28-مارس-2025
الأكاديمي الفرنسي فرانسوا بورغا

الأكاديمي الفرنسي فرانسوا بورغا لـ"الترا صوت": ألاحق بسبب دعمي لغزة

منذ تموز/يوليو الماضي، يتعرّض الأكاديمي الفرنسي المختص في الشؤون الإسلامية، فرانسوا بورغا، إلى ملاحقات قضائية واسعة واتهامات بـ"الترويج للإرهاب"، ذلك نظير منشوراته المناصرة للشعب الفلسطيني، ومواقفه الداعمة للمقاومة. في قضية تقف خلفها جمعيات صهيونية، تجهد لإخراس صوت الأكاديمي المرموق.

هذا ولا تشكل قضية بورغا الاستثناء في فرنسا اليوم، حيث يلاحق الأساتذة الجامعيون، النشطاء السياسيون، الفنانون والمثقفون، لمجرد قول "لا" لإبادة شعب فلسطين والتواطؤ الرسمي مع هذه الإبادة. بتهم جاهزة، محركة غالبًا من قبل جمعيات صهيونية، تتراوح بين "معاداة السامية" و"الترويج للإرهاب". فيما للحديث عن هذه القضية، تمثلاتها وتحليلها سياسيًا، يحاور موقع "الترا صوت"، الأكاديمي الفرنسي فرانسوا بورغا، وهذه كانت إجاباته:

  • أولا أستاذ فرانسوا، إذا أمكن أن توضح لقرائنا في العالم العربي القضية التي تتابعون فيها وملابساتها؟

التهم الموجهة إليّ تتمحور بشكل أساسي حول مواقفي من الحرب في غزة:  بعد مرور شهرين على الـسابع من تشرين الأول/أكتوبر، ومع بدء تراجع دعم البرلمانيين الأميركيين للحرب على غزة، لجأ المخططون الإسرائيليون، بعد إجراء استطلاعات حول مواقف الرأي العام الغربي، إلى توجيه اتهامات مفبركة بارتكاب مقاتلي حماس في ذلك اليوم جرائم عنف جنسي. في هذا السياق، رأيت أنه من الضروري نشر نفي حماس لما جاء في مقالة شديدة التحيز  نُشرت في "نيويورك تايمز"(هذا النفي لم أكن بالطبع كاتبه، على عكس ما يبدو أن الادعاء العام يظن). وقد أثبتت الأحداث لاحقًا أنني كنت محقًا تمامًا، حيث لم يتمكن أحد، حتى المصادر الإسرائيلية، من تأكيد صحة هذه الاتهامات أو الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب.

يقول الأكاديمي فرانسوا بورغا لـ"الترا صوت": من باب التوضيح، عبّرت عن قناعة تزداد رسوخًا لدي، وهي أنني "أكنّ احترامًا لا نهائيًا لقيادات حماس أكثر من نظرائهم الإسرائيليين"

وفي هذا السياق أيضًا، ومن باب التوضيح، عبّرت عن قناعة تزداد رسوخًا لدي، وهي أنني "أكنّ احترامًا لا نهائيًا لقيادات حماس أكثر من نظرائهم الإسرائيليين". بناءً على ذلك، تم احتجازي رهن التحقيق في 9 تموز/يوليو 2024 لمدة سبع ساعات، بناءً على شكوى تقدمت بها "منظمة يهودية أوروبية" يبدو أنها متخصصة في مثل هذه القضايا.

في 13 آذار/مارس الماضي، تلقيت استدعاءً للمثول أمام محكمة إيكس أون بروفانس في 24 نيسان/أبريل المُقبل. وفوجئت في هذا الاستدعاء بوجود تهمتين إضافيتين تتعلقان بأحداث وقعت بعد 9 تموز/يوليو. الأولى تتعلق بنشر "مديح طويل لحركة حماس" على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن تبين أن هذا "المديح" ليس سوى فصل من أحد كتبي، وهو "فهم الإسلام السياسي" (منشورات "لا ديكوفرت" عام 2016، ودار الساقي عام 2018). في هذا الفصل، أصف الكمين الذي نُصب لحماس بعد فوزها في انتخابات 2006، والذي دبره ليس فقط الاحتلال الإسرائيلي، بل أيضًا الاتحاد الأوروبي والسلطة الفلسطينية، وأتناول الأسباب التي دفعت كثيرًا من الفلسطينيين إلى فقدان الأمل في فتح، التي تخلت عن المقاومة المسلحة، ووضعه في حماس التي تمسكت بها.

فرانسوا بورغا
الأكاديمي الفرنسي فرانسوا بورغا

أما التهمة الثانية، فتتعلق بموقفي من قضية عبد الحكيم صفريوي، أحد المتهمين في قضية اغتيال صامويل باتي. فقد طُلب مني الانضمام إلى لجنة الدفاع عنه، ومع أنني لم أكن أعرفه شخصيًا، فقد اقتنعت سريعًا بوجهة نظر محاميه، الأستاذ فنسان برينغار والأستاذ وديع الحماموشي. وبذلك عبرت، مثل كثيرين غيري، عن رأيي بأن هذه السابقة القضائية، التي جاءت في أجواء معادية للإسلام، تهدد سيادة القانون. عبرت عن موقفي في تغريدة بعنوان "نحن جميعًا إرهابيون"، ووضحتها في تغريدات أخرى، حيث أوضحت أن منطق هذه القضية قد يؤدي إلى اعتبار أي شخص أدان تصرفات فرد انتهى مصيره بشكل مأساوي، مسؤولًا قانونيًا عن جريمة هذا الفرد. في كل الأحوال، أؤكد أنني لا أفرض وجهة نظري على أحد، بل أطالب فقط بحقي في التعبير داخل "فرنسا شارلي"، التي يُفترض أنها معقل حرية الرأي، وأرفض أن أُجرَّم لمجرد طرح رأي مختلف.

  • هل يمكننا الحديث عن موجة استهداف ممنهجة للأصوات المناصرة للقضية الفلسطينية اليوم في فرنسا؟

نعم، بالتأكيد. ليس فقط في فرنسا، بل في الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية بشكل أكثر وضوحًا. قضيتي نوقشت - وإن كان نادرًا - في بعض وسائل الإعلام، لكن عشرات المواطنين الفرنسيين، وغالبيتهم مسلمون، تعرضوا لعقوبات بصمت، حيث تم اعتقالهم لفترات طويلة، أو تجميد أصولهم المالية، أو مداهمة منازلهم.

  • بوصفكم أحد الأكاديميين المرموقين في فرنسا، ما الأشكال التي تأخذها التضييقات على مناصري القضية الفلسطينية في الوسط الأكاديمي في فرنسا اليوم؟

على سبيل المثال، منعني مدير معهد العلوم السياسية في  "إكس أون بروفانس" مؤخرًا من حضور ندوة كنت سأقدم فيها كتابًا صادرًا عن منشورات المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS)، كما منعني من إلقاء محاضرة نظمتها جمعية طلابية. كما أنني أواجه رقابة إعلامية شبه تامة، ومن الصعب جدًا العثور على قاعة لاستضافة أي ندوة أو مؤتمر. في المقابل، الترويج للأصوات المناهضة لفلسطين واضح في جميع وسائل الإعلام.

  • من وجهة نظركم، كيف ترتبط هذه التضييقات على مناصري فلسطين مع صعود الإسلاموفوبيا في فرنسا؟

لطالما قلت، وإن كان ذلك بعبارات قاسية، إن الدعم الأعمى لإسرائيل لا ينبع من كونها "دولة يهودية"، بل لأنها "دولة معادية للمسلمين". وقد أكدت تصريحات جوردان بارديلا (زعيم حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف) الأخيرة في إسرائيل ذلك، عندما قال: "لدينا عدو مشترك". لفهم هذا التحول، يجب النظر إلى جذور تحول اليمين المتطرف، بل وحتى بعض شرائح اليسار، نحو تبني هذا الخطاب الإسلاموفوبي.

يقول الأكاديمي الفرنسي فرانسوا بورغا لـ"الترا صوت": حتى الحرب العالمية الثانية، كان "العدو الداخلي" في فرنسا، بالنسبة لليمين المتطرف، هو المواطن اليهودي

من الضروري تذكير الناس بأن اليمين المتطرف كان معاديًا لإسرائيل لفترة طويلة. حتى الحرب العالمية الثانية، كان "العدو الداخلي" في فرنسا، بالنسبة لليمين المتطرف، هو المواطن اليهودي. لكن بعد إنهاء الاستعمار، استبدل هذا التيار اليهود بـ"المستعمرين السابقين"، الذين لم يكونوا بالضرورة مسلمين، بل جميع القادمين من المستعمرات السابقة. في المقابل، تسارعت خيانة اليسار للقضية الفلسطينية مع صعود حركة حماس، خاصة بعد فوزها في انتخابات 2006. فجأة، اكتشف اليسار، بذريعة "قيمه"، أنه لا يمكنه دعم حركة "إسلامية". لكن هذا لم يكن سوى ذريعة، لأن اليسار نفسه، الذي يتشدق بالعلمانية، لم يعترض أبدًا على استغلال الدين في الخطاب السياسي الإسرائيلي، حيث يتحدث المسؤولون هناك عن أن "الله أعطاهم الأرض"، ويصورون أنفسهم كـ"شعب النور" في مواجهة "شعوب الظلام"، أي نحن المسلمين والمسيحيين.

  • من جهة أخرى، ما الذي تهدف له حكومة ماكرون داخليا وخارجيا عبر هذه الملاحقات لمناصري فلسطين؟

من الواضح أن جميع القوى السياسية الفرنسية تحاول كسب ود الرأي العام الذي انزاح بشكل كبير نحو اليمين خلال العقود الأخيرة. بعض هؤلاء السياسيين ربما يؤمنون بصدق بموقفهم، لكن الكثير منهم يتبنون هذا الخطاب للحفاظ على الامتيازات التي فقدتها فرنسا مع نهاية حقبة الاستعمار.