08-مارس-2022

الروائية العراقية إنعام كجه جي (ألترا صوت)

قدّمت الكاتبة والروائية العراقية إنعام كجه جي (1952)، على مدار نحو عقدٍ ونصف، 4 روايات ومجموعة قصصية واحدة توثّق، كلٌ بطريقتها، تحولات العراق وأحوال بشره خلال مراحل زمنية مختلفة، خبروا فيها مختلف أنواع الأسى والقهر والفقد والشتات داخل حدود بلادهم وخارجها.

الشتات والغربة وما يرتبط بهما ويتفرع عنهما أيضًا، هما أساس روايات إنعام كجه جي التي تؤرخ، بطريقة أو بأخرى، ودون قصد، تحولات هذه المفاهيم وتطوراتها في المجتمع العراقي منذ ما قبل مجيء "حزب البعث" إلى السلطة وصولًا إلى اللحظة الراهنة، مما يجعل منها مرجعًا في موضوعها، ومساحة تقدّم للقارئ فهمًا أفضل لطبيعة منافي العراقيين وشتاتهم، الذي يأخذ أشكالًا جديدة بين زمنٍ وآخر، أو مأساةٍ وأخرى.

في هذا الحوار، تجيب إنعام كجه جي على جملة من التساؤلات حول منجزها الأدبي الذي يضم 4 روايات: "سواقي القلوب"، و"الحفيدة الأمريكية"، و"طشاري"، و"النبيذة"، بالإضافة إلى مجموعة قصصية صدرت مؤخرًا تحت عنوان "بلاد الطاخ طاخ".


  • لنبدأ من سؤالٍ بديهي: متى بدأت إنعام كجه جي الكتابة الأدبية؟ ولماذا وقع اختيارها على الرواية تحديدًا؟

كل المراهقين في العراق يبدؤون شعراء. بينهم من يرعوي مع سن الرشد، وبينهم من يستمر ويصبح شاعرًا حقيقيًا. كانت لي محاولات شعرية ساذجة في بداياتي ثم تخليت عنها حين استولى عليّ هوى الصحافة. أليست الصحافة سردًا لقصص الناس؟

إنعام كجه هي: لا أظن أنني أكتب التاريخ، ولا أزعم قدرتي على ذلك، لكنني أحاول أن ألملم ما يسقط من ظلاله على البشر

نشرت في وقت مبكر قصصًا قصيرة. أما الرواية فقد جاءت في زمن متأخر. كانت الشكل المناسب لاحتواء ما وددت التعبير عنه من صدمات إزاء تدهور العراق الذي انتهى باحتلاله.

اقرأ/ي أيضًا: سنان أنطون: تركت العراق لكنه لم يتركني

  • بين روايتك الأولى وإصدارك الأخير نحو عقدٍ ونصف. ما الذي تغيّر في تجربتك الأدبية خلال هذه المدة، وما الذي ظل ثابتًا فيها؟

كلنا يتغير خلال ربع قرن. نضجت نظرتي للعالم بالتأكيد، وللكتابة. ولعل ما ظل ثابتًا هو تمسكي بالوضوح والإيجاز والتشويق. لا أحبّ أن أعذّب قارئي بالملل.

  • كيف حافظت إنعام كجه جي على رغبتها في الكتابة خلال هذه السنوات؟ وهل حدث أن راودتك الرغبة في التوقف عن ممارستها؟

وماذا أشتغل إذا تركت الكتابة، سواء الصحافية أو الأدبية، وكيف أعيش؟ بالعكس، لم تراودني رغبة هجرانها، وأرجو أنها لم ترغب من جانبها بهجرتي. كل يوم أتمنى لو سمحت لي ظروفي بالتفرغ لها. وبما أنني أعيش وأرى وأسمع وأفرح وأطرب وأتألم وأعاشر البشر، فإن النبع يبقى متدفقًا.

  • بعد أربع روايات، صدرت لك مؤخرًا مجموعة قصصية بعنوان "بلاد الطاخ طاخ". هل من حكاية خلف العنوان؟ وما الذي دفعك إلى كتابة القصة القصيرة؟ كيف وجدت هذا الجنس الأدبي؟

كما قلت لك سبق ونشرت قصصًا قصيرة في مجلات عراقية ومصرية وإماراتية وقطرية، لكن الصحافة صرفتني عنها. القصة بالنسبة لي رواية موجزة في سطرين. و"الطاخ طاخ" هو استعارة لما يعاني منه مواطننا من تفجيرات ونزاعات ورصاص طائش. واليوم، مع الحرب في أوكرانيا، يبدو أن التسمية ستشمل الأجانب.

  • حدثينا عنها.

موضوعي المفضل هو تتبع مصائر البشر حين تنحرف عن مجراها الطبيعي بسبب النزاعات السياسية. كتبت قصصًا عن الخوف والهجرة والتعسف والطائفية وانسحاق الفرد أمام جنون الحاكم. كل هذا بدون دموع وآهات ومناديل وجنازات. الكوميديا السوداء هي الخيط الذي يلضم القصص.

  • ما الذي أخذته منك الصحافة ككاتبة، وما الذي أعطته لك في المقابل؟

لم تأخذ مني الصحافة سوى ما منحته لها عن طيب خاطر، أقصد خمسين سنة من عمري. وهي في المقابل أعطتني كل شيء. وفي السنوات الأخيرة لم أعد أفصل بين الأدب والصحافة. ومن مزايا العمر والخبرة أن مدراء التحرير يرتضون بما تكتب. وبهذا فإنني أكتب في تقاريري الصحافية ومقالاتي ما يقترب من الأدب. أو أتمنى ذلك.

  • كيف تجمعين مواد رواياتك؟ وعلى ماذا تعولين عادةً في بنائها؟ ماذا عن تجاربك الشخصية وموقعها في رواياتك؟

لدينا في الواقع العربي، والعراقي تحديدًا، من المواد الخام الواقعية ما يكفي لألف روائي ويفيض. أتوقف عند ما وراء الأحداث من شخصيات لا تلتفت لها نشرات الأخبار. ويحدث أن أستفيد من خزين تجاربي وذكرياتي في نسيج السرد.

إنعام كجه جي: موضوعي المفضل هو تتبع مصائر البشر حين تنحرف عن مجراها الطبيعي بسبب النزاعات السياسية

لا أعوّل سوى على قارئ مفترض سيفهم ما أردت قوله ويجد فيه ملمحًا مما عاشه، ويتمتع بصفحات لا يشعر أنها تضيع وقته.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| محمد اليحيائي: تاريخ عُمان تتداخل فيه الحقائق بالأوهام

  • هل يشكل الشتات والتشرد أساس منجزك الروائي والموضوع الذي يشغلك أدبيًا؟ وكيف تتعاملين مع ربط اسمك بهذه المفاهيم؟

حين يكون لدينا خمسة ملايين مهاجر أو مهجّر من العراق، يصبح الشتات موضوعي الأهم. هل عليّ أن أنزعج من ربط رواياتي بمفاهيم التمزق والمنفى؟

  • في روايتك "الحفيدة الأمريكية" تطرح بطلة العمل على نفسها السؤال التالي: "هل أنا منافقة، أميركية بوجهين؟ أم عراقية في سبات مؤجل مثل الجواسيس النائمين المزروعين في أرض العدو من سنوات؟". ألا ترى إنعام كجه جي أن هذا السؤال وما يحيل إليه من إشكاليات في الهوية يبدو قادرًا على اختزال مأساة العراق؟

الحفيدة تقول أيضًا إن الهجرة هي استقرار العصر. لم تعد الإقامة في أوطاننا السعيدة تكفل الأمان والحرية، ناهيك عن الرزق. ويرد على الحفيدة رفيقها مهيمن قائلًا: "أنا لا أعرف سوى الوطن الأم... لا الوطن العمّة ولا الخالة". وأظن أن امتزاج الهويات بات ظاهرة واضحة في قرننا الحالي. ومن يدري؟ فقد يصل أبناؤنا وأحفادنا، أواخر القرن، إلى هوية عالمية.

  • نقرأ في الرواية ذاتها: "بكاء النساء هنا ليس هواية. بل طريقة حياة. رياضة يمارسنها بانتظام، فرادى وجماعات، للحفاظ على لياقتهن الروحية". ألا يبدو أن الأمر تحول من طريقة حياة إلى مصير؟

هو مصير طالما أن الأوضاع تتقدم إلى وراء.

  • في روايتي "طشّاري" و"النبيذة" ثمة عودة مكثفة إلى ماضي العراق. يصف البعض هذه العودة بأنها نوع من الحنين إلى مجتمع عراقي متجانس ومتماسك، أو وسيلة لمواجهة واقع العراق وبؤسه. ما رأيك؟

هي الاثنتين معًا. ولا أظن أنني أكتب التاريخ، ولا أزعم قدرتي على ذلك، لكنني أحاول أن ألملم ما يسقط من ظلاله على البشر. أحب أن يعرف جيل أبنائي ما كنا عليه وما أصبحنا فيه.

  • هل يمكن وصف رواياتك بأنها تأريخ اجتماعي لتحولات حياة الفرد العراقي منذ العهد الملكي حتى هذه اللحظة؟

أظن أنني أجبت على السؤال.

  • في السياق نفسه، هل تقوم إنعام كجه جي، من خلال عودتها المتكررة إلى الماضي في رواياتها، برثاء العراق؟

لا أحد يرثي العراق. هذا بلد عمره آلاف السنين. يحترق ثم ينتفض من رماده ويواصل الحياة. والروائيون عمومًا يكتبون عن الماضي أو الحاضر، وأنا منهم. باستثناء روايات الخيال العلمي والسفر نحو المستقبل.

  • أخيرًا، ما هي مشاريعك القادمة؟

رواية جديدة، حين يتوفر وقت استكمالها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار| أسماء عزايزة: خوفُ كلّ من يجد ضالّته في الكتابة هو أن يفقدها

البوشيخي: معجم الدوحة التاريخي للغة العربية يؤسس لنهضة لغوية حقيقية