09-مارس-2020

إيان لوستيك (تويتر)

يجري "ألترا صوت" الحوار أدناه، مع عالم السياسة الأمريكي إيان لوستيك Ian Lustick، الأستاذ في جامعة بنسلفانيا، حول عمله بخصوص نموذج الدولة الواحدة، وانتهاء حل الدولتين، وهما موضوعان خصص لهما كتابه الصادر بالإنجليزية مؤخرًا، بعنوان "نموذج ضائع.. من حل الدولتين إلى واقع الدولة الواحدة".

أصبح لوستيك واحدًا من الناقدين الأشهر لحل الدولتين، بعد أن أثار مقال كتبه في صحيفة نيويورك تايمز، عام 2013 بعنوان "وهم الدولتين"، نقاشًا واسعًا، واستشهادات متعددة

ألف إيان لوستيك وحرر عدة مؤلفات بالإنجليزية بشأن الصراع العربي الإسرائيلي، منها "العرب في الدولة اليهودية: سيطرة إسرائيل على أقلية قومية" (1980)، و"مقالات نقدية عن المجتمع الإسرائيلي.. السياسة والثقافة" (1991)، و"الفلسطينيون تحت الحكم الإسرائيلي" (1994). كما أن له عددًا من الدراسات حول آليات السيطرة في إسرائيل، والإحصاء، ويكتب مقالات رأي في صحف عالمية مثل نيويورك تايمز وفورين بوليسي.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| لورنسو فرتشيني: قانون القومية مؤشر على أزمة إسرائيل الاستعمارية

أصبح إيان لوستيك واحدًا من الناقدين الأشهر لحل الدولتين، بعد أن أثار مقال كتبه في صحيفة نيويورك تايمز، عام 2013 بعنوان "وهم الدولتين"، نقاشًا واسعًا، واستشهادات متعددة.


  • كما تعرف فإننا بحاجة إلى فهم الواقع وتأطير ما يجري على الأرض، قبل اقتراح حل. هناك العديد من الطرق لتأطير الواقع في فلسطين، سواء الفصل العنصري، الاحتلال، الاستعمار الاستيطاني  أو حتى الصراع القومي. ما هو الإطار الذي تفهم به الواقع وكيف أوصلك إلى نموذج الدولة الواحدة؟

لا يتعلق الأمر بإطار واحد صحيح فقط. على سبيل المثال، فإننا في حال وضعنا ما يجري في إطار الاستعمار الاستيطاني، فسنرى أشياء معينة ولا نرى أشياء أخرى. وإذا بدأنا في رؤية ما يجري من خلال حل الدولتين، فإننا سنراه بطريقة ولن نراه بأخرى.

أنا هنا أحاول أن أقدم إطارًا جديدًا تمامًا، وليس حل دولة واحدة. في الحقيقة، أنا أسائل مفهوم الحل نفسه. أنا أتحدث عن واقع دولة واحدة. والواقع هو ما يقع، وهذا لا يعني أنه حل. لكنه يتضمن ديناميكيات تساعدنا في فهم أين يمكن أن تذهب الأمور، بما في ذلك ربما إلى صورة جميلة يسميها بعض الناس حلًا، ولكن ليس بالضرورة.

لذلك فإن ما أحاول القيام به هو تشجيع الناس على التوقف عن التفكير في المخططات للحصول على صورة وردية لا يعرفون كيفية الوصول إليها، وبدلاً من ذلك، التفكير فيما لدينا والتفكير في كيفية تحسينه. وفهم ما يجري كمشكلة في الدمقرطة. لذلك إذا كان هذا صحيحًا وأعتقد أنه صحيح، فإنه بين النهر والبحر، هناك دولة واحدة فقط تحكم الناس. يعيش جميع السكان البالغ عددهم 14 مليون نسمة في قواعد مختلفة حسب المجموعة السكانية التي هم أعضاء فيها والمنطقة التي يعيشون فيها.

  • تقصد إدارات استعمارية مختلفة؟

نعم. على سبيل المثال، إذا كنت يهوديًا يعيش في تل أبيب أو كنت يهوديًا يعيش في عوفرا، فليس هناك نفس القواعد بالضبط. إنها متشابهة ولكنها ليست متطابقة. أما إذا كنت يهوديًا يعيش في عوفرا، وعربيًا تعيش في رام الله فإن القواعد مختلفة تمامًا. إذا كنت عربيًا تعيش في سوسيا وعربيًا تعيش في رام الله، فإن القواعد مختلفة تمامًا أيضًا. وإذا كنت عربيًا يعيش في الناصرة أو في القدس الشرقية، فإن القواعد مختلفة، هذا دون الحديث عن غزة.

عندما أقول القواعد، أعني كيف تشعر بسلطة إسرائيل وما هي حقوق الملكية الخاصة بك. لأن هذا ما تفعله الدولة؛ فهي تحدد حقوق الملكية. ونعرف أساسًا أنه وفقًا لموقعك ومن أنت بين النهر والبحر، فإن حقوق الملكية الخاصة بك وقدرتك على حماية حياتك ومنزلك وممتلكاتك ستكون تمامًا تحت إرادة القرارات التي تتخذها إسرائيل.

لذلك أرى أنه نوع من السؤال عن منطقة شحيحة الديمقراطية، وكيف تصبح أكثر ديمقراطية مع مرور الوقت. هل يمكن ذلك وكيف نفعل ذلك؟ هذا إطار مختلف تمامًا عن ذلك الذي يرى أن الواقع هو أن ثمة منطقة ليست جزءًا من إسرائيل محتلة بواسطة منطقة هي إسرائيل. لكن الواقع الآن هو أنها دولة واحدة تخضع لسلطة واحدة بقواعد مختلفة.

  • لكن الديمقراطية مرتبطة بالحقوق الوطنية للفلسطينيين. على سبيل المثال، هناك نقاش كبير في إسرائيل حول الضم. كما تعلم، فإن الديموغرافيا سؤال كبير هناك. ماذا علينا أن نفعل؟ يسألون. هل يجب أن نضم الضفة الغربية أم نحافظ على الأغلبية اليهودية؟ هناك كتّاب يمينيون يقترحون مثال بورتريكو (مواطنون بلا تصويت). هناك مسعى واضح لخداع الديمقراطية.

نعم أوافق. وأنا متأكد من أنه عندما يبدأ الليكود في ضم مناطق في الضفة الغربية، فلن يقوم بالفعل بضمها فورًا كما أنه لم يفعل ذلك. لم تقم إسرائيل بالفعل بضم القدس الشرقية. لقد جعلت العرب في القدس الشرقية مواطنين في مدينة القدس، ولم تجعلهم مواطنين في دولة إسرائيل. نفس الشيء في الجولان. لم يتم ضم مرتفعات الجولان فعليًا على الرغم من أن معظم الناس يعتقدون أنه تم ذلك. ما حدث هو توسيع حدود المدن الإسرائيلية المطلة على مرتفعات الجولان. هذا يختلف عن الجليل بعد 1948. كان الجليل يسمى الأراضي المحتلة. لكنها ضُمت إلى إسرائيل حقًا لأن جميع العرب الذين يعيشون هناك كانوا مواطنين.

لذا، فأنت الآن تشير ومعك حق، أنه من المحتمل أن يكون هناك تحايل على الديمقراطية، أسميه أنا سياسات مضللة تفترض وجود حقوق متساوية عندما تكون جميع أنواع القواعد التي تمنع ذلك متوفرة. هل تعرف العبرية؟ هل أنت مخلص للدولة؟ هل كان أي قريب لك في أي وقت مضى إرهابيًا؟ وهلم جرا.

ولكن بمجرد بدء عملية الضم والتوقف عن محاولة التوصل إلى حل الدولتين وهو أمر مستحيل من خلال المفاوضات، يمكن صياغة قضايا المساواة الحقيقية. وسأشير إلى شيء واحد عن الديموغرافيا بما أنك تعرف عملي عن المخاوف الديموغرافية التي استخدمها اليسار كل هذه السنوات لتخويف الإسرائيليين من ضم الضفة الغربية وقطاع غزة.

لقد كانت دائمًا حجة غير مريحة لهم لأنها عنصرية في الأساس. لكنهم قاموا بذلك لأنهم أرادوا الوصول إلى حل الدولتين. بمجرد انعدام الأمل في الوصول إلى حل الدولتين، وبمجرد انتهاء الأمل بإنهاء الحكم العسكري للضفة الغربية وغزة من خلال المفاوضات، فإن الحجة الديموغرافية لن تكون متعلقة بالانسحاب من الضفة الغربية، لأنه أمر سيعرفون أنه مستحيل. وبالتالي ستكون المجادلة بوجود خطر ديموغرافي، بمثابة رسالة بأنه لا يمكن التسامح مع العرب في مجتمعنا، وأنه يجب إعداد المسرح إما لطردهم أو استعبادهم.

لذلك أنا أزعم أن حقيقة الدولة الواحدة تدمر تمامًا الأساس الأخلاقي لاستخدام الحجة الديموغرافية، التي ستخدم مصالح اليمين، الذي يريد مأسسة الفصل العنصري دون تسميته فصلًا عنصريًا.

  • إنه إطار لوصف الواقع كما تقول. لكن ماذا لو تغير الواقع؟ الخصوبة اليهودية في ارتفاع. سؤال الأغلبية، كما أوضحت سابقًا في دراستك "ما يهم هو العد"، لم يعد يمثل أولوية بالنسبة لليمين الإسرائيلي، أو هكذا يزعمون. تتعرض الخصوبة العربية لأنواع مختلفة من المراقبة والسيطرة، وهي تتناقص يومًا بعد يوم. هناك تصميم مستمر للمشهد الديموغرافي.

أعتقد في الواقع أن هذه الحجة حول الأرقام ليست ذات وزن كبير في إسرائيل. من الواضح جدًا عدد المواطنين العرب الموجودين هناك لأن العرب لديهم الآن  واحد من أكبر الأحزاب السياسية، وبدأوا في جذب الأصوات اليهودية أيضًا. السؤال الحقيقي الآن هو ليس عدد اليهود مقابل عدد العرب، بل عدد اليهود الذين لن يتحالفوا مع العرب مقارنة بعدد اليهود الذين سيتحالفون مع العرب. وعدد  العرب الذين سيتحالفون مع اليهود في ظل ظروف معينة، حيث قد يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لكي يتحقق هذا النوع من الاستقطاب، لكن هذا هو المكان الذي يسير إليه الوضع. في رأيي أن الضم سوف يدفع فقط في هذا الاتجاه.

الأشخاص الذين قدموا هذه الحجة السخيفة إحصائيًا وحاولوا إخفاء حقيقة أن هناك عرب بين النهر والبحر أكثر من اليهود، قاموا بذلك لأنهم في تلك المرحلة كانوا قلقين من أن إسرائيل سوف تتخلى عن الضفة الغربية أو سوف تنسحب من أجزاء منها. لا أظن أنهم ما زالوا قلقين بشأن هذا الأمر بعد الآن. إنهم أكثر اهتمامًا بالتحايل على الديمقراطية الذي أشرت أنت إليه. أي كيف يمكن ضم الضفة الغربية، دون إعطاء العرب أي حقوق. لكن ما لا يدركونه هو أنه بعد الضم، سيكون هناك العديد من اليهود ممن سيجدون مصلحة في منح العرب حق الانتخاب لأن هذا هو الطريق الوحيد إلى السلطة بالنسبة لهم.

انظر إلى الولايات المتحدة. دمر الحزب الديموقراطي بعد الحرب الأهلية عملية إعادة الإعمار التي أعطت حقوقًا للسود وفرض نوعًا من الفصل العنصري تجسد في قوانين "جيم كرو"، ما منع السود في الجنوب من أي سلطة سياسية. ذلك الحزب الديمقراطي نفسه، لا يستطيع بعد مائة عام أن يفوز في الانتخابات دون إقبال هائل من قبل السود. هذا ما تفعله السياسة في الديمقراطيات المحدودة.

 تعرف أنها قناعة محزنة، لأنه بالنسبة لكثير من الأشخاص المرتبطين بحل الدولتين، فقد كنا نتخيل أننا سنرى في حياتنا حلًا ورديًا يتحقق بين النهر والبحر. حسنًا، لن يكون هذا صحيحًا بالنسبة لي وبالنسبة لمعظم الأشخاص الذين أعرفهم لأن الأمر سيستغرق وقتًا طويلًا، ولكن على الأقل فإن تلك القناعة تعني توقف الاستمرار في الضغط من أجل وهم لا يمكن أن يتحقق وهو حل الدولتين. بينما ستكون ضد اليمين، الذي يرغب في الاستمرار في تأجيل النضال من أجل المساواة، لأن ذلك يمنحه الفرصة لترسيخ نظام الفصل العنصري، واعتبار أن ترسيخه مجرد انتظار ليظهر الشريك المناسب في المفاوضات.

  • أخشى أن يكون الإطار الذي تتبناه يتساوق مع مفهوم جديد لحل الدولة الواحدة بدأ يظهر بين أوساط اليمين الإسرائيلي، وهو حل يعني ببساطة ضم جميع الأراضي الفلسطينية. هذا واضح في كتاب كارولين غليك "الحل الإسرائيلي".

لدي اقتباسان في بداية كتابي الأخير "ضياع نموذج.. من حل الدولتين إلى واقع الدولة الواحدة"، أحدهما من ليونارد كوهين، استخدمته لوصف حل الدولتين. "تبدو وكأنها الحقيقة لكنها ليست الحقيقة". الاقتباس الثاني هو المثل اليديشي الذي اعتاد جدي أن يكرره، "الرجل يخطط  والله يضحك". أي أن العواقب غير المقصودة هي أكثر أهمية مما يعتقد الناس أنهم يفعلونه ويخططون له. وأظهر في كتابي أن الواقع الآن هو نتيجة عواقب غير مقصودة للنجاحات والإخفاقات الصهيونية، وهي عواقب لم يتوقعها أحد.

وفي هذا السياق، عندما تقرأ كارولين غليك أو الأشخاص الآخرين الذين يتحدثون عن ضم جميع المناطق، فإن ما سيحصلون عليه على المدى القصير ليس ما سيحصلون عليه على المدى الطويل. أنت تعرف أن أبراهام لينكون أصر على حل الدولة الواحدة لأمريكا الشمالية. أرادت الكونفدرالية دولتين واحدة في الشمال. قال لينكون: لن يكون هناك سوى دولة واحدة هنا. وقام بضم الجنوب كله قسرًا إلى الشمال. لم يتخيل هو وأولئك الذين قاتلوا في جيش الاتحاد، أنه من خلال قيامهم بالضم، سينتجون ديمقراطية متعددة الأعراق.

لكن هكذا يعمل التاريخ. إنه لا يسير في المسارات التي يتم التلاعب بها بعناية من قبل السياسيين والأيدلوجيين، لأن العواقب غير المتوقعة تحتل المكان دائمًا. لذا فإنني أرحب بهذا النوع من الضم الشامل لأنه سيعري الواقع كما هو، دولة غير ديمقراطية واحدة تسيطر على جميع الأراضي، حيث إن ضم الضفة الغربية رسميًا بالإضافة إلى غزة سيجعل من الممكن مواجهة تلك الحقيقة والنضال داخلها.

  • يبدو هذا طرحًا متطرفًا!

لكن التطرف من ناحية أخرى هو الاستمرار بالتظاهر بأن هناك شيئًا غير موجود، والاستمرار في الحديث عن شيء لا يمكن الحديث عنه، بدلًا من الحديث عما هو موجود فعليًا. أعني أن السبب الوحيد الذي يجعل الأمر يبدو متطرفًا هو أن الناس غير مستعدين للتعامل مع ما هو حقيقي بالفعل. لقد اعتادوا على التعامل مع المفاهيم التي وُجهت لهم لعقود.

  • رجل يعتقد أنه دجاجة، لكن شقيقه يرفض مساعدته وتخليصه من هذا الوهم لأنه يأمل في الحصول على بعض البيض. لقد استخدمت هذه الاستعارة الساخرة من فيلم وودي آلن، لتقول إن بعض السياسيين يعرفون أن حل الدولتين هو وهم، لكنهم ما زالوا يريدون بعض البيض. ما هو البيض الذي يريدونه في هذه الحالة؟

 سؤال جيد جدًا. أربعة دجاجات مختلفة في المنزل وأربعة إخوة مختلفين يريدون البيض. أولًا الحكومة الأمريكية ولا يهم ما إذا كان الرئيس هو ترامب أم كلينتون أم أوباما أم بايدن. لا يهم من هو الرئيس، فهم يرغبون في اختفاء هذه المشكلة من خلال أي اتفاق مع الإسرائيليين. فقط دعهم يوافقون على شيء سوف يحبونه، وبالنسبة لمعظم الإدارات الأمريكية وحتى رسميًا بالنسبة لإدارة ترامب، فهم يفضلون حل الدولتين لكنهم يعلمون أنهم لن يصلوا إليه، لكن البيض الذي يمكن أن يحصلوا عليه هو التظاهر بأنهم قد يصلون إليه. حتى يناصرهم اللوبي الإسرائيلي.

وتبقى  لديهم تلك المجادلة بأننا لسنا منحازين إلى إسرائيل كما تريد ولكن هذا لأننا نحاول المضي قدمًا في المفاوضات.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| جيمس سكوت: هناك دائمًا ما هو تحت رادار السلطة

ثانيًا: السلطة الفلسطينية. سيكون من الجيد أن يكون حل الدولتين حلًا حقيقيًا بالنسبة لها. إنها تعرف أنها لا تستطيع الوصول إليه، ولكن يمكنها الحصول على البيض الذي يبلغ أربعمائة مليون دولار سنويًا لدفع رواتبها وتزويد الأسر المحتاجة التي تحتاج إلى السلطة، وتحقيق مستوى معيشي لائق للفلسطينيين الذين يعيشون في المنطقة (أ).

ثالثًا: الحكومة الإسرائيلية، وخاصة الحكومة اليمينية، رغم أن الأمر ذاته سيكون بالنسبة لحكومة يفوز بها حزب أزرق أبيض، حيث ترغب في التخلص من المشكلة الفلسطينية. ويرغبون بأن يكونوا قادرين على السيطرة على الأراضي بهدوء وأن تكون إسرائيل قادرة على حكمها دون منح أي حقوق للناس الذين يعيشون هناك. وفي حين أنه ليس من السهل جعل العالم ينسى، فإنه يمكنهم التظاهر بأنهم في لعبة انتظار المفاوضات لبدء حل الدولتين.

إن ما يعنونه بحل الدولتين ليس له أي علاقة بما يعنيه الفلسطينيون، لكنهم يحصلون على بيض الحماية من المجتمع الدولي، وإلى حد ما بالتأكيد الحماية من غالبية الإسرائيليين الذين يرغبون في أن تموضع حكومتهم نفسها بطريقة ما كما لو كانت تريد السلام، فهي تتحدث دون أن تلتزم بحديثها.

أخيرًا، هناك مجموعة أخرى لتحصل على المساعدات، وهي الفاعلة فيما أسميه صناعة عملية السلام. وهي جميع المؤسسات والمنظمات غير الحكومية والمثقفين ومنظمي المؤتمرات الذين يحبون ويريدون حقًا حل الدولتين لكنهم لا يستطيعون الحصول على حل.

لقد نفدت طرق الحصول على حل، لكنهم ما زالوا قادرين على إبقاء أنفسهم موجودين من خلال مناشدة المانحين إلى تمويلهم قبل فوات الأوان وقبل أن ينتهي خيار حل الدولتين. وبالتالي فإن البيض الذي يحصلون عليه، هو بقاؤهم،  وبالتالي يستخدمون الأمل في حل الدولتين للحفاظ على هذا البقاء على الرغم من أنهم يفضلون أن يكون لديهم حل فعلي. لكنهم يعرفون أنه غير ممكن.

 هكذا يعمل التاريخ. إنه لا يسير في المسارات التي يتم التلاعب بها بعناية من قبل السياسيين والأيدلوجيين، لأن العواقب غير المتوقعة تحتل المكان دائمًا

  • بعد الضغط على نتنياهو من قبل إدارة أوباما، للقبول بدولة فلسطينية، قال في أحد مؤتمراته إننا لا نهتم بالأسماء، في إشارة إلى أن ما يجري على الأرض هو الأهم. وفي حين نبدو مشغولين في مناقشة الأطر وكيفية فهم الواقع وتسميته، يبدو أن اليمين الإسرائيلي يصنعه

أتفق. كان الأمر يتعلق بخطاب بار إيلان حيث تحدث عن قبول دولة فلسطينية. لكن ما قصده هو شيء لم يستطع الفلسطينيون قبوله قط. والآن تم التوصل إلى مبالغة أكثر غرابة مع خطة ترامب.

وما ستجده هو أن العديد من اليمينيين في إسرائيل يؤيدون خطة ترامب على الرغم من إدراكهم أنها خطة لحل الدولتين. لأنهم يعرفون بالضبط أن هذا طرح سخيف. وما تقدمه خطة ترامب حقًا هو واقع دولة واحدة دون أي حقوق للفلسطينيين.

وهم يعرفون أن هذه هي الحقيقة. وهم على استعداد أن نسميها شيئًا آخر، في انتظار مزعوم لأن تصبح دولة فلسطين جاهزة للاعتراف بها، من أجل ترسيخ الفصل العنصري. هذا هو بالضبط جوهر خطة ترامب، وأعتقد أن خطاب نتنياهو في بار إيلان كان مقدمة لذلك. نعم.

  • بالتالي فإن خطة ترامب تجعل الواقع أكثر وضوحًا من وجهة نظرك؟

نعم. نعم إنها كذلك. لا أعرف إن كنت قد قرأت الخطة، ولا أعرف عدد الأشخاص الذين قرأوا مثلي جميع صفحاتها البالغ عددها 180 صفحة، لكن هذا بالضبط ما هي عليه.

إنها تجعل الواقع واضحًا. إن ما تفعله هو أنها تقول إن الواقع الحالي سيبقى ثابتًا إلى أن يحدث شيء لا يمكن أن يحدث أبداً. وبالتالي فإن الوضع الحالي هو المصادقة على وجود خمس غيتوهات مختلفة. غزة واحدة من أربع مناطق مغلقة. كل واحدة محاط بالجدار. سيكون الجدار محيطًا بحدود هذه الغيتوهات، ولن يُسمح بالخروج أو الدخول إليها إلا من خلال نقاط العبور التي ستسيطر عليها إسرائيل. لذلك هذا هو واقع دولة واحدة. أنا لا أسميها حلاً لأنها ليست صورة جميلة لدولة واحدة، بقدر ما هي حقيقة واقع مفروض عليه التمييز العنصري الاستبدادي.

  • الدولة الواحدة ليست هي الحل بل الواقع. هل يمكن أن توضح أكثر؟

حسنًا، دعنا نتحدث عن ما أقصده بالخيارات وبالحلول. لقد اعتاد الناس على التفكير في أنه من أجل التحدث عن إجراء ما، يجب أن يقود الأمر إلى صورة مستقبلية جميلة. هذا هو الحل. إنها صورة أفضل للمستقبل الذي تفضله أكثر من الحاضر. وأنت تعرف كيف تصل إلى هناك. لديك طريقة معقولة جدًا للوصول إلى هناك. لهذا السبب تم تسميته بحل الدولتين لأن الناس كانوا على استعداد للتفكير في وجود دولتين مستقلتين تعيشان بجانب بعضهما البعض، وكانوا يعتقدون أنه من خلال المفاوضات والانتصارات السياسية للمعتدلين على كلا الجانبين والضغط الأمريكي والدولي، يمكن أن نحقق ذلك بالفعل.

الآن، لا أعتقد أن معظم المحللين أو حتى معظم السياسيين يعتقدون أنه من الممكن بعد الآن الوصول إلى هناك من خلال المفاوضات، وبالتالي فإن "حل الدولتين" لم يعد حلًا.

 بشأن حل الدولة الواحدة، فإنني أستطيع التفكير في الكثير من الصور الوردية التي تشمل دولة واحدة، لكنني لا أعرف كيفية الوصول إلى أي منها. لماذا أريد أنا أو أي شخص آخر مثلك حلاً يتكون من دولتين أو دولة واحدة. الجواب لأن لدينا قيمًا معينة تدعم الأمر. أنا أؤمن مثلًا بقيمة الديمقراطية وأقدر المساواة وأقدر الحقوق غير الحصرية في تقرير المصير لجميع الشعوب. وتلك هي قيمي. أرغب في دولة أو دولتين مثلًا لأنها مناسبة لهذه القيم. إذا لم أكن أعرف كيفية الوصول إلى الترتيب النهائي الذي أسميه حلًا، يمكنني أن أنظر إلى الموقف من خلال قيمي، والتفكير ما الذي ينبغي علي فعله.

إن "صفقة القرن" تجعل الواقع واضحًا. إن ما تفعله هو أنها تقول إن الواقع الحالي سيبقى ثابتًا إلى أن يحدث شيء لا يمكن أن يحدث أبداً. وبالتالي فإن الوضع الحالي هو المصادقة على وجود خمس غيتوهات مختلفة

لذلك أنا أنظر إلى الخيارات فيما يتعلق بكيفية التعبير عن قيمنا هنا والآن، وبعد ذلك أترك الأحداث تأخذ مجراها. لكن الخيارات لا تنعدم بسبب عدم القدرة على ربط ما نفعله الآن بالحل النهائي الذي لا يمكن حسابه.

  •  تقصد أنها طريقة لفهم الواقع والتعامل معه وليست يوتوبيا

نعم. صحيح. لقد أمضينا بعض الوقت في الحديث ويمكنك فهم ما أحاول قوله. لكن بالنسبة للأشخاص الذين تعاملوا مع هذه المشكلة لسنوات وعقود من الزمان بطريقة معينة، فإن التفكير في الحلول بالطريقة التي أشجع الناس على التفكير بها ليس بالأمر السهل.

لكنه مع الوقت يصبح أسهل، لأن الكثير من الأشياء التي كان عليك دائمًا أن تقلق بشأنها، لا تصبح مقلقة بعد الآن. على سبيل المثال، يعلن نتنياهو عن 4000 وحدة استيطانية. من يهتم إذا وضعوا المزيد من المستوطنين في مناطق سي. هذا يعني عدد أقل من المستوطنين في الجليل أو مناطق أخرى. وهو بالتأكيد لا يقلل من فرص وجود دولة فلسطينية لأن الفرص صفرية أصلًا. لكن المهم هو التمييز. ما الفرق بين الاستيطان في وسط الضفة الغربية وبين الاستيطان في الجليل؟ لذلك فالأهم هو التمييز.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| فيصل دراج: المثقف قائم في النقد

  • بلغة أخرى، يتعلق الأمر بتفكيك امتياز المستوطن أينما كان. بالمناسبة، تعرف أن نموذج جنوب أفريقيا يزداد شعبية في أي حديث عن الحل النهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لكن هناك خوف متزايد بين الفلسطينيين مما حدث هناك. أعني أن إنشاء دولة واحدة دون تفكيك الامتياز قد أدى إلى نوع مستمر من عدم المساواة

 أنا أفهم وأعتقد أنهم على حق. لكن مرة أخرى، فإن هذا من السابق لأوانه. لا بد من التركيز على المدى الطويل. ترى ذلك في جنوب أفريقيا. تعتقد أن لديك انتصارًا كبيرًا يتجسد في إنهاء الفصل العنصري. ولكن بعد ذلك لديك مجموعة جديدة من المشاكل. لكن ما هي السياسة؟ إنها المشاكل التي تواجهها الآن وتأمل أن تكون مشاكل أفضل غدًا. نحن لا نتحول من مجموعة مشاكل إلى صفر مشاكل.

السؤال هو ما هي المشاكل التي تفضل أن تواجهها. واقع لا يوجد فيه أي حق سياسي للفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وغزة؟ أم واقع مع حقوق سياسية لكن بدون مساواة. من الخطأ أن تفكر في أن حياتك الشخصية أو حياتك السياسية هي كفاح للهروب من المشاكل إلى المدينة الفاضلة، حيث لن يكون لدينا أي معيقات. لا، إننا ننتقل من مجموعة من المشكلات إلى مجموعة أخرى.