في هذا المستوى.

يوسف سحيري: سلّط سيناريو "ولاد الحلال" الضوء على وقائع دائمًا ما كانت تحدث أمامنا وكانت الدراما عندنا تتجاهلها

أمَا للحديث عن العوامل التي ساهمت فيما وصل إليه "ولاد الحلال"، فسأقول إن العامل الأول هو السيناريو. سيناريو نجح في أشياء نادرًا ما نجدها في الأعمال الدرامية الجزائرية، سلّط الضوء على وقائع دائمًا ما كانت تحدث أمامنا ودائمًا كانت الدراما عندنا تتجاهلها. أعادنا إلى الواقع وسط حي شعبي من أحياء وهران، وفي نفس الوقت لم تقتصر معالجته على هذا الفضاء الجغرافي، بالقدر الذي منح المتتبع الجزائري والعربي القدرة على أن يجد نفسه داخله، وبسهولة أن يجد أشباهًا عدة من شخصيات المسلسل تشاطره معيشه اليومي.

اقرأ/ي أيضًا: بوتشيش بوحجر.. ماريشال المسرح الجزائري

العامل الثاني هو الكاستينغ الذي كان متكامل، ومعايير اختيار الممثلين كانت فنية بحتة ولصالح العمل، أن الاختيار لم يكن على أساس الجمال الظاهري أو الاستعانة بعارضي الأزياء، كما هو المشكل عند كثير من الأعمال الأخرى، والذي كان سببًا في فشلها. والعامل الثالث كان هو الإخراج، فقد كان المخرج التونسي نصر الدين السهيلي ذكيًا في تعامله مع العمل، رغم أنه بعيد عن البيئة الجزائرية، حاول بطريقة ما أن يتعرف عليها أكثر ويستنبط منها شكل تناوله للموضوع، بل ويجعله أكثر انفتاحًا على البعد المغاربي والعربي الواسع.

عامل أخير، والأهم في نظري، هو الديكور الذي كان واقعيًا كذلك. فالتصوير داخل الأستديو يختلف كثيرًا عن التصوير من الميدان، لأنك في الأول مهما بذلت من جهد كي تجعل الصورة واقعية تفشل في نهاية الأمر، عكس إذا كان الموقع حيًا شعبيًا داخل مدينة وهران فذلك يعطي حياة للصورة. لقد كنا نصوّر والحي يضج بالحياة حولنا، بل وفي مرات كثيرة كان أهل الحي يتدخلون في عملية التصوير لتصحيح بعض المشاهد وتبيان الأمور كما تجري في واقعها. أظن أن هذا الأمر منح سلسلة "ولاد الحلال" تلك الروح الواقعية، والتي ميزته طوال حلقاته.

  • هل خلق "ولاد الحلال" نقلة عامة في الدراما الجزائرية؟ 

أكيد. ما وصل إليه "ولاد الحلال" من تميز سيخلق تنافسية وسط السوق الدرامية الجزائرية، مع أن هذه التنافسية دائمًا ما كانت موجودة، الجديد أنه ما سيأتي من أعمال بالضرورة ستأخذ بعين الاعتبار هذه العتبة التي حدّدها المسلسل، والتي لا ينبغي من هنا فصاعدًا الانحدار عنها. بدليل أن هذه السنة عرفت عرض ثلاث مسلسلات أخرى، التي كانت جميلة كذلك في نظري، إلا أن سوء حظها جعلها تتزامن ومسلسلنا الذي خطف منها الأضواء.

  • الدور الرئيسي في "ولاد الحلال"، قبله شاهدناك في بطولة فيلم "العقيد لطفي" للمخرج أحمد راشدي، وكذلك في بطولة فيلم "ابن باديس" للمخرج السوري باسل الخطيب، ألا يقبل يوسف سحيري إلا بدور البطولة؟  

لا، بالعكس لعبت في أدوار ثانوية كثيرة، والأدوار الرئيسية كانت اختيار مخرجي تلك الأعمال. مع أن أول دور لي كان بطولة فيلم "أيام الرماد" للمخرج عمّار سي فوضيل، بعدها مباشرة لعبتُ بطول فيلم "دم الذئاب" لنفس المخرج، وكما ذكرتَ بطولتي "العقيد لطفي" و"ابن باديس". لكن قمت كذلك بسبعة أدوار ثانوية في سبعة أفلام، أذكر منها فيلم "العربي بن مهيدي" وفيلم "لم نكن أبطال".

  • هل هناك جزء ثانٍ لـ"ولاد الحلال"؟

يدور كثيرًا هذا الحديث بين طاقم العمل، وبدوري سمعت كلام عن جزء ثانٍ من شركة الإنتاج، وسمعت كذلك عن وعود واستعداد كبير من شركات لتمويل هذا الجزء، الشيء الذي يرجح حدوثه. لكن شخصيًا لا أحبذ الفكرة، وأفضل أن نترك "ولاد الحلال" ذكرى جميلة في أذهان الجمهور، وننتقل للاشتغال على أفكار جديدة نكرس بها المسار التصاعدي الذي افتتحه العمل الأول.

  • هل نجح المسلسل جماهريًا فقط لأن عرضه تزامن مع فترة الحراك؟

فكرة المسلسل والتجهيزات الأولى سبقت الحراك بسنة، لكن الأحداث التي تناسلت في جزائر الأشهر الأخيرة خدمت العمل بشكل كبير. لا أقول إن الأمر كان مدروسًا، لكن الحراك هو أساسًا تعبير شعب رفض الأوضاع التي كانت عليها البلاد، وبالتالي حتى الصور النمطية التي كانت تقدمها له الدراما الوطنية، والتي كانت تناقض كثيرًا واقع حاله؛ سواء بتصوير الغنى الفاحش أو الفقر المدقع. كما سبق وذكرت أن نقطة قوة "ولاد الحلال" كانت هي واقعيته الخالصة، وهكذا استجاب بشكل تلقائي لما يتعطش له الجمهور في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ الجزائر.

يوسف سحيري: العمل الثقافي المشترك بين دول المغرب الكبير هو حلم كل الشعوب المغاربية، فكل هذه الشعوب تحلم بمغرب كبير موحد

كما أن الحراك كذلك نمّى روح الوطنية وسط الجمهور، هكذا صار يطلب أكثر دراما محلية، وصرنا نتلقى كذلك تعليقات كثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي تقول: "بعد ولاد الحلال لسنا في حاجة لدراما مصرية أو سورية!".

  • ما هو دور السينمائي وسط الحراك؟

الجواب على سؤالك سيكون في شقين. الأول، في نظري أن الفن رسالة وقضية، والفنان الذي لا يدافع عن قضيته هو فنان سطحي، كي لا أقول ليس بفنان. لذلك أظن أن أهمية كل فنان، بما فيهم الممثل، هو النضال من أجل الوطن، لأنه في نظري أهم قضية.

في الشق الثاني، لا أرى من خطأ أن تتم مواكبة الحراك بأفلام، لكن يجب ألا يكون ذلك على حساب الحراك لكونه محور النضال الشعبي ككل. هكذا اخترت أن أكون في الحراك مواطنًا جزائريًا وحسب.

  • هل يمكن أن نرى يوسف سحيري في فيلم مغربي، أو دراما مغربية؟

العمل الثقافي المشترك بين دول المغرب الكبير هو حلم كل الشعوب المغاربية، فكل هذه الشعوب تحلم بمغرب كبير موحد، وسينما مغاربية موحدة، وأعمال مشتركة بين بلداننا الخمس. هذه الوحدة هي التي ستخلق الحركية الفنية المنشودة، كما هي كفيلة بخلق السوق السينمائية الكبيرة التي نطمح لها. لكن هناك دائمًا عوائق يجب علينا أن نتخطاها مجتمعين، ونوحد الرؤى في عملية الإنتاج السينمائي، لأن اختلاف تلك العملية من بلد لآخر يعرقل العمل المشترك، في حين إنتاجات كل بلد على حدا هزيلة لدرجة فضائحية.

اقرأ/ي أيضًا: محمد أمين رفاس.. مناضل شاب لأجل المسرح

رجوعًا إلى سؤالك، نعم، ممكن أن يكون هناك أفلام مشتركة يحضر فيها يوسف سحيري، كما كنت قد اشتغلت من قبل في فيلم تونسي. لكن لا زالت هذه الإنتاجات المشتركة ضعيفة، في مقابل كفة الإنتاجات المحلية التي ترجح دائما وعلى قلتها، هكذا يبقى الحل الوحيد في نظري لكل السينمائيين بالمغرب الكبير هو الاشتغال أكثر على الإنتاجات المشتركة.

اقرأ/ي أيضًا:

عانقني يا أخي المغربي

عصام تعشيت.. الحياة فيلم قصير