16-أبريل-2019

النقد السياسي أدى إلى حل الجمعية المستضيفة لبرنامج "ملحمة العدميين" (يوتيوب)

صدر، صباح أمس الثلاثاء، 16 نيسان/أبريل 2019، الحكم الاستئنافي في قضية جمعية "جذور"، الذي أيد الحكم الابتدائي الرامي بحل الجمعية، بناء على طلب تقدم به عامل عمالة الدارالبيضاء أنفًا، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والذي ساندته النيابة العامة، بسبب احتضان الجمعية لبرنامج "ملحمة العدميين" الذي قال المدعي إنه "يسيء لمؤسسات الدولة".

أصدرت محكمة مغربية، حكمًا بحل جمعية جذور الثقافية، بسبب احتضانها لبرنامج حواري يبث عبر يوتيوب!

أُسست جمعية "جذور" الثقافية سنة 2010. ومنذ 2016 تحتضن برنامجًا حواريًا اسمه "ملحمة العدميين"، يُبث عبر قناتها على يوتوب، ويقدمه شخصان يصفان نفسيهما بالغبيين، ويستضيفان فنانين وصحافيين وأساتذة وحقوقيين، ومؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي؛ كل ذلك على مائدة عشاء يناقشون خلالها مجموعة من المواضيع السياسية والاجتماعية المثيرة للجدل، لكن بطريقة توصف بالجريئة.

اقرأ/ي أيضًا: القضاء المغربي يحكم على 4 صحفيين بالسجن بتهمة "نشر الحقيقة"!

أصل الحكاية

تعود قضية جمعية "جذور" إلى التاسع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عندما وجه عامل الدار البيضاء أنفا، شكاية إلى الوكيل العام في الدار البيضاء، يطالبه بحل الجمعية، لأنها "نظمت نشاطًا تضمن حوارات تخللتها إساءات واضحة إلى المؤسسات ومس بالدين الإسلامي، وإهانات في حق الهيئات المنظمة وموظفي الإدارة، وتم التعبير فيها عن آراء سياسية بعيدة كل البعد عن الأهداف، التي أُسست من أجلها هذه الجمعية"، وفقًا لقائمة اتهامات المدعي، الذي استند تحديدًا إلى الحلقة التي بثت في 24  آب/أغسطس الماضي.

بدورها ساندت النيابة العامة شكاية عامل الدار البيضاء، واستندت على قانون تأسيس الجمعيات، والذي يقول إن "كل جمعية تؤسس لغاية ولهدف غير مشروع، يتنافى مع القوانين والآداب العامة أو تهدف إلى المس بالدِّين الإسلامي، أو بالوحدة الترابية، أو بالنظام الملكي، أو تدعو إلى كافة أشكال التمييز، تكون باطلة".

كما استندت النيابة العامة على الفصل 36 من قانون تأسيس الجمعيات، والذي ينص على أن "كل جمعية تقوم بنشاط غير النشاط المقرر في قوانينها الأساسية يمكن حلها، طبقًا للإجراءات المنصوص عليها".

تنديدات دولية

ومباشرة بعيد النطق بالحكم الابتدائي، أصدرت عدة منظمات حقوقية دولية بيانات تستنكر فيها حل الحكم بحل جمعية "جذور"، كما أطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حملة تضامنية تحت شعار "الحل ليس حل" معتبرين أن "القرارات التي تتخذها السلطات المغربية تؤدي إلى الانشقاقات في المجتمع المغربي، حيث الحاجة الملحة هي التركيز على تحرير المواطنين، والخدمات العمومية، والمساءلة، ومكافحة التطرف"، بالإضافة إلى إطلاق عريضة احتجاجية إلكترونية، وقع عليها حتى لحظة كتابة التقرير، قرابة 3500 شخص.

ومن جانبهما، دعت منظمتا هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، في بيان لهما، السلطات المغربية إلى "التخلي فورًا عن المساعي الرامية لحل جمعية جذور الثقافية، بسبب تعليقات نقدية أدلى بها ضيوف في برنامج حواري استضافته الجمعية".

يُذكر أن أحمد بن شمسي، من منظمة هيومن رايتس ووتش، كان أحد الضيوف الستة الذين استضافتهم الحلقة المذكورة للتعليقة على الأوضاع المغربية. وخلال الحلقة انتقد بعض الضيوف خطابات العاهل المغربي وسياساته، في سياق انتقاد قمع الشرطة المتزايد للاحتجاجات. وتعتقد المنظمتان أن هذا الانتقاد هو السبب الحقيقي وراء قرار حل الجمعية.

ووصفت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، برنامج "ملحمة العدميين"، بأنه من "الفضاءات الحرة القليلة، حيث يمكن التعبير عن آراء نقدية من دون رقابة في المغرب"، معتبرة أنه "من خلال سعيها إلى حل الجمعية التي استضافته، تبعث السلطات رسالة قاتمة إلى ما تبقى من صحفيين، ومعلقين أحرار في البلاد؛ والرسالة مفادها: الصمت!".

بسبب انتقادات لسياسات العاهل المغربي في إحدى حلقات البرنامج، صدر الحكم بحل جمعية جذور

فيما اعتبرت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، أن "قرار حل جذور ضربة هدفها واضح: ترهيب المنتقدين من أجل إسكاتهم. لا يجب أن يعاقَب أحد للتعبير السلمي عن آرائه، أو انتقاده للمؤسّسات"، مضيفةً: "إذا كانت السلطات المغربية جادة في التزامها الدستوري والدولي بضمان حرية التعبير، والعمل الجمعوي، عليها التخلي فورًا عن جميع محاولاتها لإقفال جذور".

نقض الحكم

وقال ريمون بنحايم، رئيس الجمعية، في تصريح لمنظمة هيومن رايتس ووتش، إن جمعيته "لم تقدم سوى مقرها في الدار البيضاء كموقع لتصوير البرنامج، بناء على طلب من مؤسسَيْه، الصحفيَّيْن أمين بلغازي ويوسف المودن".

من جهته قال عادل السعداني، المنسق العام لجمعية جذور، إنه  متخوف من مستقبل حرية التعبير في المغرب بعد هذا الحكم، "باعتبار أن انتهاك حرية التعبير والجمعيات، تُمارس بنوع من السياسة الخفية والتلقائية، وذلك من خلال الحُكم عبر إحداث الخوف، الذي يؤدي بشكل مباشر إلى خلق رقابة ذاتية داخل عقول المغاربة".

واعتبر السعدني أن الحكم بحل الجمعية، يعد سابقة، موضحًا: "لم يحدث أبدًا أن حُلت جمعية بسبب آراء سياسية، حتى في سنوات الرصاص خلال عهد الملك الراحل الحسن الثاني"، معتبرًا أنه "لا مكان لحرية التعبير في المغرب أو لأصوات، من المجتمع المدني أو الصحافيين، تعبر عن آراء بديلة ووجهات نظر مختلفة حول السياسات العمومية".

نددت منظمتا هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، بالحكم بحل جمعية جذور، باعتباره "يبعث برسالة صامتة مفادها الصمت!"

هذا ومن المنتظر أن تتجه الجمعية الثقافية إلى محكمة النقض، لنقض الحكم الصادر بحلها. وإلى ذلك الحين، قرر القيمون عليها توقيف جل أنشطتها الثقافية المبرمجة في الأيام المقبلة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المغرب.. كل شيء ساخن على جبهة الحريات

حقوقيون.. وضعية حقوق الإنسان قاتمة في المغرب