17-مارس-2017

فنان جزائري شاب يوظف الراب ومسرح الطفل من أجل محيطه (فيسبوك)

"من الصّعب أن تولد في بيئة يجد فيها من يريد أن يكون إرهابيًا يدًا تمكّنه من تحقيق إرادته، والمعطى نفسُه ينطبق على من يريد أن يصبح صرّافًا للحشيش أو منخرطًا في عصابة ما، بينما تنكمش معظم الأيدي، أمام يد يريد صاحبها أن يصبح فنّانًا"، هكذا فضّل الممثل والمغنّي عبد الحليم بوعوينة المعروف بحليم آش. تي. آم، 1985، أن يبدأ حديثه إلى "الترا صوت".

تخصص حليم آش تي آم في أغنية الرّاب ذات النزعة النقدية والسّاخرة كمحاولة للدفاع عن حقه وحق غيره

يتساءل: "كم موهبة أجهضها هذا الواقع الجزائري الذي لا يحتفي بالفنّان إلا في ثلاث حالات، أن يفرض نفسه رغم أنوف الجميع، أن يرحل إلى العالم الآخر، عملًا بالمثل الشعبي القائل "كان عايش مشتاق تمرة، مات علقولو عرجون"، وأن يأتي مشهورًا من الخارج؟ فهل كانت وردة الجزائرية وأحلام مستغانمي، مثلًا، ستصبحان نجمتين لو بقيتا داخل هذا الواقع؟". يضيف: "أنا قرّرت أن أفرض نفسي، رغم كل الإكراهات، وأملك الاستعداد لأن أقاوم من أجل تحقيق طموحاتي الفنية، إلى آخر رمق من حياتي".

اقرأ/ي أيضًا: موريتانيا.. الراب في مواجهة النظام

في حي "الجبّاس" الشعبي بمدينة برج بوعريريج، شرقًا، توزّع طفولةَ حليم بين مناخين، ترتيل القرآن في المسجد، وسماع الموسيقى العربية والغربية في البيت، حيث كانت أخته غير الشقيقة مغرمةً بميتاليكا وتريستي شامبان وويتني هوستن وماجدة الرومي وفيروز وعبد الحليم حافظ. "يبدو أن مناخين متناقضين في الظاهر، لكنهما ليسا كذلك في نظر الفن، لأنه ليس ثمرةً للانسجام أبدًا".

ينتمي حليم إلى جيل جزائري فتح عينيه على قطع الرؤوس وإزهاق النفوس، في تسعينيات القرن العشرين، "فقد كنتُ أقرأ الخوف في عيون الجميع، وكنت أتلقى أخبارًا عن القتل والقتلة في كلّ مكان أذهب إليه، فكنت لا أدري هل أختار الصّحو أم النّوم، ففي الأولى أرى الدم وأسمع عنه، وفي الثانية أشاهد كوابيس سوداء". يضيف: "لطالما تساءلت وأنا أغادر بيتنا إلى المدرسة إن كنت سأعود إليه سالمًا".

دفع الإحساسُ بالخوف محدّثَنا إلى أن يغرق أكثر في الموسيقى التي تُنعش بها البيتَ شقيقتُه، "حتى صارت الموسيقى تعني لي الحياة، وبقيتْ كذلك في ذهني ووجداني حتى هذه اللحظة، لذلك فأنا أوظفها في مسعى دفاعي عن حقي وحق غيري في أن نحيا، وهي الخلفية التي جعلتني أتخصّص في أغنية الرّاب ذات النزعة النقدية والسّاخرة، بعد خمس سنوات من ممارسة البراك دانس".

شهد عام 1999 الظهور الأوّل لحليم آش. تي. آم، خارج محيطه الضيّق الذي كان يرى في مغنّي الرّاب شخصًا أقرب إلى الانحراف، من خلال "مهرجان الأغنية الملتزمة"، ثم توالت مشاركاته في المهرجانات منها "المهرجان الثقافي الأفريقي" و"المهرجان الوطني للراب" في مدينة سطيف، و"أيام موسيقى الراب" في مدينة عنابة، و"مهرجان الموسيقى الحالية" في مسقط رأسه، و"المهرجان الوطني للرّاب وموسيقى الهيب هوب" في مدينة مستغانم، حيث افتكّ لقب أفضل مغني راب عام 2008، بفضل المزج الجمالي بين الكلمات الملتزمة بهواجس الإنسان والأبعاد الموسيقية، وهذا ما جسّده في الألبومين اللذين أصدرهما "مافيا ألجيريا" و"ألجيريانو"، ورغم التوجه النقدي في أغانيه، إلا أنه كان ضمن الشباب المشاركين في القوافل الفنية التي نظمها "الديوان الوطني للثقافة والإعلام".

أخرج حليم آش تي آم عيد المسرحيات للأطفال أملًا في أن تغرس القيم النبيلة في نفوسهم وترفع من وعيهم

بالموازاة مع ذلك، أتاح له "مسرح التاج"، الذي يعدّ من الفرق الرّائدة في المسرح الجزائري الحر، بوجوهه التي فرضت نفسها في الداخل والخارج، مثل حليم زدّام وربيع قشي ونصير بلكرفة، فرصةً لأن يُمثّل ويكتب الأغاني للمسرح. كما يقرّ بالفضل لنخبة من المسرحيين العرب والجزائريين في صقل موهبته في هذا الباب، من خلال جملة من الصّداقات والورشات التكوينية، منهم سفيان عطية وحمزة جاب الله وإسماعيل سوفيط ومجد القصص والهادي شريفة ومحمود أبو العباس وكريم رشيد.

اقرأ/ي أيضًا: مرحبًا بك في راب العصابات

دفعت هذه التجربة المسرحية حليم إلى تأسيس تعاونية "ناس الفن" عام 2012، "لأكون حرًا في تجسيد أفكاري ومشاريعي، خاصّة تلك التي تعني الطفولة، وكانت كلّ العروض التي أنتجتها التعاونية من جيبي الخاص، فقد كنت ولازلت أعتبر المقابل الحقيقي هو أن أسعد غيري، وأساهم في تشكيل الوعي الفني والوطني والإنساني، لجيل جديد لم يجد مثلي الفضاءات الفنية التي تجعل تكوينه في الفن هاجسَها الأوّل، علمًا أن لديهم من الذكاء والاستعداد للاحتفاء بالحياة، ما يثير الدهشة والإحساس بالمسؤولية تجاههم في الوقت نفسه".

من المسرحيات التي أخرجها حليم للأطفال، "أصدقاء أينما كنا" و"زعبول"، "وقد حاولتا أن تغرسا القيم النبيلة والجميلة في نفوس الأطفال، بطريقة جديدة هي ثمرة لتأمّل في التحولات التي عرفتها نفسية وذهنية الطفل الجديد"، حسب قوله. كلّ ذلك بالموازاة مع اشتغاله كمهرج، من خلال شخصيتي "سمسوم" ومشماشة" اللتين تجمعان بين الذكاء وروح الدّعابة والشّغب.

اقتحم حليم بسمسومه ومشماشته الفضاءات الخاصّة بالأطفال، في المدارس والمستشفيات والسّاحات العامّة، "وكنتُ أشعر، وأنا أواجههم، بأني أنتقم لطفولتي التي اكتنفها الخوف في زمن العنف والإرهاب، فإذا كانت الطفولة الجزائرية قد عانت من العنف المادي سابقًا، فهي تعاني العنف المعنوي اليوم".

اقرأ/ي أيضًا:

عزوز وريتا يعزفان باسم أطفال غزة

أندرغراوند ما بعد الربيع العربي