28-مارس-2016

إبراهيم جوابرة/ فلسطين

جميل أن تحكي عن طفولتك. جميل، والأجمل أن تكتب عن طفولة الآخرين، وتخرج كل أمراضك النفسية، وعقدك فيهم. لو كتبت رواية عن الطفولة سأكتب عن تسلخات جلد الأطفال بسبب وضعهم في الكفولة القماش لساعات، سأكتب عن لبوس "ريكتوبليكسل" وأؤكد على أهمية وجوده في ثلاجة كل بيت (ملحوظة: يُحفظ جيدًا في درجة حرارة باردة جدًا.. "الإسكيمو" مثلًا).

لن أذكر إسبيرين "ريفو" بسوء لأنه صاحب الفضل الوحيد في شفائي من وجع القدميْن، بغض النظر عن إن "الإسبيرين" للصداع فقط، لكن الوجع الذي كان يفتك بقدمي وأنا طفل لم يكن له حل إلا حبة "ريفو".

سأعمل خلال السطور إعلانًا عن شامبو "3 في 1"، الذي حرمتني منه أمي، واستخدمت بدلًا منه الصابونة، فقضت على نعومة شعري، وأصبح في خشونة سلك المواعين.. وربما روَّجْتُ لزيت "بيبي جونسون" من باب الزيادة في تأنيب ضمير الست الفاضلة "ماما".

سأقول إنني كنت طفلًا حزينًا جدًا لكي يتعاطف معي القراء، وإذا لم أجدْ التعاطف اللازم، لن أتردَّد في تغيير رأيي لأصبح طفلا سعيدًا جدًا جدًا، كانت ماما تغيّر لي "البامبرز" كل ساعة حفاظًا على رطوبة نصفي السفلي، وتشتري لي شيكولاتة "كيندر".

كنت طفلًا سعيدًا للغاية.. أملك طائرة بالريموت، وقطارًا يسير على قضبان بلاستيك، وحصان خشب بـ"سوستة".. كنت طفلًا ذكيًا، موهوبًا، كتبت أغانٍ للإذاعة المدرسية، وفشلت نهى في غنائها، كتبت مسرحية مثَّلها فريق المدرسة ولم يحضرها أحد، كتبت مقالًا واحدًا في مجلة شبابية، وامتنع مدير التحرير عن نشر مقالاتي بعد ذلك.

كل مشاريعي فشلت بسبب غباء الآخرين. أغبياء!

كان أبي يشتمني دائمًا لأنني لا أنظر للأرض أثناء سيري في الشارع، ولا أنتبه لـ"الكوتش" وهو يغرز في الطين ومياه المجاري.. أقول دائمًا إنني لا أهتم بنظافة أي شيء، لا أهتم بأي شيء أصلًا، لكن الحقيقة: أنا مهتم جدًا بنظافة "الكوتش"، ومحرج من قول إن هذا "الكوتش" هو الوحيد الذي أملكه. ربما أصارح نفسي وأكتب ذلك لكي ينهنه القراء، ويتعاطفوا وجدانيًا مع الراوي -أنا- ويفتحوا الطريق لأقول إنني كنت طفلًا وحيدًا، وحيدًا جدًا، وأخترع قصة عن والدي الذي كان يمنحني مصروفًا يوميًا ربع جنيه، ورغم ذلك وفَّرت مصروف شهرًا كاملًا، وطلبت منه شراء بوكيه ورد لأمي في عيد ميلادها، فقال إن مصروفي "مش كفاية".

انتهى الفصل الأول من الرواية، نويت أن أتحدَّث عن طفولة الآخرين، ومع ذلك تحدثت بصراحة عن طفولتي، وربما أسرق أفكارًا جديدة للفصل الثاني من قصة طفولة الأديب محمد شكري، وأقول إن أبي كان يعذِّب أمي، ويجبرني على شرب السجائر وعمري أربع سنوات.

سأؤكد أنني نمت أيامًا وليالٍ على الرصيف، وأقول إن "شكري" كان زميلي في المدرسة.. وسرق سيرته الذاتية المؤلِمة من طفولتي! 

اقرأ/ي أيضًا: 

في غرفة الانتظار

لم يفت الأوان بعد!