28-فبراير-2023
getty

إعداد: سفيان البالي وسلمى قويدر

في 14 شباط/ فبراير 2022، وقبل عشرة أيام بالضبط من انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا، حل أكرم خريف، الخبير العسكري ومدير موقع "مينا ديفانس" المختص في العتاد والصناعات الدفاعية، ضيفاً على "ألترا صوت" في مقابلة حصرية. ناقشنا خلالها طبول الحرب التي كانت تدق ومناوراتها، كما ميزان القوة العسكرية بين الغريمين والفروق في العدد وفي تسليح الجيشين، ومنه حاولنا استشراف السيناريوهات التي ستؤول إليها الأمور على الأرض حال انطلاق الحرب.

أهم ما يمكن ملاحظته في هذه الحرب هو تأقلم الطرفين معها، حيث تم اتباع مخططات وتكتيكات جديدة أثرت على فعالية الأسلحة بصفة عامة

اليوم، وبعد مرور عام من الغزو الروسي لأوكرانيا، نعود للمحلل العسكري أكرم خريف، وذلك من أجل تقييم الحرب من ناحية الأداء العسكري والاستراتيجي، وأخرى مرتبطة في استشراف مستقبل الحرب.


  • لاحظنا في الأيام الأولى للحرب، وهو ما تناقلته العديد من التقارير الصحفية، عن تعرض عدد من المدرعات الروسية للتدمير وبعضها تم التخلي عنه لوقوع أعطال فيه. هل هذا يعني أن روسيا لا تمتلك معدات ذات جودة عالية؟ أم أن تلك كانت خطة حرب مقصودة من الكرملين؟ 

العدد الأكبر من الدبابات المدمرة ظهر في الأسابيع الأولى [للحرب]، عندما تقدمت القوات الروسية بسرعة، ويعتبر هذا الأمر عاديًا مع تحول الحرب إلى حرب خطوط ثابتة وحرب مدفعية. وأيضًا كانت خطة روسيا في الأسابيع الأولى، أن تقحم معدات قديمة قامت بتحديثها مؤخرًا، لكي تتخلص من مخزونها القديم. لكنني متيقن شخصيًا، من أن الروس لم يتوقعوا هذه الشدة من المقاومة الأوكرانية، ومدى استعداد جيش كييف لهذا الغزو.

منذ عام 2015، شرعت روسيا في تحديث أكثر من 3000 دبابة ومدرعة، وكان الهدف من ذلك هو استعمالها في الخطوط الأولى في المواجهات العنيفة المرتقبة، بحكم أنها دبابات قديمة وجب إخراجها من العتاد الروسي.

لهذا، رأينا تدميرًا لعدد منها، ومن جهة أخرى، كانت هناك أيضًا مشكلة في التغطية الجوية، حيث لم تتمكن روسيا أن تحقق تفوقًا كاملًا على المضادات الأوكرانية، كما بقيت هنالك قابلية -نوعًا مًا- لأوكرانيا لإسقاط الطائرات وتعطيل النشاط الجوي للطائرات الروسية، ما أدى إلى نقص التغطية الجوية وتمكن الأوكران من تدمير هذه المدرعات.

getty

  • مثّل سلاح جافلين الركيزة الأساسية للمقاومة الأوكرانية، ما تقييمكم لهذا السلاح؟ وما مدى نجاحه في مهمته على أرض المعركة؟

مع بداية الحرب، استعمل الغرب أسلوب الدعاية للأسلحة التي قدمها لأوكرانيا، ومن ضمنها قاذفات جافلين المحمولة على الكتف، لكن فيما يخص فعاليته في ساحة المعركة، وحسب الإحصائيات الغربية، دمرت المدرعات الروسية بشكلٍ أساسي من خلال الألغام، وتأتي الصواريخ المحمولة في المرتبة الثالثة. وضمن فئة الصواريخ المحمولة، فقد كانت الصواريخ الروسية والأوكرانية، ثم "NLAW" البريطانية، أكثر نجاعة من الجافلين.

ويوجد عامل آخر أدى إلى هذا النقص في الفعالية، هو أن روسيا تفطنت لفرط استعماله من جانب الجيش الأوكراني، فقررت تفادي التوغل عبر المدن والقرى التي كانت تحتوي على كمائن جافلين منصوبة ضدها، وعوض ذلك، فضلت القوات الروسية التنقل عبر طرق محاذية للغابات، ما قلل من فعالية نظام جافلين المعروف بأن صاروخه يأخذ منحى من فوق إلى تحت، ما يجعله قليل الفعالية في الغابات مثلًا.

getty

  • كانت مسيرات "بيرقدار تي بي 2" التركية لاعبًا أساسيًا في معادلة الدفاع الأوكرانية، هل من الممكن توضيح إمكانيات هذه الطائرة؟ وما الذي جعلها مناسبةً للحرب في أوكرانيا؟

في بداية الحرب، حققت مسيرات بيرقدار العديد من النجاحات. حيث بدأت كييف القتال بحوالي 24 مُسيّرة بيرقدار، ثم حصلت على 80 مُسيّرة إضافية. لكن بعد عام، كان العدد المتبقي مقدرًا في ست مُسيّرات. وبالتالي، مع التقدم في الحرب، تعلمت روسيا من أخطائها، حيث عدلت دفاعاتها الجوية، لهذا يصعب اليوم على الجيش الأوكراني استعمال المُسيّرات الكبيرة والمتوسطة في مواجهة الجيش الروسي.

ومن أهم ما يمكن ملاحظته في هذه الحرب، هو تأقلم الطرفين معها، حيث تم اتباع مخططات وتكتيكات جديدة أثرت على فعالية الأسلحة بصفة عامة. 

رأينا مثلا أنه في حالة "بيرقدار" كيف كانت فعاليتها جيدة في البداية، ثم تم إقحام منظومتي "بانتسير" و"طور" داخل المناطق التي احتلتها روسيا، مما ساهم في التقليل من فاعلية المُسيّرة التركية، بما أن تلك المنظومات الروسية تمتلك قابلية كشف البيرقدار على مدى يتراوح بين 25 و70 كم، في حين أن هذه الأخيرة ليست لها القدرة على قصف الأهداف على مدى يتجاوز 12كم. بالمقابل، هذا يعني  أيضا أن المضادات الصاروخية التي تم إقحامها قد تتدنى فعاليتها كلما توغلت القوات الروسية داخل الأراضي الأوكرانية. 

getty

  • في مقابل المُسيّرات التركية اعتمدت روسيا على مسيرات "شاهد" و"مهاجر" الإيرانية. ما هي الأدوار التي قامت بها هذه المُسيّرات؟ وكيف خدمت خطة الحرب الروسية؟

أثبت المسيّرات الانتحارية في كلى الطرفين نجاعتها بصفة عامة، حيث كان الجيش الأوكراني أول من استخدمها في الحرب. لكن دخول "شاهد" في الحرب غيّر أشياء كثيرة، لأن المٌسيّرة الإيرانية فعالة ومداها كبير، مع أن ثمنها منخفض. 

أمّا مٌسيّرات "مهاجر" فقد لعبت دورًا أقل فعالية، نظرًا لمحدودية أعدادها وبالتالي استعمالها كان محدودًا. وتشبه "مهاجر" -نوعا ما- مسيرات "بيرقدار"، وفي نجاعتها  تتأرجح بين "بيرقدار" و"بريداتور" الأمريكية، مع إمكانية تسيير وتحديد أهداف المُسيّرات الانتحارية، إضافة إلى ضرب بعض المواقع داخل العمق الأوكراني.

بالإضافة إلى هذا، استعملت روسيا مُسيّرات انتحارية محلية الصنع بنجاعة، مثل "كوب" و"لانتست"، كما استعانت أوكرانيا بطائرات صغيرة (درون) "سويتشبلايد و "وارمايت" خلال الحرب.

getty

  • على الجهة الأخرى، ما هي أبرز الأسلحة الروسية التي منحت الجيش الروسي أفضليةً عسكريةً في بعض محطات الحرب؟ 

أثبتت العديد من الأسلحة الروسية نجاعتها، ففي الجو أظهرت "سوخوي 35"  قوتها في السيطرة على الأجواء، كما كشفت المروحية "ميغ 28" عن تفوقها في الميدان، ولم يفقد الجيش الروسي إلّا القليل منها. وفي الأرض، استعملت روسيا دبابة "ترميناتور" و"تي إم 90" بفعالية ودون خسائر كبيرة.

أما بالنسبة لأنجع سلاح استعملته روسيا خلال هذه الحرب، في تقديري، كان سلاح الصواريخ، حيث برهنت موسكو على تفوقها على المعسكر الغربي والولايات المتحدة الأمريكية في هذا النطاق. ونذكر هنا مثلاً صاروخ "خنجال"، الذي تفوق سرعته سرعة الصوت بثلاث مرات، إذ لا توجد أي منظومة دفاع جوي -سواء في الغرب أو الشرق- قادرة على التصدي له.

ومن الملاحظ كذلك تفوق صاروخ "كاليبر" الذي يطلق من البحر، عبر الغواصات والفرقاطات الروسية، ويفوق مداه الـ 1000كم، بالإضافة إلى دقته الشديدة في التصويب. وصاروخ "اسكندر"، الذي استعمل بشكلٍ مكثف من الجانب الروسي منذ بداية الحرب، وحتى مراحل متقدمة منها، حيث استخدم في استهداف المولدات الطاقية وبعض تجمعات الجنود الأوكران داخل أوكرانيا.

كما يمكن القول أيضا أن صواريخ كروز من نوع "خ 101"، التي تُطلق من داخل روسيا عبر الطائرات الاستراتيجية ويصل مداها إلى 2000كم، وكان لها دور فعال جدًا، إذ كانت الوحيدة التي تضرب أهدافًا أوكرانية في أقصى غرب البلاد، على مشارف بولندا، بدقة عالية، وكانت أبرز الهجمات التي استخدمت فيها هذه الصواريخ، هو قصف معسكر للقوات الدولية التي حضرت للتطوع مع الجيش الأوكراني وأدى إلى مقتل 100 متطوع منهم.

getty

  • بالمقابل، ما هي الأسلحة التي يجب أن يمتلكها الجيش الأوكراني لمواجهة العتاد الروسي؟ وكيف سيؤثر هذا على المخزونات الغربية، باعتبارها مورد السلاح الرئيسي للجيش الأوكراني؟

أثبتت المدفعية الغربية تفوقًا حاسمًا على نظيرتها الروسية، ويمكن اعتبارها ربما العامل الأساسي في تعطيل عملية الغزو. وتبقى أوكرانيا اليوم في حاجة  إلى وسائل النقل السريعة والآمنة، من مدرعات وشاحنات مصفحة، لكي تتمكن من تكثيف القصف والتحرك بسرعة لمباغتة الجيش الروسي.

كما يحتاج الجيش الأوكراني إلى الذخيرة المدفعية والمدافع، وهو ما أصبح اليوم صعبًا مع استنزاف المخزون الغربي؛ فليس لدول مثل فرنسا وبريطانيا، بمخزون ذخائرها وعتادها الحربي الحالي، أكثر مما يجعلها تصمد ليومين أو ثلاثة أيام أمام حرب ذات نطاق واسع مثل الحرب الروسية-الأوكرانية.

ويقابل نفاذ الذخيرة والمعدات لهذه الدول، محدودية القدرة الإنتاجية لشركات صناعاتها الدفاعية. مثلاً، فرغم تفوق مدفع "سيزار" الفرنسي في الميدان، إلّا أن تصنيعه لا يتم إلّا بكميات محدودة، لا تتعدى 12 إلى 16 وحدة في العام، بينما تصنع روسيا المئات من وحدات المدفعية كل عام.

  • مؤخرًا، وافقت الدول الغربية على منح حوالي 300 دبابة لكييف، من بينها "أبرامز" الأمريكية و"ليوبار 2" الألمانية. ما الأدوار التي ستقوم بها هذه الأسلحة؟ وهل يمكن أن تغير معادلة الحرب؟

يمكن لهذه الدبابات أن تكون ناجحة حسب الكيفية التي ستستخدم فيها. مثلاً، إذا استعملت في هجمة مباغتة على هدف ما، ستزيد من قوة الهجمة وفعاليتها، ولكن إذا تم استغلالها لتعزيز الجيش بصفة عامة، فإن العدد لن يكفي للتصدي للآلاف من الدبابات الروسية الحديثة.

أثبتت المدفعية الغربية تفوقًا حاسمًا على نظيرتها الروسية، ويمكن اعتبارها ربما العامل الأساسي في تعطيل عملية الغزو

في كل الأحوال، الاختبار الجدي لكل ما سبق سيكون في هجمات الربيع المتبادلة، حيث تسعى روسيا لاغتنام الفرصة من أجل التوغل في العمق الأوكراني، وقطع الشريان اللوجيستي الرابط بين كييف والدونباس. أمّا في الجانب الأوكراني، فمن المتوقع القيام بالهجوم نهاية الربيع في محاولة لتحرير مقاطعتي ميكولايف وخيرسون على الأقل.