1. ثقافة
  2. أدب

حوار| سمر محفوظ برّاج: نشهد جرأة في الكتابة لليافعين بما يراعي التقاليد

26 أغسطس 2025
سمر محفوظ برّاج (ألترا صوت)
سمر محفوظ برّاج (ألترا صوت)
هديل عطا الله هديل عطا الله

منذ طفولتها الُمبكرة، كانت سمر محفوظ برّاج تعشق قراءة القصص وبدأت حينها في كتابة يومياتها، وفي مرحلتَي الَمدرسة والجامعة، كانت اللغة العربية هي المادة المُفضَلة لديها، إلا أن فكرة أن تُصبح كاتبة، لم تخطر ببالها وقتئذ.

اختارت دراسة تخصص لم يستهوها كثيرًا، وعملت في وظيفة إدارية في إحدى الشركات، لكن بعد فترةٍ، قررت العودة إلى الجامعة للحصول على شهادة في تعليم اللغة العربية، ثم انطلقت في مهنة التدريس، بداية مع الأطفال في مرحلة الروضات ولاحقًا في المرحلة الابتدائية، هذا التحوّل فتح لها آفاقًا جديدة في حياتها المهنية، لتكتشف لاحقًا شغفها بكتابة أدب الطفل.

سمر محفوظ براج، مؤلفة لأكثر من 60 كتابًا للأطفال واليافعين ومُترجِمة. حصدت خمس جوائز، أُدرج عددٌ من كتبها في لوائح قصيرة وطويلة لجوائز مرموقة وقوائم شرف عربية ودولية. وقد اُختيرت كتب ألّفتها وترجمتها؛ ضمن قائمة أفضل 100 كتاب للأطفال واليافعين، وفق تصنيف معهد العالم العربي في باريس، وجرى ترشيحها لجائزة "هانس أندرسن" لعام 2024 عن فئة كتابة قصص الأطفال عن لبنان.

تقول برّاج في مستهل حديثها لـ "ألترا صوت": "بدأت رحلتي مع الكتابة للطفل خلال فترة التعليم. كتبتُ الأغاني والأشعار للصّغار جدًّا واستخدمتها لإمتاعهم ولتحقيق أهداف تعليميّة بطريقة محبّبة وغير مباشرة، كما كتبت مسرحيات لمناسباتٍ مختلفة. حين انتقلت إلى التدريس في المرحلة الابتدائية، لاحظت أن الأطفال يجدون اللغة العربية صعبة ويفضّلون عليها اللغة الأجنبية، خصوصًا عند قراءة القصص. دفعني ذلك إلى جلب قصص باللغة العربية وقراءتها لتلاميذي في الصّف، بحيث تدعم القصّة الدرس أو تمهّد له. حرصتُ على اختيار قصص طريفة قريبة من عالمهم، لغتها سهلة وبسيطة، وقد تفاعل الأطفال – في ذلك الحين – مع تلك القصص وأحبّوها".

سمر محفوظ براج، مؤلفة لأكثر من 60 كتابًا للأطفال واليافعين ومُترجِمة. حصدت خمس جوائز، أُدرج عددٌ من كتبها في لوائح قصيرة وطويلة لجوائز مرموقة وقوائم شرف عربية ودولية

وعن بداية رحلتها في كتابة القصص للأطفال، تضيف: "ذات يوم، وفي أثناء تحضيري درسًا عن المهن، لم أجد قصّة طريفة تناسب الموضوع، حينها قررت أن أكتب نصًا بنفسي أحبّه الأطفال كثيرًا، كان عنوانه: "لم أكن أقصد"، وهو أول كتاب لي ونُشر عام 2007. هكذا بدأ مشواري مع عالم الكتابة، كتبت خلاله للأطفال من مختلف الفئات العمرية وصولًا لفئة اليافعين، إلّا أنّني مع ذلك، أجدُّ متعة خاصة في الكتابة للأطفال من سنّ الطّفولة المبكّرة حتى تسع سنوات".

تكمل سمر حديثها بابتسامة: "اكتشاف شغفي بالكتابة قادني إلى اتخاذ قرار ترك مِهنة التعليم بعد عشر سنوات، لأتفرغ تمامًا للكتابة. أتاح لي ذلك فُرصة أوسع للقاء الأطفال وقراءة قصصي لهم في المدارس والمعارض والمكتبات العامّة إلى جانب تقديم ورش الكتابة الإبداعيّة في لبنان وفي الخارج".

وتضيف:"كلما ألتقي بالأطفال وألمس تأثير قصصي عليهم وتفاعلهم معها، أشعر برضا كبير، كما أفرح بردود الفعل الإيجابيّة التي تصلني من الأهالي والمعلمين ومسؤولي المكتبات وغيرهم".

وفي السياق ذاته توضح: "أشعر بدافعٍ قوي للاستمرار عندما يشارك الأطفال أفكارهم ويبتكرون قصصهم الخاصة في ورش الكتابة الإبداعية، المساهمة في إطلاق خيالهم والتواصل معهم هو متعة حقيقية بحدّ ذاتها، بالنّسبة إليّ، من أهمّ ما يطمح إليه الكاتب في أدب الطّفل، هو أن تترك قصصه أثرًا إيجابيًا، ولو بسيطًا، في نفوس الأطفال، وأن تلهمهم بأفكار مُهمِة تساهم في بناء شخصياتهم وبالتّالي بناء جيل واعٍ ومبدع ومنفتح على الآخر، لديه قدرة على التفكير والتحليل، وتقبّل الآخرين، مما يقود إلى مجتمع أكثر وعيًا وابتكارًا".

ما تتطلّبه رحلة الكتابة

تأخذنا الكاتبة سمر في رحلة إلى طفولتها التي ما زالت تسكنها، فتقول: "كان أبي يعمل خارج البلاد، واضطرت أمي إلى مرافقته. قرر والداي أن أبقى مع جدتي في بيروت لأواصل تعليمي. كانت "ستّي" حنونة جدًّا، تهتم بي وتقصّ عليّ الحكايات قبل النوم، تلك اللحظات كانت من أجمل ذكريات طفولتي التي ما تزال عالقة في ذهني".

كبرت سمر وتعلمت القراءة، كانت تستعير الكُتب من مكتبة المدرسة بشوقٍ، وتغمرها الفرحة كلما اصطحبتها عائلتها إلى المكتبة هُناك، كانت تحظى بحرية اختيار القصص التي تحب، مما عزَّز شغفها بالقراءة، خلال تلك المرحلة، قرأت باللغتين العربية والفرنسية، وأصبحت القصص عندها وسيلة ممتعة للتّسلية ولتغذية خيالها وتنمية معرفتها.

تخبرنا عن خطواتها الأولى في كتابة القصص، بقولها: "حين بدأت الكتابة، أدركت أن عليّ أن أقرأ كثيرًا لتطوير قُدراتي. اطّلعت على مؤلّفات عدّة لعددٍ كبير من كُتّاب الأطفال العرب والأجانب، حرصت من خلال نصوصي على أن أتجنب أسلوب الإرشاد والوعظ الذي ينفر منه الطّفل، لتأتي القصص مسليّة وممتعة وقريبة منه، ركّزت على ما يحبّه الطّفل في مختلف المراحل العُمرية، وحرصت على دراسة خصائص كل مرحلة عُمريّة بما فيها قدرات الطّفل الذهنيّة واللّغويّة وغيرها، وهي أمور من المُهِم مراعاتها، القصة وسيلة مهمة لإيصال فكرة أو قيمة للطفل، فمن خلال قصة تروي تجربة شخصية تمرّ بموقف معين، يستنتج الطفل ويتعلّم أمورًا كثيرة تتعلّق بالقيم والسّلوكيّات وطُرق حل المشاكل وتجاوز الصّعاب ومراعاة مشاعر الآخرين وغيرها".

وفي هذا الصدد، توجز لنا أبرز مقومات النجاح في حقلٍ كهذا: "لتنجح في كتابة القصص للأطفال، من المهمّ أن يكون لديك معرفة في علم النفس التربوي، فهو مفتاح الوصول إلى عقل الطفل مهما كانت مرحلته العمرية، كما أن فهم احتياجات الأطفال ضرورة، خصوصًا مع تنوع البيئات الثقافية والاجتماعية في العالم العربي. يجب أن نحاول فهم طريقة تفكير الأطفال وتأثير ما نكتبه عليهم، وأن نبسّط اللغة لتكون القصة ممتعة وسلسة، بحيث يتعلم الطفل مفردات جديدة دون أن يشعر بالصعوبة".

وتشير الكاتبة في ثنايا الحوار إلى أن "الكاتب يَفرح عندما يلمس التقدير من محيطه، سواء من أشخاص عاديين، من تلامذته، وزملائه، أم من المعنييّن في المؤسسات والمكتبات والمدارس. هذا التقدير يمنحه دافعًا قويًا للاستمرار، لكنّه في الوقت نفسه يلقي على عاتقه مسؤولية أكبر لتقديم محتوى قيّم يليق بالطفل العربي ويحترم تفكيره وذكاءه ويحثّه على القراءة بلغته الأم".

حين بدأت الكتابة، أدركت أن عليّ أن أقرأ كثيرًا لتطوير قُدراتي. اطّلعت على مؤلّفات عدّة لعددٍ كبير من كُتّاب الأطفال العرب والأجانب، حرصت من خلال نصوصي على أن أتجنب أسلوب الإرشاد والوعظ الذي ينفر منه الطّفل

وتتطرق إلى أحد التحديات الأساسية التي تواجه كتّاب قصص الأطفال، وهو إيجاد التوازن بين استخدام اللغة العربية الفصحى وفي الوقت ذاته الحفاظ على بساطتها وسلاستها، بحيث تكون قريبة من فهم الطفل. 

تشرح لنا ما تعنيه: "في المراحل العمرية الصّغيرة، من المهم أن تكون اللّغة المستخدمة سهلة وبسيطة مع استخدام المفردات والعبارات الصحيحة والقريبة من اللّغة العامية، لأن الهدف هو التسلية والإمتاع والتشجيع على القراءة، إنْ شعر الطفل أن النصّ صعب أو لا يتناسب مع قدراته اللغوية، فإنه ببساطة لن يواصل القراءة".

أما التحديات الُأخرى في هذا المجال، فتلفت الكاتبة إلى أن أهمها يتمثل في تقديم موضوعات جديدة ومفيدة تجذب الطفل، تلهمه وتعزّز خياله، مع اختيار مدخل ومقاربة مناسبة، خصوصًا إذا كان الموضوع حساسًا.

وتبيّن: "في عددٍ من الموضوعات التي تناولتها في قصصي، أجريت بحثًا عن الموضوع قبل البدء في الكتابة، وبعد إنجاز النّص لجأت إلى استشارة مختصّين نفسيين للتأكد من عدم وجود أيّ تأثير سلبي على الطفل. من الضروري أن يبحث الكاتب ويدقق في تأثير ما يقدمه، لأن هذا الأمر لا يُمكن تجاهله أبدًا".

وتلّخص الكاتبة تأثير القصص على الأطفال بقولها: "القصص أداة قوية لتعزيز الخيال، فهي إضافة إلى كونها وسيلة للترفيه، تفتح أمام الطفل آفاقًا جديدة للتفكير والإبداع، تساعده على تخيل عوالم جديدة، على ابتكار أفكار مختلفة، وربط الأحداث بواقعه، إلى جانب ذلك، تعزز القصة مهارات التفكير النقدي بدفع الطفل إلى التفكير والتّحليل، وتدعم فهمه للمشاعر".

وتزيد بالقول: "تلعب قراءة القصص أيضًا دورًا في تعريف الأطفال بالثقافات والتُراث، وتشجعهم على طرح الأسئلة والاستكشاف، كما أن قراءة القصص للأطفال منذ الصغر تقوي الروابط العائلية، بخلق لحظاتٍ خاصة بين الوالدين وأطفالهما فتكون فرصة للحوار وتبادل الأفكار، مما يسهم في بناء شخصيات منفتحة ومبدعة وقادرة على التّعبير بحريّة".

قد تكون قصة عادية

عند الحديث عن النقاط التي يُفضّل أن يراعيها كاتب أدب الطفل، تسترسل سمر:"من الجيّد أن يحدّد الكاتب الفئة العمرية المستهدفة، ويختار فكرة مناسبة وقريبة من اهتمامات الطفل في هذه المرحلة ليجد متعة في القراءة عنها، ومن الُمهِم تجنب العبارات الطويلة أو المعاني المجازية المعقدة".

وتستدرك: "لكن في بعض الأحيان، قد نبدأ الكتابة دون تحديد دقيق للفئة العُمرية، إذ تأتي الفكرة أولًا، ثم تتضح الفئة في أثناء تطوير النصّ، يتطلب ذلك من الكاتب أن يراجع النصّ بعناية ويعدل لغته وأسلوبه ليتلاءم مع سنّ الطّفل المستهدف".

وتضيف بعض التفاصيل بقولها: "من المفيد أن يتضمن النصّ عنصر الحوار إلى جانب التشويق، وأن يمتزج بالطرافة والمرح، مما يجعله جذابًا وممتعًا، والأهم من ذلك، أن يفتح النصّ أمام الطفل مجالًا للخيال، بحيث يتيح له فرصة الاستنتاج وتحليل الأحداث بما يتناسب مع قدراته الذّهنيّة. بهذا الأسلوب، لا يقتصر دور القصة على الترفيه، بل تصبح وسيلة لتعزيز التفكير والإبداع لديه".

وتركّز الكاتبة على أهمية تجنّب اعتماد أسلوب الوعظ والإرشاد عند الكتابة للطفل، مفسّرة ذلك: "يكون الكاتب أكثر إقناعًا عندما يتحدث باعتباره طفلًا، وليس شخصًا راشدًا يخبر الطفل بما يجب عليه فعله. علينا أن نتذكر أن الأطفال أذكياء ولا يحبون الدروس المباشرة، أما إذا كانت الرسائل غير مباشرة وقُدّمت بطريقة مناسبة، فسيتمكن الطفل من استنتاجها بنفسه".

وتمضي في حديثها قائلة: "عندما أكتب لطفلٍ في الخامسة من عمره، أتخيّل نفسي في مثل سنّه. أفكر بطريقته، أستخدم لغة تناسبه، وأشعر كما يشعر. أحاول أن أتصرف كما يتصرف هو في موقف معين. إذا تجاهلت هذه النقاط، فلن أتمكن من الوصول إلى الهدف الذي أسعى إليه".

من المفيد أن يتضمن النصّ عنصر الحوار إلى جانب التشويق، وأن يمتزج بالطرافة والمرح، مما يجعله جذابًا وممتعًا، والأهم من ذلك، أن يفتح النصّ أمام الطفل مجالًا للخيال، بحيث يتيح له فرصة الاستنتاج وتحليل الأحداث بما يتناسب مع قدراته الذّهنيّة

أسألها عن دور الرسم، فتقول: "إن كان النصّ جيدًا والرسم والتصميم الفنّي ليسا بنفس القوة، فذلك قد يؤثر سلبًا على الكتاب. والرسم الجميل لا يقتصر على تصوير أحداث القصة كما تحصل فحسب، بل يضيف تفاصيل وروحًا ومعنى إبداعيًا للنصّ. هنا يأتي دور دار النّشر في الاهتمام بكل تفاصيل الكتاب، بدءًا بالنصّ؛ وصولًا إلى التصميم والإخراج اللّذين يلعبان دورًا كبيرًا في تعزيز القصة وجذب انتباه الطفل".

وتؤكد: "لقد تعلمت أن الكتاب المتكامل هو الذي يجمع بين النصّ الجيّد والرسم والإخراج والإنتاج بجودةٍ عالية".

كما تشير إلى أهمية اختيار عنوان لافت للكتاب: "اختيار عنوان مميّز للكتاب يؤثر إيجابًا عليه. العنوان مُهِمّ ويلفت نظر الطفل على الغلاف الخارجي وقد يشدّه لقراءة الكتاب، ولذلك يجب أن يكون مثيرًا وجذابًا بما يتناسب مع مضمون القصة".

ومن الموضوعات التي لاقت صدى في أعمالها، تبرز موضوعات مثل التنمر في قصص: "يد ناجي"، و"رِجل شادي" و"فم إيناس" للصّغار جدًّا، وكذلك موضوع عدم السّماح بأيّ تصرّف غير مقبول منذ البداية والتعلم من الخبرات السابقة في كتاب "شربر جائع" الموجّه للأعمار كافة، الذي يتناول أفكار عديدة يمكن فهمها بمستوياتٍ مختلفة، أما كتابها "أصدقاء في الفضاء"، فهو يحمل رسالة ضمنية للأهل والمعلمين والكتّاب، مفادها: "دعوا الطفل يختار ويتخيل، ولا تتدخلوا في اختياراته".

ولديها إيمان راسخ بما يلي: "أردت أن أعبّر عن رأيي في أننا لا يجب أن نكتب دائمًا، لأن القصة تتناسب مع المنهاج أو تلبي قيمة معينة. أحيانًا يكفي أن نكتب لنُسلّي الطفل، قد تكون القصة مجرد وسيلة ممتعة تحفّز للخيال، وفي الوقت نفسه تشجع الطفل على القراءة دون أن تحمل رسالة أو قيمة محددة".

تنوع مصادر الإلهام

"لعل من ألطف ما يحدث لـسمر برّاج، كما تؤكد، أنها مهما كبرت، فإن شعور الطفولة لا يغادرها. هي تلتقي باستمرار بالأطفال، وتتحاور معهم حول مواضيع القصص، مما يمنحها قدرة أكبر على تقديم محتوى قريب منهم، يحبونه ويستمتعون به.

وبالانتقال إلى الشعور الداخلي بالطفولة، فإنها تذكر مصادر الإلهام التي تستوحي منها قصصها، إذ من الطبيعي أن تكون طفولتها وما تحمله من ذكرياتٍ هي المصدر الأول، إضافة إلى أحداث حصلت مع إخوتها وابنتيها أو أطفال آخرين من العائلة.

إلى جانب ذلك، استوحت أفكارها من تلاميذها أيضًا، مثل قصة "كرة كرة"، التي استوحتها من تلميذ كان يحبّ لعبة كرة القدم إلى درجة الهَوس، لكن والدته لم توافق على انضمامه للنادي، كي لا تتراجع علاماته.

وتبتسم بمجرد أن تتذكر: "كان لديّ تلميذ لاحظت أنه لا يرى جيدًا، وحين تحدثت مع أمه، أخبرتني بأنه كان يخجل من ارتداء النظارة خوفًا من سخرية أصدقائه منه، فتذكّرت حادثة حصلت معي في طفولتي حين استعرت نظارة صديقتي رغم أنني لم أكن بحاجة إليها، فقط لأنني كنت أتمنّى أن أضع نظارة"، فكتبت قصّة " أنا أيضًا أريد".

من الطبيعي أن تكون طفولتها وما تحمله من ذكرياتٍ هي المصدر الأول، إضافة إلى أحداث حصلت مع إخوتها وابنتيها أو أطفال آخرين من العائلة

وعلى صعيد آخر، ترى أن الأمومة تدعم الكاتبة التي تقرّر الكتابة للطفل، وتفسر ذلك قائلة: "تمنح تجربة الأمومة الكاتبة إدراكًا أعمق لاحتياجات الطفل العاطفية والفكرية، ومعرفة بقدراته اللغوية والذهنية، وهذا ينعكس جليًّا على ما تكتبه، ولا ننسى أن تواصل الأم مع طفلها وما يقع في حياته اليومية من مشكلاتٍ ومساهمتها في حلها، يساعد في تحديد اللغة البسيطة التي يفهمها الطفل، واختيار الأفكار والقِيم التي تريد إيصالها من خلال قصصها. كما يمكنها اختبار القصص عبر قراءتها لأطفالها، فتكتشف مدى تقبلهم لها، وإذا كانت المواضيع تثير اهتمامهم أم لا".

وحين يأتي الحديث عن ابنتيها، تحكي لنا: "في صغرهما، كنت أقرأ لهما القصص، وأعرف ما تفضّله كلّ منهما. ومن خلال حواراتي معهما، تعرّفت عن كثبٍ إلى طبيعة كل مرحلة عمرية، واستوحيت منهما أفكارًا عديدة أضفت إليها وحوّلتها إلى قصص ككتب: "أريد حيوانًا أليفًا"، وأفتش عن هواية، وأمي والتدخين".

ولسمر وجهة نظر في حال لم تكن الكاتبة أُمًا، حيث ترى أنه يمكن للمعلمة أن تكون كاتبة جيدة، لأن تفاعلها المستمر مع الأطفال على مدار سنوات طويلة يكسبها معرفة أكبر بهم.

وتضيف: "هذا لا يمنع وجود أمثلة عن كاتباتٍ لسنَ أمهات أو معلمات، إلا أنهن يمتلكن الموهبة، وعبر قراءاتٍ ودراساتٍ وتواجد دائم مع الأطفال، استطعن مخاطبتهم بلغة جذابة".

وبطبيعة الحال، هناك مواضيع تلجأ فيها سمر محفوظ برّاج إلى الخيال، فتبتكر الشخصيات والأحداث، مثل كتاب "مشهور بالصّدفة" و"أصدقاء في الفضاء" وغيرها، وكتابها الأخير وهو من فئة "الكتاب بفصول" "جحا ومارد الإبريق فوشان"، الذي استوحته من التُراث الشعبي ودمجت فيه عدّة قصص شعبيّة في القصة نفسها، وقدّمتها في إطارٍ خياليّ وطريف يحصل في زمننا الحاضر.

وفي حديثها عن فئة "كتاب بفصول" و"فئة الكتاب العلمي"، بيّنت أن الفئة الأولى تُعدّ بمثابة تهيئة للكتاب الموجه لليافعين، حيث يتألف من أجزاءٍ، وعدد كلماته أكبر من الكتاب المصوّر.

أما الفئة الثانية، فتتناول مواضيع علمية تُقدّم في إطار قصصي، مثل الفضاء والكواكب والجسم البشري والطبيعة والبيئة والحشرات والطاقة، وتحتوي على معلوماتٍ علمية، تُقدّم بأسلوب مُبسَّط وجذاب. 

الرقابة الذاتية مع اليافعين

زارت سمر محفوظ برّاج معارض كتب في عددٍ من البلدان العربية والأجنبية، وشاركت في مؤتمرات ومهرجانات عديدة التقت فيها بعديد من الكُتّاب والرسّامين والنّاشرين واطّلعت على إصدارات في أدب الطّفل. 

عند سؤالها عن الكُتّاب الذين تأثرت بهم في هذا الحقل، تجيب: "حين بدأت مهنة التّعليم في عام 2002 وبدأت البحث عن قصص لتلاميذي، تأثرت كثيرًا بمؤلّفات دار الفتى العربي، والكاتب زكريّا تامر وغيرهم، وأذكر هُنا الكاتبة الأردنية الراحلة مارغو ملاتجليان، والكاتبة تغريد النجّار. لمست الحداثة في تلك الكتابات، ولفتتني اللغة البسيطة المختلفة والجذابة، بعيدًا عن الإطالة، والقدرة على الموازنة بين الأسلوب وإدخال قيمة أو فكرة بطريقةٍ سلسة وغير مباشرة.حاليًا حين أزور معارض الكُتب، أحرص على الاطّلاع على كلّ ما يصدر من كتب الأطفال التي تنشر للكُتّاب الزّملاء والكُتّاب الجدد، لا سيما الذين أثبتوا موهبتهم". 

نجحت بّراج في الكتابة عن موضوعات جديدة وحساسة بطريقةٍ لائقة ومناسبة، مثل قصة "عندما مرضت صديقتي"، التي تتحدث عن سرطان الأطفال، وكتاب "جدتي ستتذكرني دائمًا"، الذي يتناول مرض الزهايمر (الخرف) ويركّز على العلاقة بين جدة وحفيدتها.

كما كتبت كتاب "خط أحمر" الذي يحذر الطفل من التحرش الجنسي ويمنحه القوة والجرأة، دون أن يظهره ضحيةً، مع الحفاظ على طابع الطرافة والسلاسة، على الرغم من صعوبة الموضوع.

وعن تحديات الكتابة لليافعين، تقول: "أهم تحدٍّ هو ضرورة القيام بالرقابة الذاتية من قِبل الكاتب، بحيث تتمّ مراعاة العادات الاجتماعية وتجنُب التطرق لمواضيع قد لا تكون مقبولة في بعض المجتمعات؛ يجعل ذلك من الصعب على الكاتب التطرق إلى موضوعاتٍ تتوجّه لسن اليافعين ويرغبون في القراءة عنها، لكنّها قد لا تتناسب في الوقت نفسه مع العادات والقيم الثقافية والاجتماعية".

نجحت بّراج في الكتابة عن موضوعات جديدة وحساسة بطريقةٍ لائقة ومناسبة

وتلفت سمر النظر إلى أن معظم القصص الموجهة لليافعين تتضمّن المغامرات وقصص الخيال العلمي والقصص التراثيّة وغيرها، مستدركة قولها: "لكن من المثير للاهتمام أنه أخيرًا بدأنا نرى جرأة في طرح موضوعات صعبة بحرية أكبر، مثل موضوع المخدرات على سبيل المثال".

وتعتمد تقنيات الكتابة لليافع، كما تشير، على تجنب الإطالة والوصف، وعدم استخدام لغة صعبة وتراكيب لغويّة معقدة، بحيث تنساب الأحداث بسرعة وتشويق، خصوصًا أن بعض اليافعين قد يعتبرون اللّغة الفصحى صعبة، ما يستدعي إيجاد سبيلٍ للتوازن، كي لا يبتعدوا عن القراءة.

ومن جهة أخرى، تنبّه قائلة: "معظم الكتب التي تشدّ اليافع وتعالج مواضيع تسترعي اهتمامه، تتوفر في كتب باللغة الأجنبية؛ لذا يتوجه اليافعون لقراءتها بتلك اللّغة، كونها لا تتوفر باللغة العربية". 

في الكتابة لهذه الفئة، تناولت سمر مواضيع كالانفصال بين الوالدين في "غدي وروان"، والحرب التي كتبت عنها في كتاب "على ضوء الشّمعة" عام 2010، والهجرة، وإطلاق الأحكام المسبقة والتأقلم في مجتمع جديد في " اللون البنفسجي".

وفي فئة الكتاب المصوّر كتبت عن حقوق الطّفل، وعن الصداقة وتقبل الآخر كما في كتاب "صديقي" الذي يركّز على أهميّة الصداقة. وقد فاز هذا الكتاب عام 2017 عن فئة "الكتاب الواقعي"، وهي فئة ترّكز على مواضيع قريبة من واقع الطفل، ويعايشها في يومياته.

وعندما سُئلت عن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية على تراجع القراءة، فكرت قليلًا قبل الإجابة وقالت: "لا شك أن هذه الأمور تؤثر على أطفال ومراهقي هذا الجيل، وتبعدهم عن الكتاب الورقي. لكن في المقابل، لا مانع من أن نشجّع الطّفل على القراءة عبر وسيلة جديدة مثل "الآيباد" إن رغب، المهمّ أن يقرأ. ولتشجيع ذلك، من المفيد دمج الكتب مع التكنولوجيا بآلياتٍ تشجّع على القراءة، مع تشجيع طرح موضوعات جديدة تتناسب مع اهتمامات الجيل الحالي، بكل فئاته العمرية".

وتشدد "المهم أن نركّز ككُتّاب وأهل ومعلّمين على أهميّة التشجيع على القراءة بلغتنا العربيّة والحفاظ عليها".

قياس التأثير في الصغار

عادةً، تقيس سمر تأثير قصصها في الأطفال عن طريق تفاعلهم معها خلال القراءة وتعليقات الأمهات والمعلمات في المدارس. وتستشهد بقصة "خط أحمر"، وكيف أن الأطفال باتوا يستخدمون جُملًا من الكِتاب أو يحكون عن تصرفاتهم الحذِرة مع شخصٍ ما.

وتعرب عن فخرها بكتابها هذا، الذي حقق نجاحًا لافتًا، ووصل إلى الطبعة الخامسة عشر، وتُرجم إلى لغاتٍ أخرى، معقبّة: "أنا سعيدة لأن الكتاب يصل أكثر وأكثر إلى الأطفال لأنهم بحاجة إلى توعية، نحن الكبار نعتقد أن أطفالنا هُم دائمًا بأمان، لكن من الضّروري توعيتهم لحمايتهم".

لا مانع من أن نشجّع الطّفل على القراءة عبر وسيلة جديدة مثل "الآيباد" إن رغب، المهمّ أن يقرأ. ولتشجيع ذلك، من المفيد دمج الكتب مع التكنولوجيا بآلياتٍ تشجّع على القراءة، مع تشجيع طرح موضوعات جديدة تتناسب مع اهتمامات الجيل الحالي، بكل فئاته العمرية

ومن وجوه تأثّر الأطفال بقصةٍ، تخبر عن تأثير كتابها "أمي والتدخين"، الذي يتناول طفلة تحاول أن تبتكر حيلًا طريفة لإقناع أمها بترك التدخين. فبعد قراءة القصّة، يخبرها الأطفال عن أشخاص يعرفونهم يدخّنون مع ذكر أنّهم سيحاولون إقناعهم بالتوقف عن التدخين كما فعلت الفتاة في القصة.

وتشرح قائلة: "يهمني أن أعرف كيف يصل النصّ إلى الطفل، وإلى أي حدٍّ يتأثر به. يهمني أن أسأل الصغار بعد قراءة القصة عما أحبوه وما لم يحبوه وبماذا تذكّرهم القصّة. على سبيل المثال، بعد قراءة قصة "جدتي ستتذكرني"، يتحمّس الأطفال ويخبرون عن علاقتهم بجداتهم. وبالمناسبة، هذه القصة لا تحكي عن الزهايمر بقدر تركيزها على العلاقة بين الحفيدة والجدة، وخوف الحفيدة من أن تنساها جدتها، فتذهب إليها كل يوم، حيث تقومان بنشاطاتٍ معًا. هذا الكتاب عزيزٌ عليّ، ومعظم ما ورد في القصة اقتبسته مما فعلته حين كنت صغيرة مع جدتي التي لم تُصب بالمرض."

كانت سمر محفوظ برّاج من ضمن أعضاء لجنة التحكيم في "جائزة اتصالات لأدب الطّفل" عام 2024. عندما سألناها عما أضافته لها هذه التجربة، أجابت: "بطبيعة الحال، ألقت على عاتقي مسؤولية أكبر. وقد أتاحت لي، أنا وباقي أعضاء اللجنة، فرصة الاطّلاع على كلّ الكتب المشاركة في الجائزة بدقةٍ، حيث تحدّثنا بالتفاصيل كافة من حيث الأفكار واللّغة والاسلوب والرسم والتصميم والإنتاج. كانت المشاركة في لجنة التحكيم فرصة لقراءة عدد كبير من الكتب من مراحل عمرية مختلفة، فاطلعت على أساليب وتقنيات كتابة متنوعة، وتعرّفت على دور نشر جديدة وعلى مواهب جديدة من كتّاب ورسامين، وتعلمت كثيرًا من الحوارات التي دارت بيننا كأعضاء لجنة تحكيم. عززت هذه التجربة مهاراتي في النقد والتحليل، واكتسبت معلومات إضافية خصوصًا عن كتابة الشّعر والرسم والتصميم. بشكل عام، أثرت تلك التّجربة خبراتي". 

ومن اللافت أن مجال أدب الطفل يشهد ازدهارًا مستمرًا. وبناءً عليه، تنصح سمر الكتّاب الجدد بقراءة كل ما يقع بين أيديهم من الكتب الجيدة المنشورة، والاستفادة منها والاطلاع على كيفية معالجة المواضيع ومقاربتها، وعرض الأفكار وتقديمها، كما تأمل أن يعتنوا بخصائص المرحلة العمرية، وباللغة والأسلوب والمفردات، وأن يفهموا الطفل الذي يتوجهون إليه.

وتسترسل قائلة: "ابحثوا عن الفكرة البسيطة والقوية في الوقت ذاته، اتركوا أثرًا لدى الطفل وقدمّوا له ما يحبّه ويدهشه، وحاولوا تطوير أفكاركم بطريقة مبتكرة. ركزوا على الخيال، وتذكروا أن مشوار الكتابة يتطلب صبرًا ومثابرة، فلا تفقدوا الأمل إن رفضت دور النشر كتبكم. اعرضوا قصصكم على الخبراء واستأنسوا بآرائهم لتطوير موهبتكم. ولا بُدّ لأدواتكم أن تشهد نضجًا إذا كنتم تمتلكون الشّغف، وأخيرًا، التقوا بالأطفال واِقرأوا لهم قصصكم. ولعلها مفارقة، أن نتفاجأ أحيانًا من قصص لا تروق للكبار، لكن الصغار يحبونها."

ومن الجدير بالذِكر أن لباكورة نتاجها، وهو كتاب "لم أكن أقصد"، مكانة خاصة لديها ويحبّه الأطفال. وكذلك كتابها "على ضوء الشمعة"، وهي قصة تحدثت فيها عن وجع الحرب والدعوة للسلام، وكان الهدف منها أن تقول: "للأطفال حقٌ في العيش بسلام، والاستمتاع بطفولتهم، واللعب بأمان."

وتدلي سمر بتفاصيل أكثر عن كتابها: "في قصة "على ضوء الشمعة" وهي قصّة واقعيّة من طفولتي، أصف الحياة اليومية لطفلة خلال الحرب الأهليّة في لبنان، وأختمها بالأمل في مشهد للأطفال يلهون على ضوء الشمعة، متناسين الحرب، فيما الكهرباء مقطوعة والقصف في الخارج لا يتوقف".

وفي السياق ذاته، كتبت في قصة "اللون البنفسجي" عن الهجرة إلى بلد أجنبي جراء الحرب، والشعور بالغربة وصعوبة التأقلم مع مجتمع جديد، والمشكلات التي قد يواجهها المرء. 

وعند سؤالها عمّا إذا كانت ستكتب عن الحروب التي تحصل في أيّامنا هذه، أكدت أنها إن وجدت مقاربة مختلفة تعطي أملًا في مثل هذه القضايا عن البلدان التي تعاني الصراعات، فلن تتردد في الكتابة عنها.

وفي ختام حديثها، توجّه سمر رسالة للأهالي: "شجّعوا أولادكم على قراءة القصص منذ الصغر، اقرأوا لهم، اجعلوا القراءة عادة يوميّة ومكافأة وليس واجبًا، حتى تصبح بالنّسبة إليهم متعة وهواية. أهدوهم الكتب، ورافقوهم إلى المكتبات العامة وإلى معارض الكتب ودعوهم يختارون الكتب التي يحبّونها. شجّعوهم على المشاركة في أنشطة تنطلق من القصص، كالأنشطة القرائيّة وورش الكتابة الإبداعية، والأنشطة الفنية والتمثيلية وغيرها".

وختامًا تركّز على دور "أمينة المكتبة" الُمهِم في المكتبة العامة ومكتبة المدرسة، فدورها أساسي في تشجيع الأطفال على القراءة، كونها تلعب دور الوسيط بين الكتاب والطفل، وقد همست لها قائلة: "الأطفال بحاجةٍ إليك كي تقرئي لهم وترشديهم إلى القصص الجميلة وتجري معهم حوارات تحفزهم على التفكير والتعبير عن أنفسهم بحرية، وسيفرحون عندما تقومين معهم بأنشطة إبداعيّة وفنيّة لا تشبه ما يقومون به في الصف".

كلمات مفتاحية
tsamym-altra-wyb-qyas-jdyd.png

فيرجينيا وولف: اقرأ أي كتاب كما لو أنك أنت من يكتبه

قراءة الكتب والشعور بالمتعة

لوحة الكاتب - Gilliam Writers Group

الكاتب العربي.. الخروج من دائرة الإبداع إلى ترويج شبكات التواصل

الكاتب العربي وشبكات التواصل الاجتماعي

الكاتب المجري ديفيد سلاي - Jonas Matyassy

المجري ديفيد سالاي عشر سنوات من الإبداع على طريق البوكر

فوز الكاتب المجري ديفيد سالاي بجائزة البوكر العالمية

غلاف الكتاب (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)
نشرة ثقافية

"الابتكار في العلوم الاجتماعية".. الربط بين النظرية والممارسة العملية

صدور كتاب "الابتكار في العلوم الاجتماعية: الهامشية المبدعة "

tsamym-altra-wyb-qyas-jdyd.png
فنون

علي عنبه.. صوت شعبي هزم التراتبية الطبقية للغناء اليمني

الفنان الشعبي اليمني علي عنبه

صورة تعبيرية
مجتمع

لماذا تدفع أوروبا لاجئين للعمل بمهن لا تتناسب مع شهاداتهم العلمية؟

أيًا كانت الشهادة العليا التي يحملها، يصطدم اللاجئ في أوروبا بعروض العمل التي تنحصر بوظائف كالحدادة والتنظيف والتوصيل

مبابي
رياضة

المحاكم الفرنسية تفصل بين مبابي وباريس سان جيرمان وسط مطالب مالية قياسية

تبادل الطرفان مطالب مالية ضخمة تجاوزت 800 مليون دولار