31-أكتوبر-2017

امتاز حوار الأمير تميم مع قناة "سي بي إس" بالصراحة والوضوح (CBS)

قبل أيام قليلة، استضاف الإعلامي تشارلي روز في برنامج "ستون دقيقة" على قناة "سي بي إس" الأمريكية، أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، متناولًا في حواره معه الحصار المفروض على قطر من دول عربية، ومساعي الولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء هذه الأزمة.

بدا أمير قطر في حواره مع قناة "سي بي إس" الأمريكية، وكأنه يطرح رؤية شاملة للتطورات في المنطقة وسياسات بلاده تجاهها

وبدا الحوار وكأنه رؤية شاملة طرحها أمير قطر، للتطورات في المنطقة وتداعيات الحصار المفروض على بلاده منذ حزيران/يونيو الماضي، وكذا سياسات الدوحة في المنطقة والعالم.

بلد صغير وتأثير كبير

تخلل الحوار تقارير خارجية، من بينها تقرير رصد قطر كبلد في المساحة أصغر من ولاية كونيتيكيت بالولايات المتحدة، لكن بتأثير ربما يفوق دولًا كبرى، وبرؤية مستقلة وطموحة. ولعل هذه الأخيرة كانت دوافع دول الحصار لشن حملتها على قطر.

اقرأ/ي أيضًا: جولة أمير قطر الخارجية.. استمرار تحقيق المكاسب وزيادة في إحراج دول الحصار

ووجه تشارلي سؤالًا لأمير قطر، حول ما إذا كان للحصار بوادر رصده قبل بداياته، فنفى الأمير ذلك، مُؤكدًا أنّه على العكس من ذلك فإن قمة الرياض، التي سبقت الأزمة بحوالي أسبوعين، تمتعت بأجواء من الود والتعاون وتبادل الآراء حول كيفية محاربة الإرهاب، مشيرًا إلى أنّه حتى خطاب ترامب في تلك القمة، أشاد بجهود قطر في مكافحة الإرهاب.

يشي ذلك في النهاية، بأنّ الحصار كان مؤامرة مبيّتة بليل بلا سياق واضح ومعلن لها. وهو ما أكدته التحقيقات التي كشفت أنّ أبوظبي تقف وراء اختراق وكالة الأنباء القطرية (قنا) لبث التصريحات المفبركة، وأكدته أيضًا مطالبت دول الحصار المتغيرة المضطربة والمتغيرة باستمرار.

اتهامات مضطربة ومردودة

طالت قائمة اتهامات دول الحصار لقطر، وعرفت على مدار الأزمة اضطرابًا واضحًا، يكشف عن أن المبررات المعلنة لدول الحصار لفرض حصارها، هي مبررات واهية. وقد تلا تشارلي روز بعضًا من هذه الاتهامات.

من بين هذه الاتهامات وأكثرها شهرة، هي "دعم الإرهاب". وقد رد أمير قطر على هذا الاتهام، وإن كان لم تعد هناك حاجة للرد عليه، فعشرات التقارير الدولية من جهات مختلفة، قامت بواجب الرد موضوعيًا، ليس من باب تبرئة ساحة قطر زلفى لها، وإنما من باب إثبات الواقع الذي يعرفه الجميع.

من الاتهامات أيضًا، علاقة قطر بإيران، وهو أمر عجيب، أن تتهم دولة بعلاقاتها مع دولة أُخرى تملك علاقات مع العالم، بما في ذلك أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، بعد الاتفاق النووي، ويزيد عجبه أنها تملك علاقات مع إحدى دول الحصار وهي الإمارات التي تملك علاقات تجارية مع طهران تفوق غيرها من الدول.

وعن العلاقات القطرية الإيرانية، قال أمير قطر صراحةً: "نحن كدولة نختلف كثيرًا مع إيران، ولكن الأشقاء (دول الحصار)، منعوا عنا الدواء والغذاء فجأة، وتسلم الكثير من القطريين في دول الحصار أمرًا بالعودة إلى بلدهم متجاهلين الكثير من الحالات الإنسانية التي شملت ترحيل مواطنين قطريين مرضى في مستشفيات دول الحصار دون أي نظر في الأبعاد الإنسانية لهذه القرارات". وفي المقابل "استطاعت قطر توفير الغذاء والدواء لشعبها من إيران"، قال أمير قطر. 

تهمة أخرى رددتها دول الحصار وكأنها لا تعرف خلفياتها، وهي استضافة قطر مقرًا لحركة طالبان، ليوضح الأمير تميم بصراحة قد تبدو مُحرجة لدول الحصار، أن وجود مقر لطالبان في قطر كان بناءً على "طلب مباشر من الولايات المتحدة، وكدعوة للحوار تستضيفها قطر". 

"لن نغلق قناة الجزيرة" و"سيادتنا خط أحمر"

لطالما شكلت قناة الجزيرة صداعًا للأنظمة العربية، وهو ما أكده الأمير تميم لتشارلي روز في المقابلة، مُوضحًا أن قطر "تحيزت للشعوب، بينما تحيزوا هم للأنظمة، فلم يُعجبهم هذا"، مشددًا نفي أي نية لغلق قناة الجزيرة، قائلًا: "سيكتب التاريخ بعد خمسين أو ستين عامًا من الآن، ما غيرته الجزيرة في حرية التعبير بالوطن العربي".

أكّد الأمير تميم على أنّ الدوافع الحقيقية للحصار، هي أن أنظمة الدول المحاصرة تريد أن تكون قطر تابعة لها

ثم سأل تشارلي روز الأمير سؤالًا مباشرًا: "ما الذي تعتقد أنه سبب كل هذه الأزمة من البداية؟"، ليجيب الأمير تميم: "هم لا يريدون استقلايتنا، ويريدون لنا أن نكون تابعين لهم، وهو ما نرفضه تمامًا"، مُشددًا: "سيادتنا خط أحمر، ولن نسمح لأحد أن يمس كرامتنا"، مُشيرًا إلى قضية هامة، وهي محاولات تغيير نظام الحكم في قطر: "هم يريدون أيضًا تغيير النظام في البلاد، وهو ما حاولوا فعله إبان حكم والدي في 1996".

اقرأ/ي أيضًا: أمير قطر: نحارب الإرهاب بلا هوادة وندعم المقاومة وحرية التعبير 

وفي تقرير أعده البرنامج في سياق مضمون الحوار، تناول بإيجابية إدارة قطر لسياساتها الخارجية والداخلية. وأشار التقرير إلى قاعدة العديد، أكبر القواعد الأمريكية في المنطقة، لافتًا إلى أنّها القاعدة التي تنطلق منها القوات الأمريكية في حربها على الإرهاب، فيما يبدو إشارة لدرء مزاعم دول الحصار بدعم قطر للإرهاب.

وضع التقرير يده أيضًا على الحرية الدينية التي تمنحها قطر لغير المسلمين في ممارسة طقوسهم الدينية، مقارنةً بالسعودية، التي لا تسمح ببناء الكنائس حتى اللحظة. كما أشار التقرير إلى أنه في الوقت الذي سمحت فيه السعودية للمرأة بقيادة السيارة الشهر الماضي، تتمتع المرأة في قطر بحريات أكبر وعلى نطاق أوسع بكثير، لعل أقلها قيادة المرأة للسيارة.

وضوح في المواقف

في المجمل كان أمير قطر متصالحًا مع صراحته التي تعبر عن وضوح المواقف القطرية. وهكذا كان الحال عندما سئل عما إذا كانت الدوحة ترغب في إنهاء الأزمة، ليجيب: "نعم نريد لهذه الأزمة أن تنتهي"، مُحذرًا من أنّ أي عمل عسكري "سيحوّل الأمور إلى الفوضى العارمة". وكان أمير الكويت قد ألمح الشهر الماضي إلى أنّ دول الحصار كانت على وشك تنفيذ عملية عسكرية ضد الدوحة.

ومع بداية الأزمة، اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقفًا بدا مؤيدًا لدول الحصار، على عكس المواقف المعلنة من مؤسسات الحكم الأمريكية، تحديدًا الخارجية والدفاع. حتى اتجه ترامب أخيرًا نحو حل الأزمة، والتأكيد على الشراكة والصداقة مع قطر. وقد أخبر الأمير تميم بأنّ ترامب دعا قطر ودول الحصار إلى اجتماع في كامب ديفيد للتفاوض حول إنهاء الأزمة، فكان رد الأمير تميم متماشيًا مع وضوح موقف الدوحة، إذ قال: "إذا مشوا تجاهنا مترًا واحدًا، فسنمشي تجاههم 10 آلاف ميل"، مُؤكدًا في الوقت نفسه أن بلاده باتت أقوى بعد الأزمة.

تعبّر صراحة الأمير تميم عن وضوح المواقف والسياسات القطرية، كما تؤكد تصريحاته تمسك بلاده باستقلال قرارها السيادي

وينتهي الحوار مع الأمير تميم بتقرير يتضمن مشهد الاستقبال الشعبي في الدوحة للأمير تميم، عقب عودته من جولة شملت تركيا وألمانيا وفرنسا، وأخيرًا نيويورك، حيث ألقى خطابًا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عبّر فيه عن اعتزازه بشعبه والمقيمين الذي أبدوا ترابطهم في وجه الأزمة. وعلق التقرير على المشهد بقوله إنّ الأمير تميم بدا وقتها يحصد انتصار صمود بلاده في وجه الحصار، مُشيرًا إلى الثقة التي نالتها قطر عالميًا بحسن إدارتها للأزمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كلمة أمير قطر في الأمم المتحدة.. فضح للغدر ودعم لقضايا الشعب العربي

واشنطن بوست: حصار قطر يبوء بالفشل!