27-ديسمبر-2016

طلبة جزائريون يتظاهرون أمام وزارة التعليم والبحث العلمي (Getty)

والدي لا يرضى عن المرتبة الأولى بديلًا، لي ولإخوتي، كان يغضب بشدة عندما أحصل على المرتبة الثانية في الفصل الذي كنت أدرس فيه، كان يحب التفوق، والدي مدير مدرسة ووالدتي معلمة أيضًا في نفس المدرسة.

كانت اللحظة التي تعلق فيها النتائج، لحظة الفزع، والخوف، في يوم سيكون بعدها شاقًا وعسيرًا هو من أطول أيام حياتي، حيث أحسب له ألف حساب، لأني سأتلقى وابلًا من التوبيخ وحتى التعنيف، فأبي لا تفرحه سوى المرتبة الأولى، أما والدتي فتنتظر اللحظة التي تتفاخر بنتائجنا فيها أمام زميلاتها.

هي قصة الرسام بلال بن زكري 39 سنة، الذي اختار كلية الفنون الجميلة عن حب وقناعة ومتعة، أما بالنسبة لوالديه فهي "خيانة" و"تمرد" رغم أنه لبى رغبتهما في سنوات المراهقة بدراسة العلوم الطبيعية في الثانوية، ويشعر اليوم وكأنه خانهما بتحقيق أمنيته، لأنه في الأخير لم يرضخ لإرادتهما، فالأم كانت تريده طبيبًا والوالد يريده مهندسًا، كلاهما يريدان له مهنة يفخران بها أمام الجيران والعائلة والأقارب أو بالأحرى أن يحقق لهما ما لم يفلحا في تحقيقه.

كثيرون فقدوا مسارهم، وضاعوا في المهن التي لا يحبونها، إذ وجدوا أنفسهم في مجال لا يتكافأ مع قدراتهم

هي قصة واحدة من بين عشرات القصص التي يرويها الجزائريون اليوم عن صفحة طويت من ماضيهم، كبروا وتركوا أحلامهم على الهامش وما زالت ذاكرتهم اللاواعية تخزنها رغم مرور السنين، مهنة أخرى، هواية أجمل، أحلامًا لم يحققوها، بل أغلبيتهم عكفوا على تحقيق طموح الوالدين، يتذكرونها عندما تشدهم قصة نجاح شخص في مجال ما، بل هناك من يردد لحد اللحظة بأنه فوت على نفسه أن يكون موقعه اليوم في مجال آخر، وأخذ مسارًا غير الذي رُسم له.

اقرأ/ي أيضًا: "المتوسط".. السنوات الأصعب عند التلميذ الجزائري

الكثيرون أفلتوا مسارهم، وضاعوا في بعض المهن التي لا يحبونها، حيث وجدوا أنفسهم في مجال لا يتكافأ مع قدراتهم، ويؤدون وظيفة دون الاستمتاع بها والإبداع فيها، لكن قليلون من غامروا وتنازلوا عما تعلموه.

وحتى عن الشهادة التي نالوها في نهاية الدراسات العليا لأنها لم تلبِّ رغباتهم، وهم اليوم يمارسون أعمالًا مكنت من صقل مواهبهم وإبرازها بشكل إيجابي لأن الإبداع في النهاية يتولد في مجال يحبه الشخص. طبعًا تحقق ذلك وبشهادات البعض بعد خوضهم لمعارك وتحديات لواقع تجذر في الأسرة الجزائرية التي ما زالت متمسكة بأن يحقق الأبناء أحلامها على المقاس، بحملهم لبطاقة طبيب أو أستاذ أو مهندس أو محامٍ، رغم أنه يمكنهم تفجير مواهبهم في مجالات أخرى كالفن والتمثيل والموسيقى والرياضة، وغيرها من المجالات التي باتت في نظر الأسرة اليوم درجة ثانية أو ثالثة.

اقرأ/ي أيضًا:

لا جامعات خاصة في الجزائر!

التعليم المغربي.. أرقام صادمة رغم خطط الإصلاح