04-مايو-2016

جوان زيرو/سوريا

قدر حتمي أو تعويذة إلهية أو لعنة أو تاريخ، أو يمكنك أن تسميه أي شيء، ذلك الخيط الثخين المرئي الرابط بين ما يحدث في سوريا وما يحدث في مصر، على اختلاف قواعد اللعبة هنا وهناك. أؤمن أن البرميل المتفجر الذي يقتل في سوريا يضع في جيب سفاح القاهرة نقودًا إضافية ليشتري بها ولاء من حوله، الرهان الأهم عند أتباع كهنة وبهاليل كلٍّ منهما هو رهان النسيان، الصنم السوري الذي تتمسح فيه ذيول القومية العربية والممانعة العرجاء، والهتافات المعلبة كلها مثيرة للشفقة لكنها بردي جنهم العاجل إلى الأرض.

الإنجازات التي يحققها الأسد، والتي يعينه عليها الروس، هي امتيازات تُمنح لنظام القاهرة

الإنجازات التي يحققها الأسد، والتي يعينه عليها الروس، هي امتيازات تُمنح للنظام في القاهرة، لا دستور ولا قانون ولا شكليات قد تعيق القوة عن أن تأخذ مجراها في السياق التاريخي، التاريخ أصلًا لم يعد عنصرًا في المعادلة، خرج الكل من المعادلة أصلًا وما بقي فيها هو الكرسي والسلاح وكل ما يأتي بالتبعية.

اقرأ/ي أيضًا: السهروردي مقتولًا في حلب

أسأل أحيانًا: ما الذي قد يدفع امرأة تتلوى من آلام الولادة والفقد والحب والمعاناة، أن تلتقط لنفسها سيلفي مع جثث متفحمة لأناس قُتلوا في الحرب دون أن تؤذيها الصورة أو رائحة شواء اللحم البشري؟ فيجيبني عقلي بأنها هي ذاتها المذيعة التي حرضت على القتل في القاهرة إبان مذبحة ماسبيرو، التي دهست فيها القوات المصرية الشجاعة المتظاهرين حرفيًا بالمدرعات، ولا تزال رشا مجدي حرة طليقة تذهب إلى عملها وتقبض راتبها وتنام في بيتها آمنة.

وأعود وأسأل: ما الذي قد يدفع امرأة حلبية مسنة تقف على أطلال منزلها لتتلو خطبة عصماء وسط كل هذه الدماء؟ فأتذكر السيدة التي حملت لباس ابنها الداخلي الذي مزقته دبابة الجيش نصفين، وقد تغير لونه من الأبيض إلى الأحمر، ثم رفعته وسط الشباب لتقول "كلكم أحمد ابني لو تركتم الميدان مات أحمد مرتين".

الطاغية الذي يخدمه النظام العالمي ليستمر في لعبة الإبادة الجماعية ليخلو له وجه البلاد ممن يزعجونه من الأطفال والنساء والشباب، يعطي الامتيازات نفسها لكي يسمح لقرينه في القاهرة بتسليم جزيرتين من الأرض مقابل "سيولة" لصفقة سلاح مع نظام أوروبي سيضمن صمته في المستقبل عما ينوي فعله بالمعترضين من بني جلدته.

الأسلحة التي تهدم البيوت على رؤوس ساكنيها في حلب، مرت بكل الحب من قناة السويس

الأسلحة التي تهدم البيوت على رؤوس ساكنيها قبل أن يرتد إليهم طرفهم في حلب، وكافة المدن السورية، مرت بكل الحب من قناة السويس، رمز التجارة العالمية، ذات العلم المصري الشامخ المرفرف فوقها (انظر تصريحات مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس في 23 آذار/مارس 2015).

اقرأ/ي أيضًا: أراجيح الهاشتاغات

كاتب السيناريو ومؤلف الأحداث ومصمم الرقصات والممثلون، كلهم شخص واحد، يسعى في نهاية الأمر إلى تقديم نموذج يكون عبرة وعظة لمن تسول له نفسه أن يكون ذا إرادة حرة، لم يصبها الإخصاء.

عاش الجيش العربي السوري القوي وبراميله ودباباته ومدرعاته ورجاله وصورة الأسد في القلب منه، وعاشت تدمر ومعابدها وآلهتها المستبدة السحيقة، ودكت الجامعات، والأسواق، والمكتبات حيث يصنع التاريخ، والمشافي حيث يصارع الموتى ظلهم، وهم يرون العالم يسقط فوق رؤوسهم سقوطه الأخير.

هناك في القاهرة، يريدون أن يعيش جيش مصر العظيم، ويموت طفل في الرابعة عشرة لأنه رفع شارة بإصبعه، أو لأنهم يريدون لأبيه أن يسلم نفسه، أو لأن العدد لم يكتمل بعد ويريدون إغلاق القضية. يموت أكثر من ألف وخمسمائة شخص في يوم واحد، يتبعهم جيش مصر العظيم ويعتقلهم كما يعتقل أسرى الحرب، ويقتلهم كما لو كانوا مصريين، ويتم التعتيم على مشاهد موتهم تمامًا، وإن كان يعرف أن مؤيديه سيفرحون بالموت فرحهم بالعجل الذي له خوار.

حلب والقاهرة والموت يتسلى بنا، ونحن بكل سرور نفسح له الطرقات!

اقرأ/ي أيضًا:

السودان.. لماذا تخاف الحكومة من الطلاب؟

حلب.. مدينةُ الألم