03-يوليو-2017

إحدى المباريات بين الدنمارك ومصر سنة 1948 (Allsport UK)

في الأسبوع الأول من نيسان/أبريل الماضي، قام شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء المصري، بزيارة نادي الزمالك، بناءً على دعوة رئيس النادي مرتضى منصور. أغلب التغطيات الصحفية لزيارة إسماعيل للنادي الأبيض اتفقت على أن السبب من ورائها هو تفقد المنشآت الرياضية الجديدة، في حين حمّل البعض الزيارة أبعادًا أخرى تزامنًا مع بدء المعركة الانتخابية على مقعد رئاسة النادي، والمقررة في العام المقبل.

عبد الخالق باشا ثروت، تولى رئاسة الحكومة المصرية في عام 1922، واحتفظ بوزارتي الداخلية والخارجية معًا إلى جانب رئاسته للنادي الأهلي

الزيارة لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي يقوم بها مسؤول سياسي مصري إلى أحد الأندية الشعبية، فالتاريخ الرياضي المصري حافل بأحداث ووقائع تشهد على علاقة مثيرة ربطت حكام مصر وكبار مسؤوليها بالأندية الرياضية، وفي مقدمتها أندية كرة القدم التي تتمتع بجماهيرية كبيرة في الشارع المصري. مثلاً، عبد الخالق باشا ثروت الذي تولى رئاسة الحكومة المصرية في عام 1922، واحتفظ بوزارتي الداخلية والخارجية معًا إلى جانب ذلك المنصب، كان لا يزال رئيساً للنادي الأهلي قبل ذلك التاريخ بست سنوات، وهي المرة الأولى والأخيرة التي تشهد فيها مصر رئيسًا لحكومتها يرأس ناديًا رياضيًا في نفس الوقت.

اقرأ/ي أيضًا: كان يا ما كان.. حكاية اسمها الأهلي والزمالك

لكن بالعودة إلى عام 1916، يمكننا الوقوف على أول اهتمام رسمي بالرياضة في مصر، وذلك عندما عرض الصحفي المصري إبراهيم علام على عدد من الضباط والقادة البريطانيين فكرة بدء مسابقة أو بطولة كروية مصرية تشارك فيها الأندية المصرية والفرق العسكرية الإنجليزية. ما أراده علام بفكرته هو الاستقلال عن الاتحاد الرياضي المختلط الذي يسيطر عليه الإنجليز، وفي سبيل ذلك استعان بأحد أصدقائه لإقناع القادة الإنجليز بأهمية ذلك الترفيه الكروي المنتظم الذي يحتاجه جنود الإمبراطورية أثناء وجودهم في مصر.

ذهب الصديقان بالفكرة إلى رئيس تحرير جريدة "إيجيبشيان ميل" الصادرة بالإنجليزية، وفي اليوم التالي توجه الرجل إلى قصر عابدين والتقى بأحد مستشاري السلطان حسين كامل، حاكم مصر وقتذاك، وشرح له فكرة البطولة الجديدة وعرض عليه إقامتها تحت رعاية السلطان نفسه. وافق السلطان على المقترح، فحملت البطولة اسمه وتم الاستقرار على أن يقدم االسلطان كأس البطولة للفريق الفائز، الكأس السلطانية.

كان ذلك هو المشهد الأول في سيرة العلاقة بين حكام مصر وكرتها، ليبدأ الفصل الجديد بعد 6 سنوات من هذا التاريخ بإنشاء الاتحاد المصري لكرة القدم، والذي قرر بدء نشاطه بإقامة بطولة للكأس تحمل اسم الأمير فاروق نجل الملك فؤاد الأول، والذي أكمل العامين بالكاد. فرحة الملك بولده الصغير لم تجعله فقط يوافق على مقترح اتحاد الكرة بتسمية الكأس على اسم ابنه، بل إنه تبرّع بقيمة كأس البطولة من ماله الخاص، وأصرّ على استقبال أعضاء مجلس إدارة الاتحاد المصري لكرة القدم وتسليمهم الكأس، في مشهد لم تعرفه مصر من قبل، لكنها ستتعوّد عليه في العقود اللاحقة.

حملت البطولة اسم "بطولة التفوق لنيل كأس الأمير فاروق"، لكن سرعان ما اكتفى الناس باسمها الشائع "كأس الأمير فاروق" ثم "كأس الملك فاروق"، بعد جلوسه على عرش مصر في 1936، ثم "كأس مصر" بعد حركة "الضباط الأحرار" في تموز/يوليو 1952.

أوائل عام 1929، تلقى رئيس النادي الأهلي مرسومًا ملكيًا يجعل النادي تحت رعاية الملك فؤاد، الذي تتالت زياراته للأهلي

ولكن يبدو أن شغف الملك فؤاد بلعبة الفقراء والبسطاء لم يقتصر على تقديم الدعم المالي، ففي أوائل عام 1929، تلقى جعفر باشا والي، رئيس النادي الأهلي خلفاً لعبد الخالق ثروت، مرسومًا ملكيًا يجعل النادي تحت رعاية الملك فؤاد، وبسبب تلك الرعاية الملكية شهدت مصر أول ملك يقوم بزيارة لنادٍ رياضي. بعدها، تعددت زيارات الملك للنادي الأهلي، رفقة ولي عهده الأمير فاروق، وأصبح الأمر أكبر من مجرد ناد لكرة القدم يظهر فيه الملك وابنه في شرفته الملكية أثناء المباريات، فقد أصرّ الملك على إقامة حفل ضخم في النادي لتنصيب ابنه كشّافًا أعظم حين أكمل الرابعة عشرة من عمره، وحين صار فاروق ملكًا أعلن رعايته الملكية هو الآخر للنادي الأهلي، وقال بعض المؤرخين إنه تشرّب حب النادي منذ صغره وظل يشجّعه طيلة حياته.

الملك فاروق يرفع علم النادي الأهلي

ما سبق يمكن اعتباره إرهاصات لما سيطرأ على علاقة الحاكم وكرة القدم في مصر، فمثلما يلاحظ المصريون الآن حرص القيادة السياسية على توظيف دعمها للمنتخب الوطني وللفرق المصرية في المنافسات الرياضية كوسيلة لكسب الشعبية بين الجماهير، انتبه مستشارو فاروق إلى أهمية كرة القدم والدور الذي يمكنها لعبه في تعزيز صورة الملك الشاب لدى المصريين، فأشاروا عليه بحضور المباريات الكروية المهمة وأصبح الأمر بمثابة واجب بروتوكولي يُفترض بالملك تأديته.

يلاحظ المصريون الآن حرص القيادة السياسية على توظيف دعمها للمنتخب وللفرق المصرية كوسيلة لكسب الشعبية بين الجماهير

لذلك، يحمل يوم  27 أيلول/سبتمبر 1936 أهمية تاريخية، كونه التدشين الأول لحضور الحاكم المصري لمباراة كرة قدم بين فريقين جماهيريين، عندما زار الملك فاروق ملعب نادي الاتحاد السكندري لمشاهدة لقاء الاتحاد والنادي الأهلي، الذي انتهى لصالح الأخير بثلاثة أهداف مقابل لا شيء، وكان فى استقباله الأمير عمر طوسون وأعضاء الحكومة ومدير بلدية الإسكندرية ونائب المندوب السامي الإنجليزي وكبار رجال القصر ورؤساء المصالح فى الإسكندرية.

في اليوم التالي للمباراة، عمد رجال القصر إلى تسويق الزيارة الملكية عبر الصحف الموالية، حيث أكدت التغطيات الإخبارية للزيارة أهمية الخطوة في تشجيع روح الرياضة واعتبرتها دليلًا على تواضع الملك وسعيه للاندماج مع أفراد الشعب المصري. وجدير بالذكر، أن فاروق أدخل نادي الاتحاد السكندري تحت رعايته، مثلما فعل مع النادي الأهلي، فصار هناك ناديان ملكيان، واحد في القاهرة وآخر في الإسكندرية.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يبتعد لقب هدَّاف الدوري المصري عن الأهلي والزمالك؟

بمرور الوقت وتوالي الزيارات الملكية، أصبح الأمر اعتياديًا ومألوفًا، وامتد ليشمل رياضات أخرى غير كرة القدم، فافتتح الملك نادي السلاح وحضر ختام البطولة المحلية للسباحة والمباراة الافتتاحية للموسم الكروي 1937 بين فريقي الأهلي والاتحاد وصافح قائد النادي الأهلي وهنأه على الفوز بالمباراة، وصاحب ذلك كله تمجيد الصحافة المصرية لما يفعله الملك، وكذلك غيرة من جانب السياسي الأبرز في ذلك الحين، مصطفى باشا النحاس زعيم حزب الوفد.

المصادر التاريخية التي وثّقت تلك الفترة من تاريخ مصر أكدت أن العلاقة بين القصر والوفد شهدت ندية ممتدة بين الجانبين، والرياضة وأنديتها لم تكن بعيدة عن لعبة الشدّ والجذب بين طرفي الحكم في مصر، إذ سرعان ما دخل النحاس باشا على الخط ولم يفوّت فرصة التواجد في المشهد الرياضي، ليزاحم الملك. البداية جاءت في آذار/مارس 1937 عندما زار النحاس النادي الأهلي، يرافقه وزير المعارف ووزير الحربية ورئيس مجلس النواب ومدير مصلحة السجون والذي كان رئيسًا لنادي الزمالك أيضًا، وذلك لمشاهدة مباراة ودية بين منتخبين من المصريين والأجانب خُصصت إيراداتها لصالح الدفاع الوطني.

الملك فاروق في نهائي الكأس عام 1944

وفي تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه، ذهب النحاس إلى الإسكندرية لحضور بطولة للسباحة، وشارك في تحكيمها أيضًا، ووزّع الجوائز على الفائزين، ونشرت الصحف صورته أثناء توزيع الجوائز وهو يرتدي مايوه السباحة ومن فوقه "بُرنس" الاستحمام، وعلّق البعض على سأم النحاس باشا من مؤامرات القصر ومضايقات الإنجليز وتوجيه اهتمامه إلى الرياضة كمجال يمكن الاستثمار فيه معنويًا.

بدا التنافس بين الملك فاروق ومصطفى النحاس زعيم حزب الوفد، واضحًا على حضور المنافسات الرياضية الكبرى لكسب ود المصريين  

ربما لم ينتبه أغلب المؤرخين لذلك التنافس بين الملك الشاب والسياسي المخضرم، الذي تجسّدت فيه كافة مظاهر الصراع والتسابق بين الاثنين لكسب ودّ المصريين واحترامهم، رغم أن ذلك الاهتمام السياسي بالرياضة سيخرجها بعد أعوام قليلة من ملاعبها وصالاتها الضيقة إلى ساحات السياسة الممتدة والمليئة بالحسابات والتوازنات. في أواخر عام 1938، وأثناء حضور الملك فاروق لنهائي بطولة السباحة في نادي سبورتنج بالإسكندرية، انطلقت رصاصة من المدرجات استقرت في رجل أحد الشباب الحاضرين، وبدأت تحقيقات موسعة حول الحادث للتأكد من أن الأمر لم يكن محاولة لاغتيال الملك. تابعت الصحافة الموضوع وأطالت الحديث عن الرياضة والملك وظهوره في أماكن التجمعات والأندية، لكن التحقيقات انتهت إلى نفي الشكوك حول فرضية الاغتيال، واستمر فاروق على عادته في زيارة الأندية وحضور المباريات واللقاءات الرياضية، ولكن جاء ذلك بالتزامن مع زيادة الصلاحيات والمهام المنوطة بوزارة الداخلية في تأمين الفعاليات الرياضية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مصر.. سياسة في المستطيل الأخضر

أهداف قليلة.. لعنة كوبر تصيب الدوري المصري