16-نوفمبر-2017

كانت الحملة الإعلامية ضد شيرين ذريعة للفت الرأي العام المصري (ياسين القايدي/أ.ف.ب)

شيرين عبد الوهاب وحمدين صباحي وسد النهضة، لا يبدو للوهلة الأولى أن هناك ما يجمع هؤلاء، ولكن استطاع الإعلام المصري أن يصنع خلال الساعات الماضية مزيجًا غير مفهوم يربط الثلاثة بالوطن وخيانته، بشكل غير مقنع كثيرًا. كان المهم فقط بقاء السيسي خارج المسؤولية، بعد إعلان وزير الري المصري فشل التوصل لاتفاق مرضي في مفاوضات سد النهضة الأخيرة، مما يعني أزمة متوقعة خلال السنوات القادمة، مع بداية تخزين إثيوبيا المياه خلف السد. هكذا التجأ النظام إلى أذرعته الإعلامية ولجانه الإلكترونية للبحث عن أي ضحية وتحميله المسؤولية وجذب الانتباه له بعيدًا عن الأزمة.

لم تكن الحملة الإعلامية وفي مواقع التواصل ضد شيرين مبررة أو بريئة بل اعتبرها كثيرون ضحية لإلهاء الرأي العام بعد فشل مفاوضات سد النهضة

تحول إذًا إعلام القاهرة، من خلال نقاشات مطولة، للتطرق لقضية تقترن بالنيل ولكن بعيدًا عن السد، حيث ذهبت الأذرع لشن حملة ضد تصريحات قديمة للمطربة المصرية شيرين عبدالوهاب، قالت فيها إن "الشرب من مياه النيل يسبب البلهارسيا"، وطالب البعض بسحب جنسيتها وقدمت ضدها بلاغات في النيابة وأصدرت النقابة التابعة لها وقف ترخيص مزاولتها الغناء. وبعد أن بدأ موضوع شيرين عبد الوهاب في الخفوت، شنت اللجان وبعض الصحف التابعة لها حملة ضد حمدين صباحي، المرشح الرئاسي السابق، وبعض نشطاء ثورة 25 يناير، وقد حملوهم مسؤولية إنشاء إثيوبيا لسد النهضة.

اقرأ/ي أيضًا: ارتفاع جديد لأسعار المياه وحلول الحكومة المصرية: "معلش"

أزمة شيرين.. قصة البحث عن ضحية

منذ نحو 10 أشهر، أحيت المطربة المصرية شيرين عبد الوهاب حفلًا غنائيًا في مدينة الشارقة بدولة الإماراتية، وخلال الحفل طلبت إحدى الحاضرات أغنية "مشربتش من نيلها" لترد المطربة المصرية بمزحة بشكل ساخر "هيجيلك بلهارسيا.. اشربي إيفيان أحسن"، وضحك من تواجد في الحفل، وانتهى الموقف و"مات الكلام"، كما يقال بالمصرية الشعبية.

ولكن وبشكل مفاجئ أعيد نشر مقطع من الحفل تضمن تعليق شيرين عبد الوهاب وانطلقت حملة إعلامية وفي مواقع التواصل ضد الفنانة المصرية. إعادة النشر أثار جدلًا وتعجبًا لدى عدد من الصحفيين والنشطاء السياسيين الذين نشروا تغريدات حول الحملة، وصفوها بأنها "غير مبررة" واعتبروا أنه تم الاتفاق بشأنها بين الأذرع الإعلامية للسيسي، لجذب الانتباه وإلهاء الرأي العام عن فشل مفاوضات سد النهضة في الغالب.

ورغم اعتذار شيرين عبد الوهاب في بيان مطول إلا أن الحملة استمرت وتصاعدت وتحولت لـ"أزمة وطنية" لتقرر نقابة المهن الموسيقية إيقاف المطربة عن العمل وتحويلها للتحقيق عما بدر منها من "إساءة لمصر"!، ومن فرط السرعة لاتخاذ القرار، جاء في قرار النقابة أن الحفلة كانت في بيروت، رغم أن الفيديو من حفلة في الإمارات وهو نفس الخطأ الذي وقع فيه جل الإعلاميين، وكأن تعليمات واحدة وصلتهم.

كتب الصحفي خالد البلشي، عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق ورئيس تحرير جريدة البداية المحجوب موقعها الإلكتروني في مصر: "مرة ناس فشلوا في مفاوضات سد النهضة.. فعملوا اللي عليهم وعاقبوا شيرين (وأهو كله نيل)". الإعلامية حياة اليماني كتبت من جانبها على موقع تويتر: "مش مهم نهر النيل يضيع بتوقيع اتفاق سد النهضة الإثيوبي المهم ميتهانش #شيرين_عبدالوهاب مشربتش من نيلها، طب إلحق إشرب علشان مش هتلاقيه أصلاً".

جمال سلطان، رئيس تحرير جريدة المصريون المحجوب موقعها في مصر أبدى تعجبه من إدانة الحديث عن تلوث مياه النيل ونشر صورة لتقرير قديم في صحيفة البوابة، المقربة من الأجهزة الأمنية، يتعرض لخطورة مياه النيل، وتساءل الروائي إبراهيم عبدالمجيد، "مين اللي أحيى النكتة دي بعد سنة وليه؟".

 

والمشهد يبدو عبثيًا بقدر كبير، فالاتهامات جديدة مصريًا ومن ضمنها "الإساءة للنيل" و"السخرية من النيل" إلى جانب تهم أخرى كـ"الإساءة لمصر والسخرية من رموز تاريخية"، وكان يلزم الحملة بالتأكيد مزايدات من ضمنها مطالبة الشيخ مظهر شاهين، عضو بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، بسحب الجنسية من شيرين، وإعلان المحامي سمير صبري تقديم بلاغ للنيابة ضد المطربة، وتوعدها بعقوبة السجن لنحو خمس سنوات.

اقرأ/ي أيضًا: مخابرات مصر والموقف من حماس.. صراع وتناقض يفضحه إعلام النظام

بعد شيرين.. حمدين المتسبب في أزمة السد

بعد خفوت الحملة على شيرين عبد الوهاب، قررت الأذرع الإعلامية اختراع ضحية جديدة والفكرة انطلقت من جريدة مقربة من الجهات الأمنية هي "اليوم السابع" والتي قامت في مقال باتهام حمدين صباحي، المرشح الرئاسي السابق وزعيم ما يعرف بالتيار الشعبي، بوقوفه وراء بناء إثيوبيا لسد النهضة، بسبب مشاركته في وفد شعبي لزيارة عدد من الدول الأفريقية من بينها إثيوبيا.

بعد خفوت الحملة على شيرين عبد الوهاب، قررت الأذرع الإعلامية اختراع ضحية جديدة وهي حمدين صباحي وقد هاجموه لزيارة سابقة له إلى أثيوبيا

ولم تذكر الجريدة توقيع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بنفسه على "وثيقة الخرطوم" في كانون الأول/ ديسمبر 2015 ، والذي نص الاتفاق من خلالها على إعداد المكاتب الاستشارية دراسة فنية عن سد النهضة في مدة لا تزيد عن 11 شهراً، للاتفاق بعد انتهاء الدراسات على كيفية إنجاز السد الإثيوبي، من دون الإضرار بدولتي المصب، وهو الاتفاق الذي استندت إليه أثيوبيا.

الحديث عن مسؤولية حمدين صباحي في "الأزمة المائية المصرية المنتظرة" أو مسؤولية شباب الثورة كان محل سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي. الصحافي المصري أحمد رجب علق قائلاً: "كيف تعامل حكام مصر مع أزمة سد النهضة؟.. حاكموا شيرين عبدالوهاب، هاجموا حمدين صباحي". أما شادي الغزالي حرب، الناشط السياسي، فقال: "نظام السيسي مش لاقي حاجة يبرر بيها فشله في ملف نهر النيل وخيانته بتوقيع اتفاق التفريط في حقوقنا المائية غير أن يلوم ثورة يناير ويحمل نشطائها.. المسؤولية". وكانت التعليقات متنوعة في هذا السياق.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الإعلام المصري وانتخابات اليونسكو: نظرية المؤامرة تقود كل شيء

مروج إبراهيم ليست الأولى.. رحلة مع انعدام المهنية في الإعلام المصري