22-أغسطس-2022
تداعيات مستمرة لاغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة (Getty)

ارتكبت إسرائيل جرائم حرب بحق الصحافيين الفلسطينيين (Getty)

إعداد: سفيان البالي وعز الدين أعرج

لم يكن اغتيال الصحافية الفلسطينية، شيرين أبو عاقلة، على بشاعته، لحظة استثنائية في تاريخ الصحافة الفلسطينية، بل ربما صورة يتكثف فيها تاريخ طويل من العنف والاستبداد. إذ لم تنفك إسرائيل طوال عقود تلت تأسيسها على أنقاض مئات آلاف الفلسطينيين، من استهداف العاملين في الصحافة، سواء لأنهم جزء من نسيج اجتماعي ووطني تسعى إلى القضاء عليه، أو لأنهم يمثلون كلمة حرة أمام آلة البطش الصهيونية.

يحاور "الترا صوت" أدناه مؤسسة "مراسلون بلا حدود"، وبشكل خاص صبرين بنّوي رئيسة قسم الشرق الأوسط في المنظمة، وكريستوفر ريتش المتحدث باسم قسم برلين

حسب تقرير صدر مؤخرًا، تَعرَّض أكثر من 144 صحفيًا، فلسطينيًا وأجنبيًا، لاعتداءات جيش الاحتلال خلال تغطيتهم الأحداث في فلسطين خلال السنوات الأربع الأخيرة فقط، بما في ذلك إطلاق النار عليهم، ورشقهم بالقنابل المسيلة للدموع والقنابل الصوتية، والضرب بالعصي، والسحل، مما خلَّف إصابات بليغة نتجت عن أغلبها عاهات دائمة، كفقدان الأطراف والأعين، والتشوهات في الوجه. كما تعرض أقرانهم في بعض وسائل الإعلام الدولية إلى إجراءات مجحفة وصلت إلى الفصل، لمجرد دعمهم حق الشعب الفلسطيني في الحياة، وفضحهم سياسات الفصل العنصري.

يحاور "الترا صوت" أدناه مؤسسة "مراسلون بلا حدود" لنقاش واقع الصحافيين في فلسطين. وبشكل خاص صبرين بنّوي رئيسة قسم الشرق الأوسط في المنظمة، وكريستوفر ريتش المتحدث باسم قسم برلين. يعكس هذا الحوار الواقع المأساوي للعاملين في الإعلام في فلسطين، ليس فقط من خلال ما يقوله ممثلو المؤسسة عن الانتهاكات الإسرائيلية، ولكن من خلال ما يحجبونه أيضًا.

 في حين رفضت بنّوي إجابة أسئلة تتعلق بحملة خاضتها وسائل إعلام ألمانية مؤخرًا ضد صحافيين فلسطينيين، تحت مبرر أن الإجابة على هذا السؤال ليس من اختصاصها، توجهنا إلى مكتب المنظمة في برلين، الذي اعتبر بصورة لا تخلو من مفارقة، أن طرد صحافيين على خلفية تغريدات انتقدوا فيها إسرائيل، ليس جزءًا من ملف حرية الصحافة، وإنما مسألة داخلية تتعلق بالشبكة الإعلامية نفسها وقواعدها التحريرية. وهي إجابات تخبر بأكثر مما تقول، وتطرح أسئلة ملحة يعرفها الفلسطينيون جيدًا، تتعلق بمن يحق له الكلام، ومن يكون قمع صوته انتهاكًا.

  • في نظركم، ما الذي مثله اغتيال شيرين أبو عاقلة بالنسبة للرأي العام الدولي، والمدافعين عن حرية الصحافة على وجه التحديد؟ 

صبرينا بنوي: حظي اغتيال شيرين أبو عاقلة بصدى عالمي، نظرًا لما عرفت به من عمل داخل وسائل الإعلام الدولية، دون إغفال أنها تمتلك أيضًا الجنسية الأمريكية. إنه لمن المحزن قول هذا، لكن حقيقة أنها وجه إعلامي بارز، معروف لسنوات بمهنيته الكبيرة، سمحت بتسليط الضوء أكثر على مقتلها، وكذا بتحرك الرأي العام الدولي في هذه القضية.  وللأسف قتل الصحفيين – والمدنيين الفلسطينيين بشكل عام – من قبل الجيش الإسرائيلي، أصبح أمرًا متكررًا. وفي هذا السياق نذكر بمقتل الصحفيين أحمد أبو حسين وياسر مرتجى عام 2018 في قطاع غزة، ومؤخرًا مقتل الصحفية غفران وراسنة في الضفة الغربية.

  • بوصفكم منظَّمة معنية بالدفاع عن حرية الصحافة، هل ستنخرطون في متابعة الجناة في قضية اغتيال شرين أبو عاقلة؟ وكيف ستقومون بذلك؟ 

صبرينا بنوي: لقد وضعنا شكاية لدى محكمة العدل الدولية عام 2018 من أجل محاسبة الجيش الإسرائيلي على ارتكابه جرائم حرب، بعد اغتياله الصحفيين أحمد أبو حسين وياسر مرتجى، لأنه تم استهدافهم بشكل متعمد من قبل الجنود الإسرائيليين، الذين أطلقوا رصاصًا حيًا على صحفيين كانوا يرتدون الخوذ والسترات التي تدل على أنهم من الصحافة. وفي حالة شرين أبو عاقلة، نحن ندعو إلى تحقيق دولي مستقل في القضية، حيث لا توجد أي إرادة سياسية لدى السلطات الإسرائيلية للاعتراف بجرائمها، ورفع الحصانة عن جنودها لما يرتكبونه في حق المدنيين عامة، والصحفيين على وجه أخص.

  • كيف تصفون وضعية حرية الصحافة في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ 

صبرينا بنوي: الصحفيون الفلسطينيون يواجهون تضييقًا مزدوجًا: ذلك المفروض عليهم من قبل السلطات الفلسطينية (حماس والسلطة في الضفة الغربية)، والمفروض من قبل الاحتلال الإسرائيلي. والانتهاكات ممنهجة: كل أسبوع تصلنا إشعارات وتوثيقات لوقائع عنف ضد الصحفيين، اعتقالات ومنع من التصوير ومن التواجد في مواقع الحدث. وفي أسوأ الحالات، يمكن أن يفقد صحفيون حياتهم وهم يزاولون المهنة، كما هو الحال في قضية شيرين أبو عاقلة، أو أيضًا كضحايا للهجمات الإسرائيلية كالقصف الذي تعرض له قطاع غزة في مايو/ أيار 2021. 

  • هل لديكم برامج خاصة للدفاع عن الصحفيين الفلسطينيين أمام ما يعانونه من قتل وقمع واعتقالات؟ 

صبرينا بنوي: لقد أطلقنا حملة ضد المنع التعسفي من السفر الذي طال حوالي عشرين صحفيًا فلسطينيًا، من بينهم الفائزة بنسخة 2021 لجائزة "مراسلون بلا حدود" للصحافة المستقلة، الصحفية مجدولين حسونة، الممنوعة من السفر منذ 2019. وبمعية المنظمة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان أطلقنا وسم #LetMajdoleenOut. وللأسف، لا تزال السلطات الإسرائيلية تقابل مطالباتنا بسياسة الآذان الصماء.

  • تتبنى مؤسسات إعلامية تعريفات أيدولوجية لمعاداة السامية، يصبح بموجبها أي نقد للوضع الحقوقي في إسرائيل محظورًا. ألا يمثل هذا انتهاكًا لحرية التعبير والصحافة؟

كريستوفر ريتش: على العموم، واجب وسائل الإعلام أن تغطي الأحداث الحاصلة وتعلق عليها دون أي تحيزات أو افتراضات أيديولوجية قبلية. ويجب أن يكون دائمًا من حق الصحفي – والمتلقي بشكل عام – أن ينتقد ما يجب انتقاده. بالمقابل، اعتبار أي انتقاد لوضعية حقوق الإنسان بفلسطين عمل عير قانوني، هو بطبيعة الحال مس بحرية التعبير وحرية الصحافة.

صبرينا بنوي: الصحفيون الفلسطينيون يواجهون تضييقًا مزدوجًا: من قبل السلطات الفلسطينية زمن قبل الاحتلال الإسرائيلي

مثلاً هناك شبكة ألمانية أقالت عددًا من الصحفيين لتضامنهم مع الشعب الفلسطيني أو انتقادهم إسرائيل، هل يدخل هذا كذلك في حيز المس بحرية الصحافة؟ وهل تخرط منظمتكم في الدفاع عنهم؟ 

كريستوفر ريتش: لقد ناقشنا كثيرًا هذا الأمر وقت حدوثه، لكن من وجهة نظرنا في "مراسلون بلا حدود"، فهذه مسألة داخلية للشبكة، حول مدى التزام أولئك الصحفيين بقواعد المؤسسة التي يشتغلون لصالحها. وبالتالي، لا نرى أن هناك حالة مساس بحرية الصحافة في هذه القضية. ومع ذلك، هي في الحقيقة وضعية معقَّدة، ونحن نتفهم اعتقاد بعض الصحفيين المطرودين أن إقالتهم تتعدى كونها لأسباب تتعلق بهم شخصيًا، وعلى الأقل واحد من هؤلاء الصحفيين اختار اللجوء إلى القضاء ضد قرار المؤسسة بتسريحه. ونحن بطبيعة الحال نتابع هذه القضية، كما نتابع قضايا أخرى.