16-يونيو-2019

بلال مرميد (فيسبوك)

بلال مرميد، أو الصوت الذي اشتهر بنقده الحاد واللاذع، صحافي مغربي وناقد سينمائي شاب، وكما هو معهود يوفّر كل جهده لدعم الشباب في هذا الفن. كثير هو ما يقال عن الرجل، لدرجة ينفلت من كل الأوصاف معارضًا كلّ المعايير، جاعلًا من يقعون في فخ محاورته، من ممثلين ومخرجين ومشغلين بالفن السابع، يترددون أكثر من مرة قبل قبول دعوتهم في بلاتو الـ FBM (في مواجهة بلال مرميد)، البرنامج ذو الإقبال الجماهيري الكبير والذي يديره كل أسبوع على قناة ميدي 1 المغربية.

"ألترا صوت" التقى مرميد على هامش المهرجان المغاربي للسينما، فكان هذا الحديث عن واقع السينما في المغرب.


  • كيف انطلق بلال مرميد إلى عالم السينما؟

بدايتي كانت من صفرو، وسط المغرب، المدينة الجبلية التي وعلى الرغم من صغرها كانت تعرف حركة ثقافية كبيرة، ومهرجانها السنوي أحد أقدم المهرجانات في شمال أفريقيا، مهرجان حب الملوك الذي يبلغ عمره المئة هذه السنة. صراحة أعتبر نفسي محظوظًا لأنني كبرت وسط قاعات السينما هذه، سينما المغرب العربي على وجه التحديد، منذ سنوات الطفولة الأولى علّمتنا كيف نحلم، كيف نتخيل أنفسنا جون وين، كيف نضع أنفسنا مكان كلينت إيستوود والآخرين.. هذه هي البدايات الجميلة التي عشتها، والتي افتقدت في صفرو الآن، بشكل مؤسف أغلقت تلك القاعات وحرمت أجيال كلها من الفن السابع. وفي كل مرة تتكرر فيها على مسامعي وعودٌ بإنشاء قاعات يزيدني الأمر أسفًا إذ لم تتحقق هذه الوعود إلى الآن.

  • ماذا ينقص السينما المغربية لكي تصير عالمية؟

يجب أن نستوعب أن إنتاج الصورة لم يعد شيئًا كماليًا، وأن السينما لا يجب أن تكون آخر همّ بعد الفراغ من العمل على قطاعات أخرى. لا بالعكس، فالسينما يمكن أن تلعب بشكل ناجع دور القاطرة التي تجر ركب البلدان نحو النجاح في مجالات تنموية ثقافية، اجتماعية واقتصادية… عندما نعي قوة هذه الصورة، وسهولة بلوغها وانتشارها في عالم اليوم، في دقائق معدودة ممكن أن تقدّم المغرب لمشاهد في سنغافورة أو البرازيل، هنا سيلزمنا الاشتغال أكثر على جودتها، واحترام معايير هذه الجودة في احترامنا للمتلقي.

بلال مرميد: يجب أن نستوعب أن إنتاج الصورة لم يعد شيئًا كماليًا، وأن السينما لا يجب أن تكون آخر همّ بعد الفراغ من العمل على قطاعات أخرى

هذا هو الرهان الذي من المفترض علينا خوضه، وانطلاقًا من إنجاح هذه المعادلة، المعادلة الوحيدة التي ستنقل السينما المغربية إلى العالمية. وهذه مسألة أثبتتها بالملموس عديد من الدول، والتي كانت بالأمس القريب تشاركنا نفس المراتب المتواضعة، نشاهدها اليوم وقد اخترقت المشهد السينمائي العالمي بقوة وجدارة، حتى تلك التي لا تدعم حكوماتها هذا القطاع على عكس الحال عندنا.

اقرأ/ي أيضًا: أفلام بدون قصة.. السينما المغربية في حالة سقوط

أعيد أن ما يزعجني أكثر هو سيادة فكرة التعامل مع السينما كأنها شيء زائد، والاستهتار بعملية إنتاج الصورة، حيث نعرف الكثير من الأشخاص فقط لأنهم حملوا يومًا آلة تصوير صار يطلق عليهم لقب "مخرج سينمائي"، في حين ما نحن بحاجة إليه اليوم هو أناس تخاطب العقول قبل العيون، وهم على فكرة موجودون، نعم هناك طاقات صاعدة لها الكفاءة الكافية لتحقيق هذه النقلة النوعية في السينما المغربية، فقط يجب الاهتمام بها أكثر وبشكل جدي.

  • أتقصد كفاءات فطرية؟ أم نتاج حركية إنشاء مدارس التكوين السمعي البصري التي عرفتها البلاد في العقد الأخير؟

الكفاءات موجودة عندنا، أعطيك على سبيل المثال المخرج الشاب علاء الدين الجم، وفيلمه "The Unknown Saint" الذي عرض في أسبوع النقد بكان هذه السنة، وحظي بتصفيق الجميع واحترام النقاد والجمهور. علاء الدين شاب مغربي دخل السينما من بابها الواسع، وتلقى تكوينه في مؤسسة عالمية مشهود لها بالجودة، وهي المعهد العالي لفنون العرض ببلجيكا. مثل هذه الأسماء هو ما تحتاجه السينما المغربية، وأؤكد لك أنها موجودًا بشكل وفير، سواء في مدارس التكوين في المغرب، التي عندي عليها مؤاخذات كثيرة على مستوى برامج وكيفية التكوين، أو في المعاهد العالمية بالخارج.

هذه الكفاءات التي غالبًا ما تكافح من أجل تحقيق حلمها، فأغلبهم ليسوا من أسر ميسورة، فيضطرون لخوض معارك ذاتية لمتابعة تكوينهم في الخارج، وغالبًا ما يثبتون حضورهم المشرف داخل هذه المؤسسات العالمية الكبيرة. زد على ذلك، وهذا أمر عشته شخصيًا في الماضي، أن الآباء لمّا كانوا يمنعون أبناءهم من متابعة تكوين في السينما، بدعوى أنها ليست مهنة ثابتة ولم يكن المجتمع يتقبلها في ذلك الوقت، أرى الآن ما يدعو للتفاؤل أن تلك النظرة بدأت تتغير، وأصبحنا نرى إقبالًا على معاهد التكوين في المهن السمعية البصرية.

بالنسبة للكفاءة الفطرية إن وجدت فهذا أمر جيد، لكن لمواكبة التحديث المستمر في عالم السينما يجب توفر التكوين اللازم الذي يضمن ذلك. وحتى على المستوى العالمي، توجد أسماء التي أبانت عن نبوغها منذ بداياتها وحتى قبل أن تنهي تكوينها، أعطيك على سبيل المثال كزافييه دولان، الذي منذ صغره وهو يعجن الصورة ويشكلها بحرفية كبيرة، يمكن أن يستلهمها من إحساس من موسيقى سمعها، ليحولها إلى منتوج بصري راقي. لكن شعلة ككزافييه دولان واحدة، حتى في كندا وقليل ما تتكرر. وحتى اكتشاف هذا النبوغ في وقت مبكر جدًا رهين بطبيعة المجتمعات؛ يجب أن تكون مجتمعات منفتحة على استهلاك الصورة بشكل كبير، وقادرة على رصد التميز فيها، هذا ما يساعد على تنميتها وتطويرها. في حين يكون من الجيد التوفر على كفاءات موهوبة، لكن ما هو أحسن من ذلك توفر سيرورة تكوين بمثابة خط إنتاج لهذه الكفاءات، تستجيب لإقبال الشباب المغربي على هذا الفن.

  • ما هي مؤاخذاتك عن التكوين السينمائي بالمغرب؟

مثلًا طلبة قضوا أربع سنوات من التكوين، ولم يطلب منهم العمل على مشاريع حتى السنة الأخيرة من التكوين. هذا خطأ كبير! أنا مثلًا مررت بمدرسة أخذت فيها سنتين ونصف من الدروس النظرية، لكن في نفس الوقت يتم تقديمك للآلة والعمل على استئناسك بها، هكذا يكون تكامل بين المنحيين؛ النظري والتطبيقي. مدد التكوين كذلك عندي عليها مؤاخذات، حيث أرادوا تطبيق نظام RMD (ليسانس، ماجستير، دكتوراه) عليها، وأنا كنت معارض كبير له، وهذا ما جلب عليّ الكثير من العداوات.

بلال مرميد: ما يزعجني هو سيادة فكرة التعامل مع السينما كأنها شيء زائد، والاستهتار بعملية إنتاج الصورة

في حين أن مؤسسات التكوين العالمية واضحةٌ طريقة اشتغالها، وهي باستجلاب طلاب يتوفرون على الحد الأدنى من الدراسة بالميدان، ثم تكوينه على أساس أنه شخص اقترب من أن يصير صانعًا للصورة ومنتجها. تصور معي أن هناك طلاب بمعاهد التكوين المغربية لا يعون جيدًا وظيفة المنتج، يفهمون أن المنتج فقط كيس مال متنقل، هذه مصيبة في نظري.

اقرأ/ي أيضًا: عام المرأة في السينما المغربية.. 5 أفلام فارقة

يعني هنا عندنا مشكلة في مناهج التكوين، إضافة إلى مشكلة المكون ذات نفسه، والتي هي مسألة تزعجني وتحدثت عنها في أكثر من مناسبة. فكيف يمكن ضمان تكوين بجودة، في وقت أن الشخص الذي يُكوّن ضعيف؟ إذًا يجب توفر مكوِّن مكوَّن، والقطع مع توظيف مكونين ليست لهم علاقة بالميدان، وسياسة ملأ الفراغات. حقيقة لا يمكن السكوت عن هذا الأمر لأنه مزعج، ولا أقوله وحدي، بل بشهادة الكثير من المشتغلين في السينما، وتحدثت عنه كثيرًا في برامجي سواءً التلفزية أو الإذاعية في انتظار إيجاد حل نهائي لهذه المعضلة.

  • عودة إلى السؤال الثاني، تكلمت عن دول لا تدعم السينما وفي نفس الوقت حقّقت سينماها نجاحًا، هل في نظرك أن دعم الدولة عامل في تكريس الوضع الحالي للسينما المغربية؟ أم أنه ضروري لتحقيق الإقلاع السينمائي المنشود؟

الدعم الحكومي في المغرب لا يلزم المنتج بشروط، أو يضيق على المنتوج. بدليل أن هناك الكثيرين ممن تلقوا الدعم عن إبداعات تخوض في العديد من التابوهات، ولم يحرموا منه. هنا لا يجب أن يفهم الدعم الحكومي على أنه يلعب دور الرقابة، ولا على أنه ريع فني، لأنه بمثابة تسبيق يتم إرجاعه من الأرباح التي يحققها الفيلم.

بالمقابل للمنتجين والمخرجين كذلك صعوبات وعراقيل، والتي يجب أن يتم تفهمها، من بينها أن القطاع الخاص لا يستثمر في السينما، أو يستثمر بشكل ضعيف جدًا. وهنا نعود لمنطق النظر إلى السينما كأنه كمالية، هذا المنطق الذي يطغى في القطاع الخاص، ويعدم بدوره الجرأة للاستثمار في هذا الميدان. على عكس دول، كلبنان مثلًا، وعلى سبيل المثال الفيلم الأخير لنادين لبكي "كفر ناحوم" تجد أنه مدعوم من طرف بنوك، وهذا أمر جيد يجب توفره في بلادنا بذات الشكل. أما الدعم في المغرب فهو أمر إيجابي، رغم صعوباته إن انعدم فستنعدم معه السينما المغربية ككل. كما لا يجب أن نقيس هذه النقطة بدول أخرى، لأنه في دول أخرى هناك عدد كبير من قاعات العرض وجمهور كبير مستهلك لهذا المنتوج الفني وبالتالي سوق سنيمائية كبيرة، هنا الأمر مغاير تمامًا.

بلال مرميد: لدينا شباب لكننا نفتقد من يرصد تلك الشعلة في وقت مبكر، ويدفعهم قدمًا نحو تحقيق ذواتهم

في حين أن هناك مخرجين يضيفون قيمة على الإنتاج السينمائي المغربي، كما ذكرت لك سابقًا علاء الجم، مثل هؤلاء يستحقون الدعم. مع أننا غالبًا نشاهد من يصطفون على طلبه عدد من الذين أصفهم بـ"العجزة" ومنتجي "الرداءة"، لكن لا يجب أن ننظر فقط لهم، بل إلى النصف الإيجابي من الأمر. وهذا الجانب الإيجابي هو الجيل الصاعد، لا يجب علينا أن نقطع عليهم هذا الحبل، بل على العكس يجب تقويته لأن البلاد تستحق.

اقرأ/ي أيضًا: هل لامست السينما المغربية خطوط التابوهات؟

زد على ذلك، وعودة إلى السؤال الأول، كيف يعقل أن مدنًا بأكملها لها مندوبيات ومكلفين بالثقافة ولا تتوفر على قاعة واحدة للسينما؟ في بعض المرات أقول وداعًا للخجل أمام هذا الانحدار الذي وصلنا له، وأكثر أنهم ربوا جيلًا كاملًا على هذا الانحدار، على أن القاعدة عنده هي عدم وجود سينما. هذا يجعل من الطبيعي أن يصرح لي علاء الدين الجم قائلًا: "أنه إلى سن السابعة عشرة لم أكن أتخيل نفسي مخرجًا!"، نحن لدينا شباب لكننا نفتقد من يرصد تلك الشعلة في وقت مبكر، ويدفعهم قدمًا نحو تحقيق ذواتهم في هذا الفن على غرار دولان، أظن أن هذا ما ينقصنا لتكون لدينا سينما عالمية.