توالت خلال الأيام الماضية البيانات الدولية والإقليمية المحذرة والمنددة برفض تأسيس حكومة موازية في السودان، وخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع.
وكان آخر هذه المواقف ما صدر عن مجلس الأمن الدولي خلال جلسته يوم الأربعاء، حيث أعرب في بيان رسمي عن قلقه العميق إزاء توقيع ميثاق لإنشاء سلطة حاكمة موازية، محذرًا من أن مثل هذه الخطوات قد تفاقم الصراع في السودان، وتزيد من خطر تفتيت البلاد، وتعميق الأزمة الإنسانية المتدهورة بالفعل.
وأكد أعضاء مجلس الأمن في بيانهم تمسكهم بسيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه، معتبرين أن أي خطوات أحادية الجانب من شأنها تقويض هذه المبادئ، قد تهدد استقرار السودان والمنطقة بأسرها.
وقعت قوات الدعم السريع وقوى سياسية ومسلحة داعمة لها في العاصمة الكينية، نيروبي، على ميثاق سياسي يؤسس لإنشاء حكومة موازية في مناطق سيطرة هذه القوات شبه العسكرية، وكتمهيد لتشكيل تلك الحكومة قامت تلك الأطراف يوم الثلاثاء الماضي 4 آذار/مارس بالتوقيع على وثيقة "دستور انتقالي" يحدد ملامح الدولة ومؤسساتها المختلفة، ويمنح الأقاليم حق تقرير المصير.
في تصعيد جديد للمواقف الدولية، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية، اليوم الخميس، بيانًا انتقدت فيه محاولات تشكيل حكومة موازية في السودان، مؤكدةً أن هذه الخطوة لن تسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد.
يأتي هذا الموقف بعد توقيع قوات الدعم السريع وتحالف من القوى السياسية والعسكرية المتحالفة معها في العاصمة الكينية نيروبي، على ميثاق سياسي يمهد لإنشاء حكومة موازية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. وبحسب "الترا سودان"، فإن هذه الأطراف صادقت يوم الثلاثاء 4 آذار/مارس على "دستور انتقالي" يحدد ملامح الدولة المقبلة، ويمنح الأقاليم حق تقرير المصير، في خطوة أثارت تحذيرات دولية واسعة النطاق.
رفض دولي وتحذيرات من انفصال محتمل
أثار هذا التحرك مخاوف من مشروع انفصالي يجري التحضير له في شمال دارفور، حيث لم يحظ بأي تزكية أو اعتراف رسمي من أي دولة حتى الآن، بل واجه إدانات واسعة على المستوى الإقليمي والدولي. وأعلنت العديد من التنسيقيات السياسية والمهنية تراجعها عن دعم هذه المبادرة، رغم تواصلها السابق مع الدعم السريع والقوى السياسية الموالية له. ومن أبرز الجهات الرافضة، جاء موقف "التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة" بقيادة عبد الله حمدوك، الذي رفض تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع.
موقف الحكومة السودانية والمجتمع الدولي
وزارة الخارجية السودانية أشادت بالمواقف الدولية الرافضة للمشروع، مؤكدةً في بيان رسمي أنها "تتابع باهتمام التنديد الدولي بمحاولة إقامة سلطة موازية باسم مليشيا الجنجويد (قوات الدعم السريع)، والتي تشكل تهديدًا مباشرًا لوحدة السودان وسيادته الوطنية".
وعلى الصعيد الدولي، عبرت دول عدة عن رفضها القاطع لإنشاء حكومة موازية، محذرة من مخاطر تقسيم البلاد. ومن بين هذه الدول مصر، السعودية، قطر، الكويت، الجزائر، الصومال، سيراليون، تركيا، روسيا، الصين، الولايات المتحدة، بريطانيا، وغانا.
تسلسل الأحداث: من توقيع الميثاق إلى ردود الفعل الدولية
في 22 شباط/فبراير الماضي، وقّعت قوات الدعم السريع وعدد من القوى السياسية والمسلحة على ميثاق سياسي لإنشاء حكومة موازية. وجاء ذلك وسط توترات دبلوماسية بين الخرطوم ونيروبي، حيث استدعى السودان سفيره لدى كينيا كمال جبارة قبل يومين من توقيع الميثاق، احتجاجًا على استضافة كينيا لهذه الاجتماعات.
ورغم الادعاءات الكينية بأن دورها يقتصر على المساهمة في إيجاد حلول لوقف الحرب بالتنسيق مع الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، إلا أنه لم يتم رصد أي حضور دبلوماسي إفريقي أو دولي خلال مراسم التوقيع على "الدستور الانتقالي" أو في إعلان الحكومة الموازية.
ضمانات الاعتراف بالحكومة الموازية بين التأكيد والتشكيك
في تصريح مثير للجدل، زعم رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس أن هناك ضمانات دولية للاعتراف بالحكومة الموازية، مشيرًا إلى أن "ميثاق حكومة السلام" يظل مفتوحًا أمام جميع الأطراف، بما في ذلك الجيش السوداني. وكتب إدريس في تغريدة على منصة أكس أن الوثيقة الموقعة "تؤكد على وقف الحرب، وحل جذور الأزمة، وضمان وحدة السودان كدولة ديمقراطية ذات جيش موحد".
ملامح الحكومة الموازية ومصيرها الغامض
حتى الآن، لم تُكشف تفاصيل تشكيلة الحكومة الموازية أو مقر عملها، في ظل إعلان قوات الدعم السريع والقوى المتحالفة معها أن تشكيلها سيتم خلال الأسابيع المقبلة. ومع ذلك، لا تزال الاعترافات الدولية غائبة، وردود الفعل تزداد رفضًا لهذه الخطوة.
أبرز الداعمين والرافضين للمشروع
يعد رئيس حزب الأمة القومي المكلف اللواء فضل الله برمة ناصر، ورئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس، وقائد حركة تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر، ورئيس حركة العدل والمساواة - فصيل سليمان صندل، ورئيس مؤتمر البجا المعارض أسامة سعيد، من أبرز الشخصيات التي تدعم تشكيل الحكومة الجديدة، إلى جانب شخصيات مدنية أخرى.
أما أبرز المعارضين لهذه الخطوة هم القوى السياسية المنضوية في تحالف "صمود"، وعلى رأسها حزب الأمة القومي، حزب المؤتمر السوداني، حزب التجمع الاتحادي، بالإضافة إلى تجمع المهنيين، قوى مدنية، ولجان المقاومة، حيث أعلنت هذه الأطراف رفضها القاطع لأي حكومة موازية أو تشكيل حكومة في المنفى.
تتجه قوات الدعم السريع والقوى المتحالفة معها إلى استنساخ نموذج شبيه بما هو قائم في ليبيا
استنساخ الحالة الليبية:
في تصريحات خاصة لموقع "الترا سودان"، قال القيادي بحزب المؤتمر السوداني، عادل بخيت، إن تشكيل حكومة جديدة في مناطق سيطرة الدعم السريع لن يسهم في حل الأزمة السودانية، بل سيعمّقها، مؤكدًا أن هذه الخطوة تم رفضها داخل مؤسسات الحزب، ولن يعترفوا بها في حال قيامها، لأنها تعقّد المشهد السياسي في السودان وتعيد سيناريو الانقسام الذي شهدته ليبيا.
وفي السياق ذاته، يرى المحلل السياسي طاهر المعتصم أن هذه الخطوة تمثل خطرًا وجوديًا على وحدة السودان، وقد تقود إلى تقسيم البلاد وانفصالها. وأضاف أن الحكومة الموازية المرتقبة لا تقتصر على منازعة الشرعية فقط، بل قد تؤدي إلى حصول قوات الدعم السريع على طيران حربي عبر صفقات مع بعض الدول، مما سينهي التفوق الجوي للجيش السوداني ويغير معادلات الحرب، مؤديًا إلى تصعيد عسكري أوسع.
وتساءل المعتصم عن مصير المواطنين الذين عانوا من انتهاكات قوات الدعم السريع منذ عام 2003، مشيرًا إلى أن هؤلاء السكان قد يصبحون مواطنين من الدرجة الثانية تحت هيمنة بندقية الدعم السريع.
من جانبه، اعتبر الباحث في الشؤون السودانية والقضايا الإفريقية، محمد تورشين، أن الميثاق السياسي الموقع بين قوات الدعم السريع وحلفائها يهدف في المقام الأول إلى إنشاء تحالف سياسي يشكل حاضنة للحكومة الجديدة. وأضاف أن المرحلة التالية ستشمل توزيع المناصب بين القوى السياسية المشاركة، قبل أن يتم الإعلان رسميًا عن تشكيل الحكومة وتحديد مناطق سيطرتها.
توقيع "دستور انتقالي" يمهد لتشكيل الحكومة الموازية
كخطوة استباقية لتشكيل الحكومة الموازية، وقّعت قوات الدعم السريع والقوى المتحالفة معها على "دستور انتقالي" يوم الثلاثاء 4 آذار/مارس 2025. ويرى مراقبون أن توقيع هذه الوثيقة يقرب تلك القوى من تنفيذ مشروع الحكومة الموازية، الذي أعلنته الشهر الماضي.
وتهدف قوات الدعم السريع وداعموها من خلال توقيع الدستور الانتقالي إلى إحلال دستور جديد محل الوثيقة التي وُقعت بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع عمر البشير في كانون الأول/ديسمبر 2019، خلال التحالف السابق بين الجيش والدعم السريع قبل اندلاع الحرب، وفقًا لما نقله "الترا سودان" عن وكالة رويترز للأنباء.
ويضع "الدستور الانتقالي" الأساس القانوني للحكومة الموازية، محددًا ملامح ما وصفها بأنها "دولة اتحادية علمانية" مقسمة إلى ثمانية مناطق. كما يتضمن مشروع قانون للحقوق الأساسية، ويمنح الأقاليم حق تقرير المصير في حال عدم تنفيذ شروط محددة، أبرزها فصل الدين عن الدولة.
كذلك، ينص الدستور على تشكيل "جيش وطني موحد"، على أن يكون الموقعون عليه "النواة الأساسية" لهذا الجيش. كما يشير إلى إجراء انتخابات في نهاية الفترة الانتقالية، دون تحديد جدول زمني ثابت لهذه العملية.
وتضم قائمة الموقعين على الوثيقة الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، التي تسيطر على مناطق واسعة في جنوب كردفان، إلى جانب عدة مجموعات أخرى.