29-مارس-2022
اعتقالات الأردن في ذكرى 24 آذار

تشهد الأردن استمرارًا في تدهور الظروف المعيشية للمواطنين (Getty)

شنت السلطات الأردنية يومي الأربعاء والخميس الماضيين حملة اعتقالات واسعة طالت حوالي 45 مواطنًا قبل إطلاق سراح معظمهم في اليومين التاليين. تزامنت الحملة مع حلول الذكرى الحادية عشرة لفض اعتصام 24 آذار/مارس الذي انطلق معه الحراك ليمثّل النسخة الأردنية من أحداث الربيع العربي، والذي انتهى بالفضّ العنيف من قبل قوّات الأمن. 

طالت الاعتقالات نوابا سابقين ونقابيين ولواء متقاعدا من جهاز المخابرات العامة ومتقاعدين عسكريين وناشطين حزبيين وحراكيين وأحد الصحفيين

الاعتقالات التي طالت نوابا سابقين ونقابيين ولواء متقاعدا من جهاز المخابرات العامة ومتقاعدين عسكريين وناشطين حزبيين وحراكيين وأحد الصحفيين، تبعتها تشديدات أمنية بعد دعوة "اللجنة التحضيرية للإنقاذ الوطني"، برئاسة الوزير السابق أمجد المجالي، إلى مسيرة تتجه من وسط البلد إلى القصر الملكي في رغدان للمطالبة بإجراء إصلاحات ضد الفساد.

الجزيرة نت نقلت عن مصدر أمني أنه "جرى استدعاء وتوقيف عدد من المنظمين والداعين لتنظيم اعتصام ومسيرة ظهر اليوم، وذلك لمخالفتهم أوامر الدفاع، وعدم حصولهم على إذن رسمي بإقامة الاعتصام، وفقا لقانون الاجتماعات العامة".

في المقابل، نددت أحزاب ومؤسسات مجتمع مدني بالاعتقالات وطالبت بإطلاق سراح المعتقلين، إذ أصدر ائتلاف يضم أحزاب "البعث العربي الاشتراكي"، و"البعث العربي التقدمي"، و"الحركة القومية للديمقراطية المباشرة"، و"الشعب الديمقراطي"، و"الشيوعي" و"الوحدة" ، بيانا أعرب فيه عن قلقه من "استمرار سياسات التضييق على الحريات العامة ومحاصرتها" والذي من شأنه أن يقدم رسالة سلبية متعاكسة تماما مع ما يتضمنه الخطاب الرسمي من دعوات للإصلاح السياسي الديمقراطي، كما من شأنه أن يزيد فجوة الثقة بين الشعب ومؤسساته الرسمية.

واستنكرت لجنة الحريات في حزب جبهة العمل الإسلامي حملة الاعتقالات، وطالبت بوقف ما وصفته بـ"نهج التأزيم الذي تواصله الحكومة في التعامل مع النشطاء السياسيين ونشطاء الحرك المطالب بالإصلاح وحقهم في التعبير عن رأيهم بشكل سلمي".

كما دانت أحزاب الوحدة الشعبية وجبهة العمل الإسلامي والشراكة والإنقاذ والحياة وأردن أقوى والمستتقبل في بيان منفصل حملة الاعتقالات ووصفتها بأنها تعكس مدى التراجع في الحريات العامة والردة عن الانفراج الديمقراطي.

اعتقالات على وقع "عرس ديمقراطي"

تأتي حملة الاعتقالات في الأسبوع ذاته الذي شهدت فيه البلاد انتخابات بلدية شارك فيها 29.64% ممن يحق لهم الانتخاب، في نسبة تعد من بين أقل نسب المشاركة في تاريخ ما يوصف بالعملية الديمقراطية في البلاد.

كما شملت حملة الاعتقالات عضوين سابقين في مجلس النواب هما وصفي الرواشدة وغازي الهواملة، وكان الأخير مرشحا لرئاسة بلدية الطفيلة في الانتخابات التي سبقت اعتقاله بيومين.

الانتخابات التي شدت مؤسسات الدولة لها حُزُمها علّها تسعف سمعتها الآخذة بالتراجع على سلم الحريات، ما إن أُغلقت صناديقها حتى اندلعت أعمال شغب في عدد من مناطق المملكة، استخدمت فيها العيارات النارية وأحرقت على إثرها مركبة ومبنى للبلدية.

رواد مواقع التواصل الاجتماعي انتقدوا التناقض بين الدعوة لممارسة الحق بالانتخاب والوعود بالإصلاح وبين حملة الاعتقالات التي شنت على خلفية إبداء نوايا للتظاهر السلمي.

كما انتقد آخرون قوانين الدفاع التي بدأ إصدارها بسبب جائحة كورونا، إلا أنها لا تزال سارية رغم السيطرة على الوباء.

الحكومة: لا معتقلون سياسيون في البلاد

دأبت السلطات الأردنية طوال السنوات العشرة الماضية على التأكيد من حين لآخر على عدم وجود أي معتقلين سياسيين في السجون، وكانت آخر هذه التأكيدات على لسان وزير الداخلية، مازن الفراية، الذي صرح مطلع هذا العام أن "مستوى الحريات في الأردن مرتفع، ولا يوجد أي موقوف لدى الدولة على قضايا الحريات."

في الجانب الآخر، أصدرت منظمات حقوقية دولية تقارير متعددة تبدي فيها قلقها من تزايد الاعتقالات ضد الناشطين السياسيين والمتظاهرين وتوجيه اتهامات وصفت بالغامضة وأنها  تستخدم للحد من حرية التعبير. آخر هذه التقارير صدر الأسبوع الماضي عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إذ أعرب المرصد عن قلقه "إزاء استمرار احتجاز السلطات الأردنية 11 ناشطًا سياسيًا في ظروف سيئة، وبموجب إجراءات شابتها مخالفات قانونية جسيمة." التقرير نقل عن مصدر مسؤول قوله أن عمليات الاحتجاز جرت "بناء على إجراءات قانونية محضة لا تتعلق بأي نشاط أو توجهات سياسية"، وأنّها جرت على خلفية "إثارة النعرات المذهبية والعنصرية" و"إذاعة أنباء كاذبة".

التلفزيون العربي

مالك أبو عرابي، العضو في الملتقى الوطني للدفاع عن الحريات ومحامي الناشط أنس الجمل الذي لا يزال موقوفا إلى الآن على خلفية منشور انتقد فيه اتفاقيات التطبيع بين دول عربية ودولة الاحتلال، يقول لألترا صوت إن أعداد المواطنين الموقوفين على خلفية آرائهم ونشاطاتهم السياسية تقدر بين 50 إلى 60 على الأقل، حوالي 14 منهم موقوفون على خلفية قضايا تتعلق بالحراك.

يضيف أبو عرابي أن السلطات تبرر نفيها وجود اعتقالات سياسية بأن المعتقلين توجه لهم تهم ويحالون إلى القضاء، في الوقت الذي يعرف فيه الاعتقال السياسي على أنه حجز حرية أحدهم بسبب تعبيره عن رأي سياسي.

أبو عرابي لألتراصوت: رغم أن السلطات تراعي توفير معاملة إنسانية وأوضاع احتجاز جيدة نسبيا، إلا أنها تتبع أسلوبا انتقاميا يهدف إلى منع التعبير عن الرأي

في السياق ذاته، يؤكد أبو عرابي أنه رغم أن السلطات تراعي توفير معاملة إنسانية وأوضاع احتجاز جيدة نسبيا، إلا أنها تتبع أسلوبا انتقاميا يهدف إلى منع التعبير عن الرأي، وهو ما يظهر جليا، على حد قوله، في حالات الاعتقال الإداري الأخيرة وفي حبس الموقوفين في مراكز احتجاز بعيدة عن أماكن سكنهم، وهو ما يعتبر بمثابة عقاب لأهالي الموقوفين وللمحامين الموكلين بالدفاع عن المتهمين.