31-أكتوبر-2020

نجيب أزرقي، رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي لمسلمي فرنسا

يعدّ حزب الاتحاد الديمقراطي لمسلمي فرنسا، وكما هو ظاهرٌ من اسمه، الممثّلَ السياسي للجالية المسلمة بالبلاد. ومنذ تأسيسه ذات 2012، يقدّمُ نفسه الجواب السياسي لهموم وانشغالات هذه الجلية، يموقعُ نفسه يسار المشهد السياسي الفرنسي: حزبًا علمانيًا معادٍ للإمبريالية والكولونيالية. في وقت أصبح فيه الإسلامُ في قلب دوامة الحدث الفرنسي، بعدَ خطابِ ماكرون لـ "مواجهة الانعزالية الإسلامية"، وبعدَ الجريمة الإرهابية التي احتضنت أطوارها الضاحية الباريسية ،وما تلاها من ردود فعل متضاربة، وجب إعادة بناء المشهد بلسان الفاعل السياسي الفرنسي المسلم.

ينزل السيد نجيب أزرقي، رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي لمسلمي فرنسا، في ضيافة "ألترا صوت" متحدثًا عن خطاب ماكرون الأخير

من هذا المنطلق ينزل السيد نجيب أزرقي، رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي لمسلمي فرنسا، في ضيافة "ألترا صوت" متحدثًا عن خطاب ماكرون الأخير، عن المشاركة السياسية لمسلمي فرنسا، وعن إسلاموفوبيا اليمين الفرنسي وأشياء أخرى.

  • نحن في القسم الثاني من الولاية الماكرونية، البلاد ترزح تحت أزمة صحية خطيرة، الاقتصاد الفرنسي يواصل سقوطه الحر، أزيد من 800 ألف عامل فقدوا مناصب شغلهم والرقم مرجح للارتفاع، كل هذا ينضاف إلى دخول اجتماعي يلهب الشارع الفرنسي احتجاجًا. فيما الرئيس ماكرون اختار بالذات أن يكون هذا توقيت إعلان ما سماه بـ "قانون محاربة الانعزالية الاسلامية". من جهتكم سيد نجيب، كرئيس حزب الاتحاد الديموقراطي لمسلمي فرنسا، ماذا تقرأون في هذا الاختيار الزمني؟

 في الحقيقة، ما أقدم عليه ماكرون ليس جديدًا على المشهد السياسي الفرنسي، فلو عدنا بالزمن إلى السنوات الماضية سنجدُ أن كلّ الحكومات المتعاقبة، بداية من شيراك ثم ساركوزي وصولًا إلى ماكرون وهولاند قبله، ومنذ اللحظة الأولى التي يصلون فيها إلى انسداد سياسي وحصيلة اجتماعية كارثية، فإن أول ما يتبادرُ لأذهانهم من أجل إنقاذ الأصوات الانتخابية، هو الهجوم على الجالية المسلمة بفرنسا.

اقرأ/ي أيضًا: "اليسارية الإسلامية" عوضت " البلشفية اليهودية".. دومينيك فيدال يكتبُ

جاك شيراك كان أول من بدأ هذا النهج سنة 2004، بقانونه لمنع الرموز الدينية في المدارس، والذي لم يستهدف في الحقيقة إلا الطالبات المحجبات. شيراك وقتها كان يواجه حصيلة اجتماعية كارثية، وأزمة صحية حصدت ضحايا كثر جرّاء موجة الحرّ التي ضربت تلك السنة، في وقت كانت الحكومة سائرة إلى الاضمحلال، سارعت إلى إطلاق استراتيجية تهرب النقاش العام عن الانشغالات الحقيقية للمواطن الفرنسي، واضعة سلامة الجمهورية ومواطينيها في خطر محقق. هذا ما يحاول ماكرون فعله من جديد، بعد الحصيلة الكارثية التي أتيتم على ذكرها، يهاجمُ المسلمين من أجل كسب أصوات انتخابية خلال الاستحقاقات القادمة.

في الواقع، المسلم في فرنسا غدا إشكالًا سياسيًا، ولهذا نسعى داخل الاتحاد الديموقراطي لمسلمي فرنسا إلى تقديم إجابة سياسية على هذا الواقع.

  • جواب سياسي، نعم، لكن في البيان الذي نشرتموه ردًا على خطاب ماكرون، استعملتم في وصفه اصطلاحًا ذا حمولة دينية: "الحملة الصليبية الجديدة". هل بالنسبة لكم، ولحزبكم، ما يقع هو هجومٌ ذو طبيعة دينية؟

مبدئيًا عندما نصغي جيدًا إلى خطاب ماكرون يتملكنا الإحساس أن هذه الانعزالية حصرٌ على المسلمين، في حين توجد حركات عديدة لها توجه انفصالي صريح في فرنسا، عندك مثلًا في جزيرة كورسيكا، إقليم الباسك أو البريتاني حركات استقلالية تطالب بخروج من الجمهورية. كنا نظن أن الخطاب سيتحدثُ عن هذه الحركات، لكنه بالمقابل تطرّق لشيء آخرَ ولم يشر إليهم لا من قريب ولا من بعيد، ما يبيّن لنا في الأخير أن المسلمين وحدهم من يمثلون مشكلًا لماكرون.

والأدهى أنه بعدَ الخطاب مباشرة، سجلنا هجومًا شرسًا على الحريات الفردية، فعدد من الجمعيات المسلمة تم حلّها في الأيام الماضية، ومؤسسات كانت تدرس اللغة العربية والقرآن تمّ إغلاقها، مع ترجيح استمرار الأمور على هذا الحال مستقبلًا. لذلك فاصطلاح "الحملة الصليبية الجديدة" في هذا السياق بالضبط، وفي نظري، لا يمثّل أي استفزاز، بالقدر الذي يسعى إلى خلق صدى لما يقع من استهداف للمسليمن في فرنسا، والتي من المفترض أنها دولة حقٍ وقانون.

ما نعيشه الآن هو سيادة جوّ من الاشتباه المستمر، والاشتباه القائم على أساس ديني، بمعنى إذا كنت مسلم وتدرس اللغة العربية أو القرآن، فأنت مشتبه به إلى أن تثبث براءتك. وهذا ما ندينه في حزبنا.

  • من جانبكم، كيف تفسّرون ما يسميه ماكرون بـ" الانعزالية"؟

كما تعلمون أنه قبل "الانعزالية" كان هناك مصطلح الطائفية Le communautarisme ، والذي هو الآخر تعذّر علينا تفسيره بشكل تام. ففي فرنسا هناك عدد كبير من الطوائف والجاليات، وهي ليست بالضرور دينية،  ما يجعلُ الحديث عنها كمشكلة مدعاة للاستغراب. فالطائفة في فرنسا ليست ولم تكن من قبلُ مشكلًا، بالمقابل المشكل هو أن هذا الاصطلاح صمم تمامًا لوسم الجالية المسلمة.

من وقف وراء هذا الأمر هو اليمين المتطرّف الفرنسي، الذي طوّر الخطاب القائل بأن مسلمي فرنسا يرغبون في فرض قوانينهم وشرائعهم على الجمهورية. بالمقابل، ما أقدم عليه ماكرون هو استلام المشعل من يد هذا اليمين، مقترضًا منه مفهومه للطائفية الذي كان يبدو لأول وهلة ضبابيًا، معوضًا إيّاه بمصطلح "الانعزالية" على أنها الإرادة لفرض قوانينَ خاصة في وجه القوانين الجمهورية. إجمالًا، ماكرون وبهذا المصطلح لم يقم إلا بجعل المصطلح اليميني المتطرف أكثرَ دقة من الناحية النظرية.

آزرقي: نستمرُّ في العيش تحت الاشتباه، فأنا مثلًا ومع أنني أعيش وفقًا لمبادئ الجمهورية، فبداية من اسمي الشخصي وأصولي العرقية، قبلَ  الوصول إلى معتقداتي الدينية، أمثلُ تمامًا بروفايل مشتبهٍ به

  • هل هناك فعلًا خطرُ "انعزالية إسلامية" في فرنسا؟

بطبيعة الحال هناك أحداث إجرامية، وهناك قراءات فردية متشددة للدين، يعارضون مثلًا الاختلاط أو مصافحة النساء إلى آخره.. لكن هذه المظاهر هي الأخرى ليست حكرًا على المسلمين، فهي موجودة كذلك عند المسيحيين الإنجيليين واليهود الأرثودوكس. ما قام به اليمين المتطرف، هو تضخيم وجود هذه المظاهر عندَ الجالية المسلمة، ما منح الإحساس بأننا نحن كمسلمين كل ما نهتم به هو الفصل بين الرجال والنساء، وأننا نرى في المرأة الخطرَ المحدق لهذا نريد تحجيب كلّ نسائنا، وأننا نود إغراق البلاد بالمدارس القرآنية.. وهذا غيرُ صحيح، فغالبية الجالية المسلمة تعيش وفقًا للقوانين الجمهورية، وليست لديها هذه القراءات المتشددة للدين.

لكن مع ذلك نستمرُّ في العيش تحت الاشتباه، فأنا مثلًا ومع أنني أعيش وفقًا لمبادئ الجمهورية، فبداية من اسمي الشخصي وأصولي العرقية، قبلَ  الوصول إلى معتقداتي الدينية، أمثلُ تمامًا بروفايل مشتبهٍ به. إذن هناك شعورٌ عام بالاشتباه وعدم الثقة في صدق الجالية المسلمة، حتى أن اليمين المتطرف عاد يقترضُ مصطلح "التقية" لوصفنا: أي أننا نخفي نوايانا الحقيقية بالتآمر على الجمهورية. للأسف نظريات المؤامرة هذه أصبحت تغذي بشكل كبير الساحة السياسية الفرنسية خلال السنوات الأخيرة.

  • طالما لاحقت تجربتكم السياسية في الاتحاد الديموقراطي لمسلمي فرنسا اتهامات بـ "الطائفية"، آخرُها كان على لسان سيباستيان ليكورنو، وزير الجماعات الترابية، الذي رشق لوائح ترشيحكم للانتخابات المحلية الأخيرة بنفس الوصف. هل هذا يعني أن الساحة السياسية الفرنسية لا زالت ممتنعة أمام مشاركة المسلمين؟

في فرنسا هناك مثلًا الحزب الديمقراطي المسيحي، الذي يرأسه حاليًا جان فريديريك بواسون، وأسسته كريستين بوتان سنة 2009، كما تلاحظ هو حديث المنشأ. له ارتباطات وثيقة باليمين، الوسط، وحتى اليمين المتطرف من الساحة السياسية الفرنسية، وسبق له أن شارك في الأدوار الأولى للانتخابات الرئاسية. هذا الحزب لا يقابل باتهامات بـ "الطائفية"، لأن فرنسا لها أصول مسيحية يهودية، فهم يعتبرون وجود حزب مسيحي أمر طبيعي جدًا. فيما اللحظة التي تبرز  تناقض معاييرهم هذه، هي عندما يقولون إن وجود حزب مسلم في فرنسا ليس إلا لفرض تقاليده وشرائعه الدينية التي تعارض القوانين الجمهورية.

إذن فالأمر يتعلّقُ بخطاب سياسي خطير يحاول تصوير المسلمين كأعداء، رغم أنهم يمثلون لأجيالَ عديدة جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي الفرنسي، وأنهم ضحوا بأنفسهم إلى جانب الجمهورية لتخليصها من الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية، وأن لهم الفضلَ الكبير بإسهامهم الحضاري والمعرفي في نهضة أوروبا وخروجها من الظلام. لا زال هناك من يرى في المسلمين ذلك العدو الذي يريد جرّ أوروبا إلى الانحطاط والرجعية.

نحن في حزبنا واعون بأن الأمر يتعلق بخصوم سياسيين يعمدون إلى تشويه سمعتنا، بالقول إننا كحزب لمسلمي فرنسا نهدف لخرق قوانين الجمهورية، وبخطاب الكيل بمكيالين لأنه في الجهة المقابلة يقبلون بوجود حزب مسيحي. هذا أيضًا يدل على أننا نمثل لهم مشكلًا سياسيًا، خاصة ونحن ننجح في استمالة جزء من الكتلة الناخبة لصفنا، ونثبت لهم أننا ننجح وفقًا للقواعد الديموقراطية. وأنهم عاجزون على منعنا من النشاط، وقد حاولوا ذلك، لكن ولحسن الحظ الدستور الفرنسي يحمي نشاط أحزاب كالاتحاد الديموقراطي لمسلمي فرنسا. لهذا نقدمُ أنفسنا كمعارضة سياسية لسياسة التخوين والنيل من السمعة، والتي أعتبرها سياسة إسلاموفوبية.

  • في النهاية، أنتم حزب لمسلمي فرنسا وحزب علماني في نفس الوقت. هذه التوليفة التي طالما مثلّت طموحًا للقوى التقدمية في العالم العربي، ومحط سجال بين مختلف الفرقاء السياسيين الآخرين. ما هي وصفة نجاح حزبكم في تحقيقها؟

حقيقة، جانب كبير من هذا النجاح يعود لأن فرنسا لها تاريخ عريق في تطبيق العلمانية، وعكس الفكرة الرائجة فالعلمانية لا تعني حربًا ضدّ الاعتقاد الديني، كما يروّج لذلك اليمين المتطرف، بل أتت في الأصل لحماية مختلف المعتقدات الدينية. والمادة الأولى من الدستور الفرنسي القائلة بأن " فرنسا جمهورية علمانية غير قابلة للتجزئة"، تضمن ذلك. والمقصود بأن الدولة محايدة اتجاه أي ديانة، تسمح بحريّة تامة لكل المعتقدات، وتحمي وتحترم كل ممارسة الدينية.

آزرقي: الأمر يتعلّقُ بخطاب سياسي خطير يحاول تصوير المسلمين كأعداء، رغم أنهم يمثلون لأجيالَ عديدة جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي الفرنسي

بالمقابل ما يقدمه اليمين المتطرف هو العلمانية كسدّ أمام الإسلام، وكمصادرة لحريات الاعتقاد لدى المواطنين ذوي الديانة الإسلامية، وهذا منافٍ للمبدأ العلمانية لأنها ليست اعتقادًا دينيًا، ومنافٍ كذلك للمبادئ الجمهورية التي تقر بأن تكون كثوليكيًا، بروتيستانتيًا، يهوديًا أو مسلمًا، فهذا لا يتعارضُ وأسس الدستور الفرنسي. ومن هذه المبادئ الدستورية نقدّمُ أنفسنا كعلمانيين، جمهوريين ومسلمين.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

حوار| سلام الكواكبي: العزلة رقصة تحتاج إلى طرفين