16-أغسطس-2019

الحدود المغربية الجزائرية مغلقة منذ أكثر من ربع قرن (أ.ف.ب)

وقفةٌ احتجاجية أمام حدود ظلت ربع قرن مغلقة، تلك التي جسدتها صبيحة الـ13 من آب/أغسطس الجاري "اللجنة الجزائرية لفتح الحدود البرية الجزائرية المغربية"، أمام المركز الحدودي "العقيد لطفي"، الذي يفصل المغرب والجزائر. لجنةٌ أفرزت عن مبادرة أطلقها فاعلون حقوقيون وجمعويون جزائريون تجمعهم رغبة واحدة، هي: حلحلة الوضع الراكد على الحدود، والذي خلّف ويخلف مآسي إنسانية شتى.

انطلقت صبيحة 13 آب/أغسطس قافلة من الفاعلين الجزائريين إلى الحدود مع المغرب في مبادرة لفتح الحدود بين البلدين

تكتسب المبادرة هذا الزخم بعد عودة القضية مجددًا إلى الطفو على صفحة النقاش العام في البلدين، مع الحراك الداخلي الذي تعيشه الجزائر، واللحظة التاريخية التي فجرتها نهاية كأس الأمم الأفريقية، ومظاهر الفرح التي اشتركها الشعبان على طول الشريط الحدودي.

اقرأ/ي أيضًا: "خاوة خاوة".. الهتاف الذي وحَّد المغاربة والجزائريين في مصر!

تود المبادرة، بفعل القائمين عليها، إضافة فتح الحدود إلى مكتسبات مخاض الحرية الذي تعيشه البلاد، تزامنًا مع خطاب رأس الدولة المغربية، الملك محمد السادس، الذي ما فتئ يعيد مد يده للسلطات الجزائرية، مرة أخرى في خطابه الأخير، بتطبيع العلاقات وإعادتها إلى مجراها الأخوي.

في وقفة "العقيد لطفي"

انطلقت صبيحة الثلاثاء 13 آب/أغسطس الجاري، قافلة من الفاعلين الحقوقيين والإعلاميين والنقابيين والمثقفين الجزائريين، إلى النقطة الحدودية "العقيد لطفي" مع المغرب؛ بشعار واحد هو: "الفتح العاجل للحدود بين البلدين"، كثمرة لمبادرة جمعتهم مطلع هذا الشهر، أطلقها سعيد هادف الباحث السياسي والشاعر الجزائري.

الحدود المغربية الجزائرية
الحدود المغربية الجزائرية

 يقول سعيد هادف في تصريحات لـ"الترا صوت": "تأتي هذه الوقفة بغرض التحسيس بحق التواصل بين الشعبين الشقيقين، وكثاني فعل نضالي تقوم به اللجنة الجزائرية لفتح الحدود البرية الجزائرية المغربية، بعد العريضة التي وقعها العشرات مؤكدين انضمامهم إلى مطالب المبادرة".

في ارتسامات استقاها "الترا صوت" من عين المكان، يقول فراس فرحات، الفاعل الجمعوي الجزائري: "إننا نريد لمَّ شملنا وصلة الرحم مع أشقائنا في المغرب"، مضيفًا: "لقد حملنا جوازات سفرنا وسنطلب منهم السماح لنا بالمرور إلى إخواننا المغاربة"، كحركة رمزية توضح شدة مطالب الوصل بين الشعبين.

من جانبها، أكدت مزيان فاطمة الزهراء، محامية في مجلس قضاء وهران، أن "الضرورة الآنية والملحة هي رفع الحاجز الأمني الذي يحول دون وحدة الشعبين"، موضحة أن هذا الوضع القائم "لا يرقى لتطلعات الجزائريين والمغاربة ولا يستجيب لمتطلبات عصر الحرية والتحضر"، على حد تعبيرها. 

فيما استغرب النقابي رزقي عز الدين وجود هذه القطيعة، في وقت أن الأرض الجزائرية "مخضبة بدماء شهداء مغاربة ثاروا من أجل تحرير الجزائر، وأن وجدة كانت قاعدة خلفية لثورة التحرير الوطني"، بحسب قوله.

أما مبارك أحمد، المحامي والحقوقي الجزائري، فيجد في الوقفة الاحتجاجية فرصة ليحكي عن قصته، هو الذي ولد في التراب المغربي وله عائلة وأسلاف مدفونين هناك تحول دون زيارتهم الأسلاك الشائكة.

مبادرة لفتح الحدود

كان سعيد هادف، الباحث في العلوم السياسية والشاعر الجزائري، أول من أطلق مبادرة "المطالبة بفتح الحدود البرية الجزائرية المغربية"، وذلك في يوم الرابع من آب/أغسطس الجاري، بنشره نداءً على صفحته بفيسبوك، يهيب فيه بالقوى الحية الجزائرية بالانضمام إلى مطلب فتح الحدود، والتوقيع على عريضته، والتحرك لتشكيل "اللجنة الجزائرية لفتح الحدود البرية الجزائرية المغربية"، كما تجسيد الموقف وفق برنامج نضالي تسطره اللجنة لبلوغ غاياتها المرجوة.

ويفتتح هادف مرافعته عن جدوى مبادرته، في حديثه مع "الترا صوت"، متسائلًا: "بين الجزائر والمغرب جغرافية سهلة، لا محيطات ولا جبال شاهقة ولا فيافي؛ فهل قابلناها بالشكر؟ هل تواضعنا لهذه النعمة؟ أم كفرنا بها وتعالينا عليها؟ لماذا نحرم أنفسنا من التواصل والتعاون والتضامن؟ وبدل أن نسارع إلى المزيد من الخيرات، رحنا نبذل الجهد لنقطع سبل التواصل، فصنعنا جبالا ومحيطات من العداء والجفاء، وأنفقنا الأموال لنقطع أرحامنا وأرزاقنا؛ فلم يعد بالإمكان أن يزور الأخ أخاه إلا متسللا!".

من هكذا منطلق "لم تأت المبادرة من فراغ"، يضيف ذات المتحدث: "بل من حق الشعبين في التواصل، كحق طبيعي وأساس العيش المشترك في بعده السلمي والتعاوني. وامتدادًا لمبادرات وحدوية عديدة قادها مغاربيون منذ منتصف القرن الماضي في هذا الصدد".

وأشار إلى أن ما يهم المبادرة هو "نشر الثقافة الحقوقية بين الشعبين وأن تتشبع النخبة والطبقة السياسية في البلدين بقيم السلام والتضامن وتحرير الإعلام من خطابات العنصريين ودعاة الفتنة".

وعلى المستوى السياسي، فهدف المبادرة هو: "الدفع بأصحاب القرار في البلدين الشقيقين إلى الجلوس حول طاولة واحدة في أقرب الآجال، والامتثال إلى ما يطمح إليه الشعبان في تطبيع العلاقات، من خلال فتح الحدود البرية أولًا" كما يحدده فراس فرحات، الجمعوي الجزائري، مذكرًا بما جرته العلاقات المتوترة بين البلدين إلى "إهدار المال العام في سباق أهوج للتسلح"، كانت تلك الأموال حسب المتحدث أولى برصدها في مشاريع تنمية تدر النفع على الشعبين.

فتح الحدود مكتسبٌ للحراك

"أعتقد أن الأسباب كلها التي كانت ضد فتح الحدود المغربية الجزائرية قد ظهرت للعيان"، يصرح لـ"الترا صوت" الحقوقي الجزائري بكي بن عامر، الأمين العام لتحالف الإعلاميين والحقوقيين الأفارقة ونائب رئيس منظمة "ANA". محيلًا هذه الأسباب إلى أن "عصابة النظام الجزائري السابق، التي لا تزال بقاياها في السلطة ولا يزال الشعب يناضل ضدها، هي المسؤول عن هذه القطيعة بين شعبين ينتميان إلى جغرافيا واحدة، تاريخ واحد، ولسان ودين وثقافة واحدة".

وأعرب بكي بن عامر عن اعتقاده بأن "هناك مصالح للمسؤولين الفاسدين في أن تبقى الحدود مغلقة"، هكذَا يربط بن عامر قضية الحدود بالحراك الشعبي الذي يشغل الشارع الجزائري منذ شباط/فبراير الماضي، بما هو إرادة شعبية في إجراء قطيعة سياسية وأيديولوجية مع النظام البائد، وبالتالي مع ما خلفه من مسائلة جيوسياسية عالقة مع الجارة المغرب وجب حلها في أقرب أجل ممكن.

فيما ربط المحامي الجزائري عبد الغني بادي، قضية الحدود البرية الجزائرية المغربية المغلقة، بـ"التدخل الخارجي"، الفرنسي على وجه الخصوص، مشددًا على أن "الدور الفرنسي واضح في التأثير على العلاقات بما لا يخدم المصالح المشتركة للشعوب المغاربية، ومن خلال الدور الذي لعبته، ومازالت، تلعبه فرنسا في المنطقة"، يصرح بادي لـ"الترا صوت".

وأضاف: "في حالة نجاح الحراك ومنه تغلب الإرادة الشعبية، أكيد سوف تكون هناك قرارات تاريخية ستخدم مصلحة الشعبين المغربي والجزائري".

من جهته أكد بكي بن عامر، أن عريضة المبادرة والوقفة الاحتجاجية بالعقيد لطفي "ما هما إلا بداية مسيرة نضالية من أجل فتح الحدود، بينما الخطوة القادمة هي تنصيب لجنة مغربية جزائرية للوساطة لدى الحكومتين من أجل الجلوس على طاولة الحوار في قضية الحدود"، كما حدد الحقوقي الجزائري كونها ستكون ممثلة في رجال قانون وأكاديميين ومثقفين وإعلاميين، هدفها الأسمى هو الدفاع على حق الشعبين في التواصل.

أصداء من الجهة الأخرى

كانت عودة الحدود المغربية الجزائرية إلى النقاش العمومي منذ السنة الماضية، إثر خطاب الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، حيث حدد كموضوع "الوقوف على واقع التفرقة والانشقاق داخل الفضاء المغاربي"، مؤكدًا على أن "المغرب اليوم مستعد للحوار المباشر والصريح مع الجزائر الشقيقة". وداعيًا إلى "تجاوز الخلافات الظرفية والموضوعية، التي تعيق تطور العلاقات بين البلدين".

منذ ذلك الحين لم يبد النظام الجزائري السابق أي تفاعل مع الدعوة المغربية، مكرسًا مبدأ أن الحدود لم تكن ضمن برامجه المستقبلية. 

ومع اندلاع الحراك الشعبي الذي عصف ولا زال يعصف بأعمدة النظام المذكور، كان السؤال الطاغي بين الشعبين اللذين يعيشان على مقربة من الشريط الحدودي: ما الجديد في قضيتهم؟

قضية عادت جدواها للاتقاد والمنتخب الجزائري يخط طريقه نحو الفوز بكأس أمم أفريقيا التي نظمتها مصر مؤخرًا، إذ برزت للعيان مشاهد فرحة شعبية اشترك فيها مغاربة وجزائريون على طول الخط الحدودي، لدرجة دفعت الحماسة ببعض المشجعين إلى اختراق الأسلاك الشائكة أمام مرأى العساكر ومعانقة إخوانهم المغاربة.

الحدود المغربية الجزائرية
من فعاليات المطالبة بفتح الحدود بين المغرب والجزائر

 

وقد كانت تلك مشاهد نوه بها خطاب رأس الدولة المغربية، الملك محمد السادس الذي كان أول المهنئين على هذا الفوز، معيدًا للمرة الثانية مد يد الصلح والحوار للشقيقة الجزائر في خطابه بمناسبة ذكرى عيد العرش الأخيرة.

وفي تقرير لصحيفة الإندبندنت البريطانية، ذُكر على لسان مصادرها أن جهة سيادية جزائرية فتحت استشارة مع أكاديميين، في شأن إعادة فتح الحدود البرية المغلقة مع المغرب.

ويحمل هذا الخبر إشارتين أساسيتين: الأولى أن هذا التحرك الجزائري جاء بعد الإطاحة ببوتفليقة ومن معه. الثانية سريان الروح الإيجابية حول قضية الحدود في النظام الجزائري الحالي. ما يدفع وعبر الضغط الشعبي، إلى الإيمان بأن حل هذه المسألة قريب. فثمة ضغط شعبي جزائري مغربي، ففي مقابل المبادرة والوقفة التي جسدها مناضلون جزائريون، جاء التفاعل المغربي معها على لسان عبد الله الفرياضي، الذي عبّر عن دعمه للمبادرة الجزائرية عبر تصريحه لموقع "حقائق 24" المغربي، داعيًا "المثقفين والسياسيين والنشطاء المدنيين المغاربة إلى الانخراط بدورهم وبقوة في هذه الدينامية الترافعية"، كما ورد في تقرير الموقع المذكور.

فيما نظم فاعلون جمعويون مغاربة وقفة احتجاجية سبقت نظيرتها الجزائرية، على الشريط الحدودي "بين لجراف" شرق المغرب، مطالبين بفتح الحدود وإيجاد حلول للوضع الإنساني المأزوم للأسر التي تقسمت بينها.

كيف يعيش الشباب بين الحدود المغلقة؟

"أفضّل القول، كيف لا يعيش شباب البلدين المحرومين من متعة السفر والاكتشاف والتبادل مع بعضهم"، يصحح إدريس هادف الناشط الجمعوي المغربي ورئيس جمعية عابرون للثقافة والتنمية، في تصريح لـ"الترا صوت". إدريس، هو نجل الشاعر والباحث الجزائري سعيد هادف، وهو بذلك مولود بين ضفتي الحدود وقد كابد طول حياته انقسامها.

يضيف أن "شباب شمال إفريقيا كله يعاني من هضم حق التنقل الحر، الذي هو انتقاص لحريتنا و تلاعب بأحلامنا التي ما فتئت تتوقف عند جدار زوج بغال، ذلك الحاجز الذي أصبح فكرة تواجه معظم طموحاتنا، لحد أقصاه مسمى ومسافته معروفة. متجنبا الحديث عن كل نشاط اقتصادي يغير من حال الشاب المغاربي و يطور من مجتمعاتنا".

وأشار إلى أنه لا يرى جرأة في الحديث "عن هكذا مواضيع"، في حين تفيد مواعيد كالمهرجان المغاربي للسينما والصالون المغاربي للكتاب، ووحدة الدراسات المغاربية التي أقيمت في مركز الدراسات و البحوث الإنسانية والاجتماعية بمدينة وجدة المغربية، في إذكاء هذه الطموحات الشبابية نحو التقاء وتواصل الشباب المغاربي. ولكن "تبقى في انتظار للجدوى، فلا بد من تنشيط مواز في الجزائر و تونس"، بحسب إدريس هادف.

مذكرًا أن "فتح الحدود هو فتح لحدود الإبداع وغلق لأبواب التطرف. فشبابنا رغم المشترك الثقافي الذي يجمعه، إلا أن كل منطقة طورت موسيقاها وأدبها وطريقة عيش جمالها الخاصة، قوتنا ستكون في ائتلاف كل هذه الاختلافات واجتماعها".

ثمة توجه داخل النظام الجزائري الآن بعد الحراك الشعبي إلى فتح الحدود مع المغرب، خاصة مع الإلحاح الشعبي والمبادرات المغربية الخطابية

وختم إدريس هاتف حديثه قائلًا: "شباب المغرب الكبير في حاجة ماسة لكي يتحدث لبعضه عن أحلامه، عن مشاريعه ومستقبله الموحد. وقبل كل شيء، أن يتحاور فيما بينه واضعًا حدا لأساطير الماضي، ماسحا الغبار عن موروث أجداده، متسامحًا مع حقبة المآسي، للتقدم بمشاريع المغرب الكبير الذي يجب علينا إعادة رسمه".

 

اقرأ/ي أيضًا:

مثقفون جزائريون يدعون إلى فتح الحدود مع المغرب

مبادرة لفتح الحدود بين الجزائر والمغرب.. حين لا تنخرط الشعوب في صراع الأنظمة