13-يونيو-2021

ريما حسن (تويتر)

وحدهم الذين يتوارثون اللجوء أبًا عن جد، في الشتات حيث توزَّعوا، يحملون في قلوبهم وألسنتهم مفاتيح بيوت تركوها جبرًا. هو واقع اللاجئ الفلسطيني، والمستقبلُ الذي تريده عصابات المستوطنين أن يتجدَّد في الشيخ جراح، سلوان، مسافر يطا، وتلِّ الهوى.

في هذا الحوار نقابل شخصًا عاش اللجوء مرَّتين، هي ريما حسن، ذات الأصول الفلسطينيَّة السوريَّة، ورئيسة "مرصد  مخيمات اللجوء" بفرنسا. فرنسا التي منع  وزير داخليَّتها المظاهرات التضامنيَّة مع فلسطين، وقمعت شرطته تلك المسيرات. ضيفتنا كانت هي الأخرى من الموقوفين يومها. تحضرُ معنا في حوار تخصُّ به "ألترا صوت"، مجيبة عن أسئلتنا حول وضعيَّة اللاجئ الفلسطيني، وقصتها مع اللجوء مرَّتين، وعن سؤالنا حول المهام المنوطة بفلسطينيي الشتات اليوم.

  • سيدة حسن، في البداية، هلَّا أعطيتنا لمحة عن واقع اللاجئ الفلسطيني (الحقوقي والاجتماعي والاقتصادي) اليوم في العالم، وخاصة في أوروبا؟

حسب إحصائيات 2020، يقدَّر عدد الساكنة الفلسطينية بـ 13.4 مليون نسمة، نصفها يعيش داخلَ أراضي فلسطين التاريخية. خلال نكبة 48 تمَّ تهجير أزيد من 900 ألف فلسطيني من أراضيهم مع تدمير حوالي 532 بلدة كانوا يسكوننها، هم الآن 6 ملايين لاجئ حسب نفس الإحصائيات المذكورة. منتشرون في المخيمات في فلسطين، كما في البلدان المجاورة. في ما يخص هذه المخيمات، عددها 31؛ 12 في لبنان، 10 في الأردن و9 في سوريا. أما في الداخل؛ 19 في الضفة الغربية و8 في غزة.

ولا حاجة أن نذكِّرَ بالوضعيَّة الصعبة والحرمان الذي يعيشه هؤلاء اللاجؤون، والركود الذي تعرفه قضيَّتهم، وأن هذا راجع لتعنت إسرائيل في تنفيذ القرارين 181 و194 في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمرتبطين بحق العودة للاجئين الفلسطينيين. وهنا تجدر الإشارة أن اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الـ "أونوروا" هم اللاجئون الوحيدون في العالم الذين يمررون وضعية اللاجئ أبًا عن جد (في الحالات الأخرى، إذا ما ولد للعائلة اللاجئة اكتسب جنسيَّة البلاد التي ولد فيها).

فيما في أوروبا، هناك جالية فلسطينية تعدادها حوالي 150 ألف نسمة، لكنها مشتتة ومتباعدة في ما بينها، ولا توجد إحصاءات وفيرة عن توزيعها ذاك. لكن تبقى وضعيتهم أفضل بكثير من فلسطينيي المخيمات، واندمج جلهم داخل بلدان الاستقبال، عكس قاطني المخيمات حيث يتفشى الفقر والهشاشة.

  • أنتم الذين عشتم حالة لجوء مزدوجة: بعد تهجير العائلة من فلسطين إلى سوريا، ومن سوريا إلى فرنسا. أي أثر تركه فيكم هذا اللجوء المزدوج، وماذا كان إحساسكم وأنتم تطالعون عائلات الشيخ جراح تكاد تواجه نفس المصير؟

تجربة اللجوء المزدوج كانت ثقيلة جدًا، والأثقل فيها هو هذا الشعور الدائم بالاجتثاث من الجذور، وصورة التيه الذي لا ينتهي تسكن مخيِّلتك، من دون مرجع ثابت تعود إليه إذا ما استدعاك الحنين. في بعض الأحيان، كنت أحدث نفسي بأن أرضي الأم؛ سواء كانت فلسطين أو سوريا، لم توجد قطّ، وأن عليَّ أن أذعن لفكرة التعايش مع ذلك الحنين للأرضي التي أنتسب لها وعائلتي. وأظن أن من عاش تجربة اللجوء، سيعيش مع حضوره بشكل يومي، ولا يمكن الفرار منه حتى عندما نحظى بالاستقرار في مكان ما.

هكذا، وأنا أطالع صور الشيخ الجراح، رأيت عائلتي تغادر أراضيها في عام 1948، واستجدت كل الأحاسيس التي ذكرتها، ممتزجة بغضب عارم، هو الذي شاركني فيه كل الفلسطينيين، في وجه هذا الظلم والعدوان الغاشم الذي نتعرَّض له باستمرار.

  • مع تصاعد العنف الأخير في الأراضي الفلسطينية، هل لاحظتم تصاعدًا كذلك في منسوب التضامن الدولي مع القضية؟

نعم، أظن أنه رغم ذلك الشعور بالقدرة الدائمة لإسرائيل في الإفلات من المحاسبة، لا يجب أن نغفل التعبئة الكبيرة للتضامن الدولي حول القضيَّة الفلسطينية. فقد رأينا المظاهرات التضامنية الكبيرة التي جابت العالم. كما أن معظم دول العالم صوتت ضد إسرائيل في قرارات الأمم المتحدة الأخيرة، التي تماشت مع ما يطالب به الفلسطينيون، والتي يجب أن نستفيد منها لدعم قضيَّتنا قانونيًا ودبلوماسيًا.

  • في نظركم ما هي المهام المنوطة باللاجئ الفلسطيني في الدول الأوروبيَّة من أجل استثمار هذا التضامن في خدمة القضيَّة؟

أظن أن الدعوة لمقاطعة البضائع وقطع العلاقات مع إسرائيل هي من أهم الاستراتيجيات التي يجب دفع الأوروبيين لتبنيها من أجل الضغط على إسرائيل لتغيير سياستها تجاه الفلسطينيين. وفي هذا الإطار تناضل حركة مقاطعة إسرائيل BDS منذ سنوات عديدة.

وتهدف دعوات المقاطعة هذه بالخصوص، وكما سبق وأشرت، إلى الضغط على إسرائيل لكي تحترم القانون الدولي والقرارات الأممية المعتمدة لصالح الفلسطينيين. هذه التعبئة العالمية لها مهمة من أجل دفع المحكمة الدولية لفتح تحقيق حول الجرائم التي تقوم بها إسرائيل في الأراضي الفلسطينيَّة. وسبق للمنظمات الدولية كـ "هيومان رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدوليَّة أن كشفت عنها، ونبَّهت إلى جرائم الأبرتهايد في فلسطين. كما أنه ولأزيد من 15 سنة، حيكت شبكة واسعة من القرارات الدولية والأحكام القضائية تدين السياسات الاستيطانيَّة الإسرائيلية.

حيث يذكر في هذا السياق، أنه في سنة 2004، كان قرار المحكمة الأوروبية بعدم قانونية الجدار الفاصل الذي شيَّدته إسرائيل، وفي سنة 2016 حكمت ذات المحكمة بإلزامية وضع علامة على البضائع الإسرائيلية القادمة من المستوطنات، من أجل مقاطعتها.

  • رأينا تعاملَ الشُّرطة الفرنسيَّة مع المظاهرة التضامنيَّة الأولى مع فلسطين، وأنتم بالأخص كنتم وقتها محط تضييقات من قبل قوات الأمن، كيف تقرأون هذه المقاربة القمعية التي تعاملت معكم بها الداخلية الفرنسية؟

الأدهى والأمرُّ ، هو أن وزارة الداخلية منعت حقَّ التظاهر ومسَّت بأحد الحريات الأساسية انطلاقًا من حجج واهية. فقد مرَّت المسيرة دون أي  شغب من قبل المتضاهرين، ولم يكن هنالك أي سبب قوي لمنعها. احتشدت قوات الشرط وقمعتهم بعنف غير مبرر، مصادرة حقهم الشرعي في التعبير عن تضامنهم مع فلسطين. 

ريما حسن: الدعوة لمقاطعة البضائع وقطع العلاقات مع إسرائيل هي من أهم الاستراتيجيات التي يجب دفع الأوروبيين لتبنيها

  • أي مستقبل ينتظرُ اللاجئ الفلسطيني في ظل صعود اليمين المتطرف الفرنسي؟

لا أعتقد حقيقة أن يكون الموقف الفرنسي إزاء فلسطين ناتج عن الصراع السياسي داخل البلاد، بمعنى؛ إذا كان هناك أي تطور يرجى فسيكون حتمًا قادمًا من الخارج، من المنتظم الدولي الذي عليه أن يجد حلًا لهذه المسألة. ولا أعتقد كذلك أن موقف مارين لوبان من فلسطين سيختلف بشكل كبير عن موقف ماكرون، فالاثنين معًا يميلان إلى شرعنة العنف الإسرائيلي والدعم بشكل محتشم لحل الدولتين، دون أي موقف واضح من المستجدات الطارئة في فلسطين.