12-أغسطس-2015

عرائس من ورق في أحد أسواق حلب (أ.ف.ب)

تعرفت الشابة السورية ياسمين (30 عامًا)، التي تعمل في إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة والمختصة بتقديم الدعم النفسي للأطفال السوريين، إلى شاب سوري في مدينة أنطاكيا التركية. هكذا بدأت قصة حب، بدا للطرفين مشروعًا للعمر بطوله. سعت ياسمين إلى إيجاد عمل لحبيبها في ذات المنظمة التي تعمل بها، لكنه بعد استلامه لوظيفته بفترة وجيزة أنهى علاقته بها معللاً ذلك بعدم قدرته "على الزواج في الوقت الحالي وتحمل المسؤولية".

رغم أنه لم يلمح لها بذلك خلال فترة ارتباطهم. تشعر ياسمين بالأسف على الحالة التي وصل إليها بعض الناس في تركيا. تشعر أنها تعرضت للاستغلال. الحرب قاسية، ولم يعد الاستغلال مقتصرًا على المال والجنس، بل أصبح هناك استغلال للمشاعر لبلوغ غايات مادية. قد يبدو الامر سهلًا بالنسبة لكثيرين، لكن ياسمين، تشعر بالألم. تعلق قائلة "الصداقة التي كانت تجمعنا في بداية العلاقة كانت كفيلة بأن أقدم له المساعدة دون الحاجة لأن يلجأ لخديعتي بهذه الطريقة البشعة. لكن يبدو أنه لم يعد أحد يثق بأن هناك بشر يساعدون غيرهم من دون مقابل، وهو ما دفعه لاعتبار مشاعره الكاذبة نحوي ثمنا للخدمة التي قدمتها له".

الحرب قاسية، ولم يعد الاستغلال مقتصرًا على المال والجنس

ولا يخلو مجتمع الشباب في غازي عنتاب من قصص شبيهة بقصة ياسمين. فالأزمات التي يعيشونها تولد لديهم العديد من عوامل الضغط النفسي وتسهم في تغيير المفاهيم الاجتماعية مع مرور الوقت وتسخير القيم الأخلاقية والمشاعر النبيلة لخدمة مصالحهم الشخصية كالحصول على وظيفة أو مكان للإقامة وماشابه من ضرورات الحياة. كريم (28 عامًا)، كان ضحية "لعبة حب"، من قبل فتاة تعرف إليها عن طريق أصدقائه. وهذا الحب دفعه لمساعدتها والوقوف بجانبها كونها وحيدة بلا أهل ولا عمل، وإن كان هذا لا يخلو من ذكورية سائدة. استمرت علاقتهما ثمانية أشهر، كان كريم وقتها يقدم لحبيبته كل أنواع الدعم المادي والمعنوي، واتفقا على الارتباط رسميًا بعد قدوم أهلها إلى تركيا كما أوهمته. لكن هذه العلاقة انتهت بعد حصولها على وظيفة في أحد المعاهد التعليمية.

عريس من الإنترنت

حمّى إقامة العلاقات البراغماتية لم تقتصر على الواقع الحقيقي، بل أصبح العالم الافتراضي وسيلة مهمة لدى الكثير من الشباب في البحث عن شريك ينقذ ما تبقى لديهم من أمل في العيش بسلام. تتميز هذه العلاقات بأنها تكون بداية لمشروع ارتباط حقيقي بغض النظر عن الأسس التي تُبنى عليها المؤسسة الزوجية في الحالة الطبيعية، فالعواطف والميول المشتركة ومدى وجود الانسجام مع الطرف الآخر من عدمه ليست أولوية كما يفترض، فالأولويات هنا يحددها الوضع المادي والمنفعة المحققة من هذه العلاقة.

الإنترنت كان وسيلة عبير للتعرف بشاب سوري مقيم في بريطانيا ومن ثم قرارها الزواج منه بعد عدة أشهر من التواصل عبر الـ"سكايب". لا تخفي عبير حقيقة أن ما شجعها على المضي في هذه العلاقة هو الرغبة بالوصول إلى أي بلد أوروبي، بعد أن فقدت الأمل بالعيش في تركيا ضمن الحدود الدنيا للحياة الكريمة، هذا بالإضافة إلى إمكانية متابعة دراستها التي لم تتمكن من إكمالها في تركيا بسبب اضطرارها للعمل حتى تتمكن من مساعدة عائلتها في مصروف البيت. وقالت عبير "معظم الفتيات تغيرت نظرتهن عن السابق فيما يخص موضوع الزواج، فالحب والقواسم المشتركة بين الطرفين لم تعد مهمة حاليا، ما يهم هو إيجاد زوج يستطيع تخليص الفتاة من واقع اقتصادي وحياتي مأزوم، بغض النظر عن أية تفاصيل أخرى". وتضيف "أن الفتيات لسن الوحيدات اللواتي يلجأن للزواج بغاية السفر، فهناك الكثير من الشباب الذين يبحثون عن أي فتاة تحمل جنسية أوروبية، أو حتى مقيمة هناك للارتباط بها طمعا بالسفر، ولا سيما بعد أن أصبح جشع المهربين إلى أوروبا أكبر من أن تتحمله جيوب الشباب وإمكانياتهم المادية".

التناقض في هذا النوع من العلاقات يعود إلى أنها تستند في تأسيسها على الحب الذي يمنحه صاحب الحاجة للطرف الآخر، مع غياب لوجود أي أهمية لهذا الحب بالنسبة لذات الشخص الذي يمنحه. الأمر يشبه الحصول على "فيزا" بطريقة آمنة وبأقل تكلفة مادية، أكثر من كونه عقد يجمع شريكين في مؤسسة الأسرة، وسينعكس هذا الأمر بشكل سلبي على مستوى التعايش الإيجابي كضابط اجتماعي لاستمرارية الزواج ونجاحه.

وترى الباحثة الاجتماعية سلمى عسكر أن "انتشار هذا النوع من العلاقات التي يُستخدم فيها الحب للحصول على مصلحة ما، مردّه الإحساس الدائم بالإحباط والحرمان الذي يدفع الانسان لبلوغ غايته مهما كانت النتيجة، وفي هذه الحالة تتغلب معايير الحياة المعيشية ومتطلباتها على المعايير الأخلاقية والنفسية للإنسان". وقد شهد الواقع قبل الثورة السورية الكثير مما يمكن تصنيفه ضمن هذا النوع من العلاقات، إلا أن الحال بعد الثورة تفشي الشعور بالحالة الطارئة التي يعيشها السوريون، أيقظت الإحساس أكثر بالظاهرة خاصة بالنسبة للعلاقات التي يكون الهدف من ورائها السفر أو تأمين اللجوء أو الإقامة في أحد البلدان الأوروبية.